(وحيد في دمشق) أيلي كوهين

منذ 2013-09-02

كان الاسم الرمزي لأيلي كوهين "المحارب 88" أكبر جواسيس الموساد في التاريخ، تم إعدامه بساحة المرجة وسط دمشق في 18 مايو 1965، بعد قربه من حبل المشنقة بست خطوات قال: "تحيا إسرائيل"، تركت جثته معلقة في ساحة لست ساعات فقط، قبل إعدامه في نوفمبر عام 1964 زار الكيان الصهيوني وذهب إلى السينما مع شقيقه.


كان الاسم الرمزي لأيلي كوهين "المحارب 88" أكبر جواسيس الموساد في التاريخ، تم إعدامه بساحة المرجة وسط دمشق في 18 مايو 1965، بعد قربه من حبل المشنقة بست خطوات قال: "تحيا إسرائيل"، تركت جثته معلقة في ساحة لست ساعات فقط، قبل إعدامه في نوفمبر عام 1964 زار الكيان الصهيوني وذهب إلى السينما مع شقيقه.

الكاتب الصهيوني صموئيل سيجف نشر كتابًا عن كوهين بعنوان: (وحيد في دمشق) قال فيه: "هل أيلي كوهين كان يخطط للعودة وتشغيل المسرح والسينما؟ -متسائلًا سيجف- وقال: ربما عندما تنتهي مهمته".
الكاتب الذي يعمل منذ 35 عامًا في صحيفة معاريف معلقًا على شؤون الشرق الأوسط نشر الطبعة الأولى من الكتاب قبل 26 عامًا، وفي الفترة الأخيرة رفعت الرقابة على أجزاء كبيرة من ما كتبه سيجف.

يقول سيجف: أخذ أحد مساعدي الرئيس السوري أمين الحافظ جثت كوهين ورماها في حفرة خارج دمشق دون مراسم، أصبح الآن من الصعب تحقيق مطلب الحكومة الصهيونية بإخراج عظام أخطر جواسيسها لأن التضاريس تغيرت وأصبح هناك شوارع ومدن ومنازل، وحدائق بنيت في تلك المنطقة، جندت المخابرات الصهيونية كوهين في مايو 1960، وتم تعيينه في وحدة الاستخبارات العسكرية رقم 188، التي تأسست لتنفيذ عمليات خاصة، ولد كوهين في الأسكندرية بمصر لعائلة مكونة من ستة أبناء وابنتان، عمل على زيادة تدفق اليهود من مصر إلى الكيان الصهيوني، وحينما هاجر كان عمره 33 عامًا، كان ثلاثة أشخاص حول كوهين يعرفون شخصيته الاستخباراتية وجميعهم لم يعودوا على قيد الحياة، عمل كوهين مع وحدة (سالينغر) في أوروبا، أطلق عليه أسماء مستعارة عدة من بينها (المقاتل 88)..

بمجرد دخول كوهين إلى سوريا أصبح اسمه كامل أمين ثابت، وبحسب الكتاب فإن الأخير خضع لتدريبات واسعة تشمل المراقبة وشحذ الذاكرة، والتشفير وتنفيذ هجمات، كما تعلم كوهين كيفية صنع مفاتيح باستخدام (العلكة) واستخدام الحبر السري، وصنع قنبلة صغيرة من مواد كيميائية متوفرة في صيدلية، كما كان يحفظ سور من القرآن ويقيم الصلوات ويحسن لهجته، بنى كوهين صورة التاجر العربي في الأرجنتين حتى انتقل عام 1962 إلى دمشق زاعمًا بأنه كان يعمل في أوروبا..
.
كان لديه طموح بأن يصبح ممثل مسرحي، ويحافظ على هويته الحقيقية، عاش كوهين لمدة ثلاث سنوات في مراكز السلطة في سوريا، تم استيعابه في دمشق بدرجة لا تصدق وكانت المعلومات التي قدمها موثوقة ودقيقة. يقول الكاتب (سيجف) عقب اعتقاله عبر سوريا ما يقرب من 500 شخص، وكان عمله يشمل مصر ولبنان وليس سوريا فقط، تمكن كوهين من زيارة مرتفعات الجولان ثلاث مرات وهذا ما اعتبر إنجاز، لأن القليل من الناس في الجيش السوري قاموا بهذا الكم من الزيارات، دخل كوهين سوريا بمساعدة رجل أعمال سوري يعمل عميلًا لحلف شمال الأطلسي، أقرت الحكومة الصهيونية بأنه قدم معلومات مهمة ساهمت في انتصار الكيان الصهيوني في (حرب الأيام الستة) عام 1967.

استخدم كوهين جهاز بحجم علبة السجائر لبث رسائله، ولا يجب أن يغيب عن بالنا بأنه وضع تحت اختبارات نفسية كبيرة، حيث امتدحه علماء علم النفس ووصفوه بأنه شجاع جدًا، ولديه سرية واستخبارات عالية وذاكرة ممتازة، تقول الرواية الصهيونية إن كوهين في آخر زيارة إلى الكيان الصهيوني عاد إلى سوريا، وشعر بشكوك لدى الرئيس أمين حافظ، فأثناء عودته تعرف على شخص من خلال الرئيس السوري قال له بأنه شخصية نازية هرب خلال الحرب العالمية الثانية حيث كان مساعد (أيخمان)، تناولا في أحد الأيام وجبة غذاء، وقيل له إنه شارك بقتل الآلاف من اليهود، حاولت ألمانيا العثور عليه لكنه هرب إلى دمشق وبقى على اتصال منتظم مع المخابرات السورية ويعيش بهوية مزورة، بعد هذه الواقعة شعر كوهين بشكوك المخابرات السورية.

في عام 1966 وبعد إعدام كوهين وصل عناصر الاستخبارات الألمانية إلى منزل النازي الألماني وتم إعتقاله ومحاكمته حتى مات في السجن، أثارت محاكمة كوهين بلبلة كبيرة في سورية بسبب اختراقه للطبقات العليا في المجتمع وبين المسؤولين الحكوميين، ورفضت دمشق جميع المقترحات التي عرضتها الحكومة الصهيونية من أجل استخراج جثته حيث تم إعدامه في ساحة المرجة، وكان أب لثلاثة أبناء، وبحسب كتاب (وحيد في دمشق) فقد طلب كوهين من أسرته بعدم الحزن على مصيره والتطلع إلى مستقبل أفضل.

شكلت الحكومة الصهيونية لجنة للتحقيق في حادثة اكتشاف كوهين، وبحسب ما أقرته اللجنة فإن المعدات التي استخدمتها أجهزة المخابرات السورية والتي كانت مستوردة من الاتحاد السوفيتي لم يكن لها تأثير في كشف مكان إقامة كوهين ورصد إشارته التي كان يرسلها للموساد، يقول سيغيف مؤلف الكتاب: "أن قصة أيلي كوهين تروي حقبة من الزمن مرتبطة بالوضع الذي تمر به سوريا، فالوحشية التي كان يتبعها النظام منذ زمن لا تزال موجودة ضد شعبه". ويختتم المؤلف بالقول: "إنه سيتم إنتاج فيلم سينمائي حول قصة أيلي كوهين حيث سيكون سعيدًا بأن يلعب الممثل الأمريكي جورج كلوني دور البطولة فيه"!

الرواية المصرية:
إلياهو كوهين هو الاسم الحقيقي لأيلي كوهين من مواليد الإسكندرية، حيث هاجر إليها أحد أجداده عام1924، وانضم كوهين عام 1944 إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الأسكندرية، وعمل متضامنًا مع السياسة الصهيونية ضد العالم العربي، عمل تحت قيادة (إبراهام دار) وهو أحد كبار الجواسيس الصهاينة الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره في التجسس ومساعدة اليهود علي الهجرة وتجنيد العملاء‏،‏ شارك بتنفيذ سلسلة من التفجيرات ببعض المنشأت الأمريكية في القاهرة والإسكندرية‏ بهدف إفساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.

وفي عام 1954 تم إلقاء القبض على أفراد الشبكة في فضيحة كبرى عرفت حينها بفضيحة لافون، وبعد انتهاء عمليات التحقيق،‏ كان أيلي كوهين قد تمكن من إقناع المحققين ببراءة صفحته إلى أن خرج من مصر‏ عام 1955‏ حيث التحق هناك بالوحدة رقم ‏131‏ بجهاز الموساد، ثم أعيد إلى مصر‏ ولكنه كان تحت عيون المخابرات المصرية‏ التي لم تنس ماضيه فاعتقلته مع بدء العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر ‏1956. ‏

بعد الإفراج عنه، هاجر إلى الكيان الصهيوني عام 1957‏ حيث استقر به المقام محاسبًا في بعض الشركات‏ وانقطعت صلته مع الموساد لفترة من الوقت‏،‏ ولكنها استؤنفت عندما طرد من عمله‏ وعمل لفترة كمترجم في وزارة الجيش، ولما ضاق به الحال استقال وتزوج من يهودية من أصل عراقي عام 1959، رأت قيادة الموساد أن أنسب مجال لنشاطه التجسسي هو دمشق‏، وبدأ الإعداد الدقيق لكي يقوم بدوره الجديد‏،‏ رتبت له المخابرات الصهونية قصة ملفقة ليبدو بها سوريًا مسلمًا يحمل اسم (كامل أمين ثابت) هاجر وعائلته إلى الإسكندرية ثم سافر عمه إلى الأرجنتين عام 1946 حيث لحق به كامل وعائلته عام 1947، وفي عام 1952 توفي والده في الأرجنتين بالسكتة القلبية كما توفيت والدته بعد ستة أشهر وبقى كامل وحده هناك يعمل في تجارة الأقمشة.

وفي 3‏ فبراير ‏1961 غادر كوهين الكيان الصهيوني إلى زيوريخ‏،‏ ومنها حجز تذكرة سفر إلى العاصمة التشيلية سانتياغو باسم كامل أمين ثابت‏،‏ ولكنه تخلف في بوينس أيرس حيث كانت هناك تسهيلات معدة سلفًا لكي يدخل الأرجنتين بدون تدقيق في شخصيته الجديدة‏، وفي الأرجنتين استقبله عميل صهيوني يحمل اسم أبراهام حيث نصحه بتعلم اللغة الإسبانية حتى لا يفتضح أمره، وبالفعل تعلم كوهين اللغة الإسبانية وكان أبراهام يمده بالمال ويطلعه على كل ما يجب أن يعرفه لكي ينجح في مهمته..

وظل كوهين لمدة تقترب من العام يبني وجوده في العاصمة الأرجنتينية كرجل أعمال سوري ناجح‏، فكون لنفسه هوية لا يرقى إليها الشك،‏ واكتسب وضعا متميزًا لدي الجالية العربية في الأرجنتين‏،‏ باعتباره رجلًا وطنيًا شديد الحماس لبلده وأصبح شخصية مرموقة في كل وتشير بعض الشائعات لتعرفه على العقيد أمين الحافظ، لكن توقيت استلام الحافظ منصب الملحق العسكري في بيونس آيرس كان قد تزامن مع سفر كوهين لسوريا مما ينفي أي علاقة مسبقة بين الرجلين..

في يناير 1962 وصلت إشارة لكوهين بالسفر إلى دمشق،‏ ومزودًا بعدد من التوصيات الرسمية وغير الرسمية لأكبر عدد من الشخصيات المهمة في سوريا‏،‏ مع الإشادة بنوع خاص إلي الروح الوطنية العالية التي يتميز بها‏،‏ والتي تستحق أن يكون محل ترحيب واهتمام من المسؤولين في سوريا‏،‏ وبالطبع‏،‏ لم يفت كوهين أن يمر علي تل أبيب قبل وصوله إلي دمشق‏،‏ ولكن ذلك تطلب منه القيام بدورة واسعة بين عواصم أوروبا قبل أن ينزل في مطار دمشق، أعلن كوهين أنه قرر تصفية كل أعماله العالقة في الأرجنتين ليظل في دمشق مدعيًا حب الوطن، وبعد أقل من شهرين من استقراره في دمشق‏‏ تلقت أجهزة الاستقبال في الموساد أولى رسائله التجسسية، التي لم تنقطع علي مدى ما يقرب من ثلاث سنوات‏،‏ بمعدل رسالتين علي الأقل كل أسبوع.

في عام 1965 وبعد 4 سنوات من العمل في دمشق، تم الكشف عن كوهين عندما كانت تمر أمام بيته سيارة رصد الاتصالات الخارجية التابعة للأمن السوري، وعندما ضبطت أن رسالة مورس وجهت من المبنى الذي يسكن فيه حوصر، تؤكد تقارير المخابرات المصرية أن اكتشاف الجاسوس إيلى كوهين في سوريا عام 1965 كان بواسطة التعاون مع المخابرات السورية، وفي نفس الوقت عن طريق الصدفة البحتة حيث أنه في أثناء زيارته مع قادة عسكريين في هضبة الجولان تم التقاط صور له وللقادة العسكريين معه.. وذلك هو النظام المتبع عادة لتلك الزيارات، وعندما عرضت تلك الصور على ضباط المخابرات المصرية تعرفوا عليه على الفور؛ حيث أنه كان معروفًا لديهم لأنه كان متهمًا بعمليات اغتيال وتخريب عندما كان عضوًا في العصابات الصهيونية في مصر.

ويحكى في رواية أخرى:
أنه كان بواسطة العميل المصري في الكيان الصهيوني رفعت الجمال أو (رأفت الهجان)، حيث شاهده الأخير في سهرة عائلية حضرها مسؤولون في الموساد وتعرف عليه الهجان على أنه رجل أعمال صهيوني يقدم تبرعات مالية، ويقول (الهجان) إنه كان على علاقة صداقة مع طبيبة شابه من أصل مغربي اسمها (ليلى) وفي زيارة لها بمنزلها شاهدت صورة صديقنا اليهودي الغني مع امرأة جميلة وطفلين فسألتها من هذا؟ قالت إنه أيلي كوهين زوج شقيقتي ناديا وهو باحث في وزارة الدفاع وموفد للعمل في بعض السفارات الصهيونية في الخارج..

لم تغب المعلومة عن ذهني كما أنها لم تكن على قدر كبير من الأهمية العاجلة، وفي أكتوبر عام 1964 كنت في رحلة عمل للاتفاق على أفواج سياحية في روما وفق تعليمات المخابرات المصرية، وفي الشركة السياحية وجدت بعض المجلات والصحف ووقعت عيناي على صورة أيلي كوهين فقرأت المكتوب أسفل الصورة: "الفريق أول على عامر والوفد المرافق له بصحبة القادة العسكريين في سوريا والعضو القيادي لحزب البعث العربي الاشتراكي كامل أمين ثابت"، وبعد ذلك يقول الهجان تواصلت مع أحد قادة جهاز المخابرات المصرية محمد نسيم وأبلغته بذلك، وقام جهاز المخابرات بالتواصل مع المخابرات السورية حيث كشف أمر أيلي كوهين.


أحمد أبو دقة
 

المصدر: مجلة البيان
  • 3
  • 0
  • 13,458

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً