الليلة الأخيرة لـ(عبير)!
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
المكان: بلدة المحمودية (30 كم) جنوب بغداد..
والزمان: ليلة الحادي عشر من آذار /مارس الماضي.
الحدث: فعلة شنيعة تمثلت بقتل فتاة عذراء (مع عائلتها) تبلغ من العمر (15) عاماً بعد اغتصابها من قبل جندي أمريكي يُدعى (ستيفن غرين) (21 عاماً) والذي ينتمي إلى الكتيبة الأولى والفوج (502) في الجيش الأمريكي.
الجريمة -وكما يقول السفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زاد- سلوك لا يُغتفر وغير مقبول نهائياً.. ولو تفحّصنا تاريخ الحدث نرى أنه وقع في منتصف آذار مارس تقريباً، وهو ذات الشهر الذي قتلت فيه القوات الأمريكية عائلة مكونة من (11) فرداً في بلدة الإسحاقي جنوب سامراء أكثرهم من الأطفال والنساء بحجة وجود أحد المسلحين في الدار.
والمشكلة أن مثل هذه الأعمال لا تظهر للعيان إلاّ بعد أن يتحدث عنها الإعلام الغربي والأمريكي بالتحديد، أو بعد صحوة ضمير من أحد الجنود الذين ارتكبوا مثل هذه الانتهاكات والجرائم البشعة، أما الإعلام العراقي والعربي فهو بعيد كل البعد عن مثل هذه الأحداث، ويبدو رد الفعل العراقي الأولي خافتاً، بسبب الاعتقاد -على نطاق واسع- بأن سوء التصرف من هذا النوع هو أمر شائع، ويسبب الحرج من مناقشة مثل تلك الأمور.
ولا يزال التحقيق مستمراً في بعض الجرائم، ومنها مجزرة حديثة، والإسحاقي سالفة الذكر، وآخر مسلسل الجرائم الأمريكية في العراق ما طالعتنا به نشرات الأخبار مؤخرا من أن فتاة تبلغ من العمر (15) عاماً وتُدعى عبير حمزة قاسم اغتُصبت وقُتلت مع أفراد عائلتها من قبل جنود أمريكان، وملخص الحكاية كما جاءت في وثيقة وضعها مكتب التحقيق الفدرالي الأمريكي (اف بي أي) للحصول على مذكرة توقيف أن المدعو (غرين) توجه ليل 11 /12 اذار /مارس برفقة ثلاثة جنود آخرين كان احتسى معهم الكحول إلى منزل قرب نقطة تفتيش في ضواحي مدينة المحمودية من أجل اغتصاب امرأة كان يعرف أنها تقيم هناك، وبحسب شهادة جندي بقي عند الحاجز وجنديين من الذين رافقوا (غرين) فإن هذا الأخير توجه مباشرة إلى غرفة كانت فيها امرأة ورجل وفتاة، ثم خرج بعد أن قتلهم ثم أقدم (غرين) وجندي آخر على اغتصاب امرأة شابة كانت في المنزل، وقتلها فيما بعد بطلقتين ورماهم جميعاً في قناة قريبة.
هذه هي الحكاية كما أوردتها وكالات الأنباء، والتي أوردت أيضاً ردود الفعل؛ إذ إن الخبر ظل ليومين أو أكثر بدون أي رد فعل إلاّ بعد أن طالبت نائبات في مجلس النواب العراقي باستدعاء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أمام البرلمان لمناقشة قضية الاغتصاب، وهي أول حادثة من نوعها يُعلن عنها منذ بداية الغزو.
وقالت النائبة صفية السهيل من القائمة العراقية: إننا منزعجون من هذه الواقعة، ونريد فتح تحقيق ليس فقط من خلال الأمريكي (غرين)، ولكننا نطالب بأن يكون للحكومة العراقية دور في التحقيق، وأكدت: لابد من تحديد المسؤول عن الجريمة؛ فهذه امرأة عراقية وتمثل شرف العراقيين.
وإذا عدنا إلى البلدة نفسها فقد أكد قائم مقام البلدة مؤيد فاضل حسين لوكالة الصحافة الفرنسية أنه لم يكن يعلم بوقوع هذه الحادثة إلاّ بعد تلقيه اتصال من القوات الأمريكية، ولعدم إبلاغه من قبل أقارب الفتاة. وتابع: إن هذه جريمة شنيعة ضد عائلة عراقية بريئة، وهي حالة إرهاب مهما تكن الجهة التي تقف وراءها.
ومع كل الاعترافات التي صدرت من رفاق الجندي الذي ارتكب الجريمة النكراء إلاّ أنه دفع ببراءته أمام محكمة لويسفيل بولاية (كنتاكي) بعد أن وجهت إليه وزارة العدل الأمريكية التهمة التي إن ثبتت فقد يُحكم عليه بالإعدام لإقدامه على القتل، والسجن مدى الحياة لإقدامه على الاغتصاب.
ومن ردود الفعل الأخرى على هذه الجريمة البشعة ما أعلنته هيئة علماء المسلمين من أن هذا العمل يكشف حقيقة الوجه الأمريكي القبيح. وأضافت الهيئة في بيان لها أن هذا العمل الذي قام به جنود الاحتلال من اغتصاب هذه الفتاة والتمثيل بجثتها وقتل أفراد أسرتها ليندى له جبين الإنسانية، وسيبقى وصمة عار في جبين القوات الأمريكية الغازية.
أما على النطاق الشعبي فقد طالب شيوخ عشائر في منطقة الفرات الأوسط جنوب العراق بتسليمهم الجندي الأمريكي الذي اغتصب الفتاة العراقية في المحمودية مهددين بثورة عارمة على غرار عام 1920 التي اندلعت في العراق ضد الاحتلال الإنكليزي، وناشد شيوخ العشائر الأمم المتحدة والمحاكم التابعة لها بالضغط على الحكومة الأمريكية لتسليم الجندي فوراً مشدّدين على أن عمليات الإدانة لن تكفي العراقيين للثأر من هؤلاء المجرمين.
أما على النطاق الحكومي فقد تحدث رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعد احتجاج النائبات العراقيات ومطالبتهن بمشاركة عراقية، وقال: إن أخطاء القوات المتعددة الجنسيات في العراق لم تعد قابلة للاستمرار. وأضاف: إنه لابد من وضع حد لهذه الأمور من خلال مراجعة الحصانة التي يتمتع بها أفراد هذه القوات بموجب الأمر رقم (17) الذي أصدره الحاكم المدني السابق للعراق بول برايمر والبحث عن مشاركة عراقية.
أما خليل زاد، السفير الأمريكي في العراق فقد أصدر بياناً مشتركاً مع قائد القوات المتعددة الجنسيات (جورج كيسي) وقال: إننا نتفهم أن هذا مؤلم ليس فقط للأسرة العراقية التي فقدت أحباءها، ولكن للشعب العراقي ككل. وقال: إن هذا الحادث إذا ما ثبت وقوعه فهو سلوك لا يغتفر، وغير مقبول نهائياً.
وبعد كل ما تقدم من حقائق وردود الأفعال نرى أن بعض الانتهاكات تناولتها وسائل الإعلام الغربية، ومن بعدها العربية، وأحدثت هذا النوع من الاحتجاج، فماذا سيحدث لو رشحت معظم انتهاكات الجنود الأمريكان في العراق، والذين بقوا بدون عقاب؟ فهل ستُواجه بالإدانة والاستنكار أم أنها لا تكفيهم في حينها، كما طالب شيوخ جنوب العراق؟