العضل أو ما يُسمّى بحكر البنات

منذ 2013-08-24

وإن من قبائِحِ الصنائعِ تأخيرَ الأبِ تزويجَ ابنتِه مع تقدُّم الكُفْءِ لها، أو حجرَها على ابن عمِّها..


إنَّ الزواجَ آيةٌ من آياتِ اللهِ الكونيةِ، التي امتنَّ الله سبحانه بها على العبادِ عامَّةً، وعلى الرسلِ خاصَّة، وفطرةٌ فَطَر الله عليها الكائناتِ البشريةَ وغيرَها؛ لتستمرَّ الحياة، قال جلَّ في علاه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].

وقال في شأنِ رسلِه عليهم الصلاة والسلام: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38].

وحثّ نبيُّنا صلى الله عليه وسلم على الزواجِ لِمَن كانت له القدرةُ الماديةُ والبدنيةُ؛ ليُكاثِرَ بأمَّتِه الأممَ يومَ القيامةِ؛ فعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تزوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ؛ فإنِّي مكاثِرٌ بكم الأممَ يوم القيامة» (أخرجه ابن حبان في "صحيحه" [1228 - موارد]، وأحمد [3/158،245]، والطبراني في "الأوسط" [1/162/1]، وقال الألباني: صحيح لشواهده [الإرواء 6/195]).

وليعفَّ نفسَه عن الحرامِ؛ فعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن استَطَاعَ منكم الباءَةَ، فليتزوَّج؛ فإنه: أغضُّ للبصرِ، وأحصنُ للفرجِ، ومَن لم يَستَطِع فَليَصُم؛ فإن الصومَ له وِجَاءٌ» (أخرجه أحمد [1/378] [3592]، و"البخاري" [3/34] [1905]، و"مسلم" [4/128] [3379]).

وجعَل الزواجَ نصفَ الدينِ؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا تزوَّج العبدُ، فقد استَكمَل نصفَ الدِّينِ؛ فليتَّقِ اللهَ في النِّصفِ الباقي» (رواه البيهقي في شعب الإيمان [4/382]، [رقم 5486]، وحسنه الألباني، انظر حديث رقم: [430] في صحيح الجامع).

والإسلامُ -أيها الأفاضل- هو منبَعُ الحضارةِ والسُّؤدَدِ، والتمسُّكُ بِه يُثمِر الرُّقيَّ والتقدُّم، يَبنِي الأمَمَ، ويُنشِئ الأجيالَ بأمثلِ السُّبُل، يسَّر مسالكَ النِّكاح ودروبَ المودَّة بزواجٍ سعيدٍ، يُبْهِج الزوجَين وأهلَهما، ويسرُّ المجتمعَ بأكملِه.

يختار الزوجُ امرأةً ذاتَ دينٍ، وخُلقٍ راقٍ، وأدبٍ رفيع، وإذا تقدَّم خاطبٌ كُفْءٌ متَّسِمٌ بالدينِ والخلُقِ، لم يُرَدَّ، وبعدَ استشارةٍ لذوي النُّهَى، واستخارةٍ، وعزمٍ على الاختيار، يَرَى الخاطبُ مخطوبتَه بحضورِ مَحْرَمِها.

ومع انشراحِ صدرٍ وتوكُّل، يُعقَد النِّكاحُ، وفي ليلةِ الزفافِ فرحٌ معتدِلٌ، لا مباهاةَ فيه ولا مفاخرةَ: يُعلَن فيه النِّكاحُ، ويُدعَى إليه، ويصنَعُ طعامٌ بقدرِهم، لا إسرافَ فيه ولا تبذيرَ، وتُزَفُّ المرأةُ إلى زوجِها، والمرأةُ الواعيَةُ -ذاتُ العقلِ الراجحِ والروحِ السَّاميةِ- تَسعَى إلى منعِ المحرَّم في زواجِها؛ لعِلمِها أن المعصيةَ لها أثرٌ على حياتِها مع زوجِها، والإسلامُ يسَّر النكاحَ، وسهَّل أبوابَه على الشَّباب.

وإن من قبائِحِ الصنائعِ تأخيرَ الأبِ تزويجَ ابنتِه مع تقدُّم الكُفْءِ لها، أو حجرَها على ابن عمِّها، وقد جاءت فتاةٌ تشكو حَجْرَ أبيها عليها، وتزويجَه إيَّاها ممّن لا تَرغَب في الزواج منه، فماذا كان موقِف المصطفى صلى الله عليه وسلم، فعن عائشةَ رضي الله عنها: "أن فتَاةً دَخَلت عليها، فقَالت: إن أبي زوجني ابنَ أخيه؛ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ، وأنا كَارِهةٌ، قالت: اجلِسِي حتى يأتيَ النبي صلى الله عليه وسلم فجَاء رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأخبَرَتهُ، فأرسل إلى أبيها فدَعَاه، فجَعَل الأمرَ إليها، فقالت: يا رسولَ الله، قَد أجزتُ مَا صَنَعَ أبي، وَلَكِنْ أردتُ أنْ تَعْلَمَ النساءُ أنْ ليس للآباءِ مِنَ الأمرِ شيءٌ" (أخرجه أحمد [6/136]، والنسائي [6/86]، وابن ماجة [1874])، ولما كان الرِّضا بالشيءِ قبولَه وعدمَ ردِّه، فلا بدَّ من رضا الزوجةِ؛ فلا تُكْرَه ولا تزوَّج بمن لا تُرِيده، ولا بدَّ من رضا الزوجِ؛ فلا يُكْرَه على مَن لا يُرِيدها.

والله تعالى ذكر الرِّضا في أمورٍ عاديةٍ؛ ففي البيع يقول تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء من الآية:29]، بمعنى: أنه لا بد أن يكون البيع بعد التَّراضِي، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّما البيعُ عن تراضٍ» (أخرجه ابن ماجة [2185])، فإذا كان هذا في بذْل المال، فلا شكَّ أنَّ بذل الزَّوجية أولى بأن يكون محلَّ الرضا، فلا بد من رضا الزّوجة؛ لذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا تُنكَح المرأةُ الثيِّب حتى تُستَأمَرَ، ولا تُنكَح البِكرُ حتى تُستَأذَن» (أخرجه أحمد [2/250] [7398] و[2/425] [9487]، والبُخاري [5136]، ومسلم [3457])، فقالوا: وكيف إذنُها؟ قال: «أن تَسكُتَ»؛ فاشتَرَط رِضَاها، ولم يَذكُر هنا اشتراطَ رضا الزوجِ؛ لأن الزوجَ -عادةً- هو الذي يَطلُب، وهو الذي يتقدَّم، وهو الذي يتكلَّم، ولا حاجةَ حينئذٍ إلى استرضائه، وإن كان قد يُلزِمُه وليُّه أحيانًا إذا رأى أنَّ في تزويجه مصلحةً له.

فعلى هذا؛ لا بدَّ من رضا كلٍّ من الزوجينِ، واشترط رضا الزوجةِ؛ وذلك لأنها هي التي تَحبِس نفسَها على هذا الزوجِ مدَّةً طويلةً، قد تكون عشراتِ السنين، فإذا كانت مكرهةً مغصوبةً، لم تطمئنَّ في معيشتِها، ولم تَهنَأْ في حياتِها، ولم يستقرَّ لها قرارٌ، بل عيشُها نكدٌ، ونومُها كمدٌ، وقرارُها ضررٌ؛ حيث إنها تَرَى ما تَكرَه؛ لأجلِ ذلك لم يكن بدٌّ من رضا الزوجةِ، وقد تقدَّم حديثُ الفتاةِ، وهو دليلٌ واضحٌ على أن المرأةَ لا يَجُوز إكراهُها، وإذا أُكرِهت، فإن لها الخيارَ إن شاءتْ أن تستقرَّ مع هذا الزوجِ، وإن شاءت أن تَنفَصِل عنه، هذا هو القولُ الصحيحُ؛ وذلك لأن إجبارَها ضررٌ واضحٌ عليها، فمعلومٌ: أنها هي التي تُعاشِر الزوجَ، وهي التي تُقِيم عنده، وهي التي يَستَمتِع بها، وهي التي يَستَخدِمها ويَستَنفِع بها، فإذا كانت تَكرَهُه إذا رَأَته فكأنَّها تَرَى عدوًّا من أشدِّ الأعداءِ لها، فلا قرارَ لها ولا استقرارَ؛ فاشترط بذلك رِضَاها.

واعلم أيها الأبُ أن ابنتَك مستضعفةٌ في دارِك، منعَها حياؤها من إبداءِ مكنونِ نفسِها، تُصبِح أسيفةً، وتَمشِي حزينةً، تتألَّم من دخول بوَّابة العُنُوسةِ، والمرأةُ زهرةٌ لها زمنٌ قصيرٌ ثم تَذبُل، ومِن الهَدْي القويم تزويجُها في سنٍّ مبكِّرَة.

ولا غضاضةَ في عَرضِ الرجلِ ابنتَه أو أختَه على الرجلِ الصالح، وهذا من تمام الرِّعايةِ والقيامِ بالولايةِ، وعمرُ الفاروقُ رضي الله عنه "عَرَض ابنتَه حفصةَ على عثمانَ، فردَّها وما غَضِب، فعَرَضها على أبي بكرٍ، فردَّها وما أَيِس، فعَرَضها على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فتزوَّجها" (أخرجه البخاري في النكاح [5122])، ومن قبله النبيُّ الصالح شعيبٌ عليه السلام حيث قال لموسى عليه السلام: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:27]، أفلا يكونُ لك فيهما عبرةٌ وقُدوةٌ؟

ومنعُ الآباءِ الخاطبَ ذا الدينِ والخلُقِ مخالفٌ لأمرِ الشريعة، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءَكم مَن ترضونَ دينَه وخلقَه فزوِّجُوه، إلا تَفعَلوا تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ» (أخرجه الترمذي في النكاح [1084]، وابن ماجة في النكاح [1967] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصحَّحه الحاكم [164/2-165]، وتعقَّبه الذهبي بأن فيه عبدالحميد بن سليمان، قال فيه أبو داود: "كان غير ثقة"، وفيه أيضًا ابن وثيمة؛ لا يعرف، ثم اختلف في إسناده، فنقل الترمذي عن البخاري أنه يرجح انقطاعه، ولكن للحديث شواهد يتقوى بها؛ ولذا حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة [1022] [9] - "البخاري" [7/23]).

بعض أسباب العَضْلِ أو "الحكر":

1- الطمعُ المادِّي من قِبَل وليِّ الأمر؛ فيُغلِي المهورَ على الخاطبين.

2- الاستفادةُ من راتبِ البنت.

3- تعزُّز وليِّ المرأة، واستكبارُه، وإظهارُ الأنفةِ للخُطَّاب، فيَتَعاظَم عليهم في النظراتِ، ويترفَّع عنهم في الحديثِ؛ فيَبتَعِد الرجال عن التقدُّم لخطبةِ ابنتِه أو مُوَلِّيَته؛ لشدَّته وتجهُّم وجهِه، واغترارِه بنفسِه ومركزِه وجاهِه وثرائه، يقولُ شيخ الإسلام ابن تيميةَ رحمه الله: "ومن صورِ العضل: أن يَمتَنِع الخطَّاب من خطبةِ المرأةِ لشدَّة وليِّها".

4- حصرُ المرأة في أقاربِها، أو حجرُها عليهم، إما أن يكونَ بتكبُّرٍ من العائلةِ وتعالٍ على الناس، أو أنه خضوعٌ لعاداتٍ جاهليةٍ وتقاليدَ باليةٍ، وحصرُ المرأة وحجرُها على أقاربِها وهم لم يتقدموا إليها، أو هي لا ترغب فيهم -ظلمٌ وعدوان-، وتمسُّكٌ بالعصبية الجاهلية، والحميَّة القبلية.

5- حبسُ الوليِّ ابنتَه أو مُوَلِّيتَه؛ لتخدمَه وتقومَ على شؤونه.

وقد أَصدَرت هيئةُ كبارِ العلماء فتوَى بأن التحجيرَ، وإجبارَ المرأةِ على الزواجِ بمن لا تَرضَاه، ومنعَها من الزواج بمن تَرغَب فيه ممن استوفى الشروط المعتبرة -شرعًا- أمرٌ لا يَجُوز؛ بل اعتَبَرته من أكبرِ أنواعِ الظلم والجَوْر، وإليكم القرارَ "153" الذي صَدَر من مجلسِ هيئةِ كبار العلماء بتاريخ "15/8/1409"هـ:

"الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على خاتم النبيِّين والمرسلين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فإن مجلسَ هيئةِ كبارِ العلماء في دورتِه الثالثة والثلاثين المنعقِدة في مدينةِ الرياضِ بتاريخ (4/8/1409)"هـ إلى (15/8/1409)هـ - اطَّلع على المعاملةِ الواردةِ من سعادةِ وكيلِ إمارةِ منطقةِ عسير - برقم [8226] وتاريخ (10/2/1409)هـ - الخاصَّةِ بتحجيرِ أحدِ الأشخاصِ ابنةَ عمِّه، ومنعِها من الزواجِ بغيرِه، وتهديدِه لها ولأبيها وللشخصِ الذي يُرِيد الزواجَ بها؛ لأنه يَرَى أنه أحقُّ بالزواجِ بابنةِ عمِّه أو قريبه من غيره، ونظرًا إلى أن هذه الظاهرةَ منتشرةٌ بين الجهلةِ من سكانِ تلك الجهةِ وغيرِها، وهي من العاداتِ الجاهليةِ المخالفةِ للشرعِ المطهَّر، وقد الْتَمَس سعادتُه دراسةَ الموضوعِ، وبيانَ الحكمِ الشرعيِّ بشأنِه؛ للقضاءِ على هذه الظاهرةِ السيئة.

وقد دَرَس المجلسُ الموضوعَ، واطَّلع على كلامِ أهلِ العلمِ في موضوع: التحجيرِ، والعضلِ، ومنعِ المرأة من الزَّواج ممن تَرضَى الزواجَ منه هي ووليُّها، وإجبارِها على الزواجِ بمن لا تَرَضاه، وعَضلِها عن الزواجِ بغيرِه إذا لم تُوَافِق على الزواج به، وأَدلَّة تحريمِ ذلك من كتاب الله وسنةِ رسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم وإجماعِ أهلِ العلم؛ فمن ذلك: قولُ اللهِ سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء من الآية:19].

ورَوَى البخاريُّ في صحيحِه عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}، قال: "كانوا إذا ماتَ الرَّجلُ كان أَولِياؤه أحقَّ بامرأتِه، إن شاءَ بعضُهم تزوَّجها، وإن شاؤوا زوَّجوها، وإن شاؤوا لم يُزوِّجوها، وهم أحقُّ بها من أهلِها؛ فنزَلت هذه الآيةُ.

ومن ذلك: قولُ اللهِ سبحانه: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة من الآية:232]، رَوَى البخاريُّ في صحيحِه عن مَعقِل بن يَسَار رضي الله عنه قال: "زوَّجت أختًا لي من رجلٍ، فطلَّقها حتى إذا انقَضَت عدَّتُها، جاء يَخطُبُها، فقلتُ له: زوَّجتُك وأَفرَشتُك وأكرمتُك، فطلَّقتَها، ثم جئتَ تَخطُبها؟! لا والله لا تَعُود إليك أبدًا"، وكان رجلاً لا بأسَ به، وكانت المرأةُ تُرِيد أن تَرجِع إليه، فأنزل الله هذه الآيةَ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}، فقلتُ: "الآن أفعلُ يا رسولَ اللهِ"، قال: «فزوجها إيَّاه».

ورَوَى البخاريُّ في صحيحِه عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُنكَح الأَيِّمُ حتى تُستَأمَر، ولا تُنكَح البِكر حتى تُستَأذَن».

ورَوَى البخاريُّ في صحيحِه عن خَنساءَ بنتِ خِدامٍ الأنصاريَّةِ رضي الله عنها: "أن أباها زوَّجها وهي ثيِّب، فكَرِهت ذلك، فأَتَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فردَّ نِكاحَها"، وغير هذه الأدلة.

ونظرًا إلى أن: العضلَ، والتَّحجيرَ، وإجبارَ المرأةِ على الزواجِ بمن لا ترضاه، وعدمَ استئمارِها أو أخذِ إذنِها -من العاداتِ الجاهليةِ التي أَبطَلها الإسلامُ، وجاء بالنهيِ عنها والتهديدِ والوعيدِ الشديدِ على المصرِّين عليها، كما جاء الوعيدُ الشديدُ في حقِّ المخالفينَ لأمر الله وأمر رسولِه صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].

وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7].

فإن المجلسَ يقرِّر بالإجماعِ ما يلي:

1- أن التحجيرَ، وإجبارَ المرأةِ على الزواجِ ممن لا تُوافِق عليه، ومنعَها من الزواج بمن رَضِيت هي وولِيُّ أمرِها الزواجَ به ممن تَتَوافَر فيه الشروطُ المعتبَرةُ -شرعًا- أمرٌ لا يَجُوز، والنصوصُ الشرعيةُ صريحةٌ بالنهيِ عنه، والنكاحُ على هذا الوجهِ منكَرٌ ظاهرٌ؛ إذ التحجيرُ من أكبرِ أنواعِ الظلم والجَورِ.

2- مَن يُصرُّ على تحجيرِ الأنثى، ويُرِيد أن يَقهَرَها، ويتزوَّجها أو يزوِّجها بغيرِ رِضَاها، فإنه عاصٍ لله ولرسولِه، ومَن لم يَنتَهِ عن هذه العادةِ الجاهليةِ التي أَبطَلها الإسلامُ تَجِب معاقبتُه بالسجنِ، وعدم الإفراجِ عنه إلا بعدَ تخلِّيه عن مطلبِه المخالفِ لأحكامِ الشرع المطهَّر، والتزامِه بعدمِ الاعتداء على المرأةِ أو وَلِيِّ أمرِها أو مَن يتزوَّجها، وبعدَ كفالتِه من قِبَل شيخِ قبيلتِه، أو أحد ذوي النفوذِ فيها بالالتزامِ وعدمِ الاعتداءِ.

3- تكثيفُ توعيةِ المواطنينَ بعدمِ جوازِ هذا الأمرِ، وبيان مخالفتِه للشرعِ المطهَّر من قِبَل: القُضَاة، والخطباء، والدَّعاة، والوعَّاظ، وأهل الحِسْبَة، وفى جميعِ وسائلِ الإعلام: المرئية، والمسموعة، والمقروءة.

الجناياتُ التي يَرتَكِبها عاضلُ مُوَلِّيتِه، وعدم تزويجِها بالكفْء:

- جنايةُ الولِيِّ على نفسِه بمعصية الله ورسوله.

- وجنايةٌ على المرأةِ؛ حيث مَنَعها من الكفْء الذي رَضِيتْه.

- وجنايةٌ على الخاطبِ؛ حيث مَنَعه من حقٍّ أَمَر الشارعُ بإعطائِه إيَّاه في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جَاءَكم مَن تَرضَون دينَه وخلقَه، فزوِّجوه».

وقد ذَكَر أهلُ العلمِ رحمهم الله أن الولِيَّ إذا امتَنَع من تزويجِ مُوَلِّيتَه بكفْءٍ رَضِيته سَقَطتْ ولايتُه، وانتَقَلت لمن بعده؛ الأحق فالأحق، أو انتَقَلت إلى السلطانِ؛ لعمومِ حديثِ: «فَإِن اشتَجَروا؛ فالسلطانُ وَلِيُّ مَن لا وَلِيَّ له» (أخرجه الترمذيُّ من حديث عائشة رضي الله عنها وقال: "حديث حسن").

كما قال أهلُ العلمِ: "إذا تكرَّر من الولِيِّ ردُّ الخُطَّاب من غيرِ سببٍ صحيحٍ، صار فاسقًا، ودَخَل عليه النقصُ في دينِه وإيمانِه".

فاتَّقوا الله أيها الناسُ، واتَّقوا اللهَ أيها الأولياءُ، وَاحذَروا من أفعال بعضِ الجاهليةِ من باديةٍ وحاضرةٍ، من أمورٍ منكَرةٍ في دين الله، وأفعالٍ ممقوتةٍ لَدَى العقلاءِ، في تقاليدَ باليةٍ، ونظراتٍ جاهليةٍ، وجَفَاءٍ في المعاملة، وضيقٍ في التفكير.

والله الموفِّق، وصلى الله على خيرِ خلقِه وخاتِم رسله نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه.


المختار بن العربي مؤمن
 

  • 9
  • 3
  • 42,314

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً