العار على شاطئ غزة.. وعلينا أيضا!!

منذ 2006-07-24
لا تزال جريمة شاطئ غزة تتفاعل مع قائمة الجرائم الأخرى التي يرتكبها الصهاينة وتباركها الإدارة الأمريكية، وكل يوم هناك اغتيالات ودماء للفلسطينيين أصبحنا نعتاد رؤيتها!! بينما لو سقط ظفر صهيوني من جراء قصف صواريخ قسام على المغتصبات لتحركت الأمم المتحدة تدين هذا الإجرام!! وبالطبع جميع المتحدثين باسم البيت الأبيض!!

ما يذهل في جريمة شاطئ غزة، ولوعة هدى وصرخاتها ونحيبها وقساوة ما حدث لها، هو هذا الصمت العربي!! تابعت المقالات لمن يصرخون ضد من يقتل الأبرياء!! لم أجد قلما واحداً تحرك إلا الندرة!! حتى (الكاتبات) اللاتي يفترض أنهن أمهات لم أجد سطراً واحداً يواسي (هدى غالية)!!

اليهود كتبوا عن هذا العار الصهيوني، وأربعة عشر أديباً يهودياً رفعوا بياناً يحتجون فيه على هذه الجريمة التي تم توثيقها صوتاً وصورة من قبل مصور رامتان، زكريا أبوهربيد، الذي تحدث عن اللحظات الرهيبة التي وصل فيها إلى الشاطئ ولم يجد سوى أشلاء الجثث المحترقة والدماء!! وبدأ يصوّر.. وفجأة أقبلت هدى غالية من البحر مذهولة وهي تشاهد سبعة من أفراد عائلتها وقد تحوّلوا إلى جثث.. وإخوتها إلى هياكل محترقة، صوّرتهم كاميرا زكريا أبوهربيد الذي قال: كانت هدى نبض الحياة في المكان، والتي سرعان ما ركضت بحثاً عن والدها والكاميرا معها.. يقول زكريا ( توحّدتْ الكاميرا مع هدى.. ووجدتني أصورها وهي تصرخ وتصرخ!! قال لمن توقّع منه عدم الصمود أمام صرخاتها.. كان هناك إصرار مني على توثيق الجريمة، وكانت هدى تصرخ: صوروا صوروا.. كأنها ترغب توثيق جريمة أصبحت أمام صمتنا (حدثاً عابراً)!!

تحرّك العالم الحر والشرفاء فيه ليقاضوا دولة العدو عن جرائمها وعن هذه الجريمة النكراء، ولكن كعادتها تنصلت منها رغم إثباتات صحفها بما حدث، وإثبات نوعية القذائف التي مزّقت أحباء عائلة هدى.


ما هي النقطة الحاسمة هنا؟! والتي لاتزال تذهلني، هي أننا تعاملنا مع الجريمة باعتيادية وهوان ومذلة.. لو كانت هناك آلة إعلامية (حرة) -ولا أقصد قناة أمريكا المسماة بهذا الاسم!! وإنما أعني صاحبة مبدأ وهدف- لحوّلت جريمة شاطئ غزة إلى حدث يومي ودراما حقيقية تقذف أحجاراً صلدة في عيون النائمين الصامتين.. حتى قناة فلسطين لم تتعامل مع الحدث بما يتوقع منها، وكأنها تخشى غضب الصهاينة!! وكان يفترض أن تقدم تقريراً تلفازياً عن عائلة هدى غالية قبل الجريمة وبعدها، ومتابعة الحالة الصحية لأخت هدى التي قطعت يدها اليسرى ولاتزال في حالة حرجة!! ولألقت الضوء على الوضع الصحي لشقيقة هدى الصغيرة (هديل)، التي أصيبت بشظية في رقبتها وإلى مابعد أسبوع لم يتم إخراجها ووجدوها بقرب جثة شقيقها ذي السنوات الثلاث المهشم رأسه، تمسح على جمجمته وكأنها تهدهده!!

هذا المناخ المشحون بالدماء وتلافيف المخ التي سقطت من جمجمة ذلك الصغير.. لماذا لم يتم التوقّف عندها لتحرك ضمائر النائمين في مدرجات المونديال وشاشات التلفزيون؟!


أطفال فلسطين يعيشون الموت يومياً، ونحن في لهو عنهم.. وشباب فلسطين معظمهم أسرى في السجون مع رجالها ونسائها.. ونحن ننتظر بركات البيت الأبيض كي يسمح بإيصال المعونات الغذائية إلى الأحياء منهم!! وتمنع التبرعات لهم أو يمنع إيصالها. وعندما تدخل بطريقة نظامية نجد أن الصحف والقنوات الفضائية تنشر الخبر وكأن الدكتور محمود الزهار -مثلاً- عاد بقنابل نووية!!


أعجبتني عبارة قالها الدكتور عبدالرحمن عشماوي في لقاء له مع قناة المجد، في تغطيتها لجريمة شاطئ غزة، في إجابته عن ما بين جريمة قتل الطفل محمد الدرة واغتيال عائلة هدى غالية ونحيبها الذي حدث وما الفرق؟! قال ما معناه: إن هناك فرقاً أن ردود أفعالنا أمام جريمة قتل الطفل محمد الدرة كانت أقوى.. أما الآن فالصمت هو البديل.. أو ما معناه هكذا...!

أمام صمت الأكثرية الذين سقطوا في خندق الهوان، مثل سقوط الطفلة هدى المكلومة على رمل شاطئ غزة تبكي عزة كانت للعرب، وتنوح على هوان أصبح يظلّلهم، نجد أن الكاتب اليهودي دافيد غروسمان كتب مقالة عنوانها (العار على شاطئ غزة)، تحدث فيها عن "مشهد الطفلة هدى التي تمزقت حياتها إرباً أمام ناظرينا، يجب أن يوقظنا من السبات الذي نستغرق فيه منذ سنين وبدل الحرص على (الضرر الإعلامي) الذي قد يقع على إسرائيل، بل صياغة الحجج المضادة التلقائية والمتآكلة على الفور، يجدر بنا أن ننظر إلى ما فعلته أيدينا، ونسأل أنفسنا إلى أية هوّة ندفع أنفسنا إليها بكلتا يدينا..." إلى أن يقول في خاتمة مقالته: "الطفلة المتراكضة فزعاً على الشاطئ في غزة هي في نهاية الحساب الهزيمة الأشد والأكثر جوهرية لإسرائيل، لقيمها وأسسها الأخلاقية التي تقوم عليها.. العار على شاطئ غزة هو هزيمة في معركة أهم بأضعاف من المناكفة التي لإسرائيل مع الفلسطينيين.. المعركة مع صورتنا كشعب وكبني بشر"!
هذه سطور من مقالة كاتب يهودي!!

المصدر: جريدة الرياض
  • 0
  • 0
  • 7,392

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً