تأملات على طريق الدعوة
فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، وهذا هو الزاد الذي نحمله بين طيات نفوسنا، وفي قلوبنا حتى تمام المنة والنصر، لا محالة لهذا الدين والتمكين قادم لهذا الدين، فلا يضرنكم أن يتأخر التمكين وأنتم طائعون لله، مجاهدون متجردون له، وماذا ينفعكم إذا تم التمكين وأنتم مقيمون على المعاصي، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51].
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإنني أوقن تمام اليقين بأن الله عز وجل سوف يمكن لهذا الدين في هذه الأرض، وفي هذا العصر كما مكن له سبحانه من قبل وعلى يد نبيه، وبفضل هؤلاء الصحابة الكرام الأفذاذ، وذلك برغم كيد الكائدين ومكر الماكرين، أرى ذلك يقيناً في كل خطوة، وفي كل آية في كتاب الله، وفي كل موقف في سيرته صلى الله عليه وسلم، حتى في نومي وصحوي أراه يقيناً حقيقاً على الله أن يكون، فإن الله عز وجل قد أذن بانفراط عقد التمكين بالثورات المباركة.
ولنعد إلى كتاب الله في سورة الفتح نجد قول الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا . لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا . وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح:1-3]، فإن الفتح من الله لرسوله، ومن تبعه ومن سار على نهجه وحمل رسالته مبلغاً مجاهداً في سبيلها حتى تعبيد الكون كله لله؛ ليشهد بوحدانيته ويعبده وحده من دون الطواغيت والأهواء والشهوات، وليخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فإن هذا الفتح هو مغفرة للذنوب قديمها وحديثها وليتم الله نعمته على المؤمنين.
ومن تمام نعمته على المؤمنين أن يقر أعينهم بإنجاز وعده لهم، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:55]، وهذا تمام النعمة وهو إنجاز الوعد، ثم تأتي الهداية من الله، وهي هداية التوفيق إلى طاعته والإقامة على طاعته إقامة بعد إقامة، وهي هداية رحمة ورعاية حتى تحقيق مقتضيات التمكين في الأرض، قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]، ثم بعد هذا الفتح ثم التمحيص عن طريق المغفرة والتطهر من الذنوب، ثم مرحلة تمام النعمة ثم مرحلة الهداية، ثم مرحلة النصر والتمكين، وفي هذا كله يكون المؤمن بالله حقاً ويقيناً هو ستار القدرة لقبض الأجرة من الله تعالى..
إذًا فتح فمغفرة فتمام نعمة فهداية توفيق فنصر عزيز، ثم إنزال السكينة وبرد اليقين في قلوب المؤمنين؛ ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم في نصر الله وفي وعد الله، وفيه إشارة إلى أن الله بيده جنود السموات والأرض يصرفها أنى شاء، ويجيش جنوده أنى شاء لنصرة الحق وأهله، وتلك صفة من صفات الله واسم من أسمائه الحسنى العليم الحكيم، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح:4]، عليماً بالقلوب، حكيماً بقلوب المؤمنين يداويها، وينزل عليها السكينة وبرد اليقين، وكذلك ليعذب من سواهم من المنافقين والمشركين والمشككين، ثم يمضي الحق بعد ذلك بعد تمكين الأبدان والأفكار للمؤمنين إلى تمكين القلوب للمؤمنين، وتأكيد البيعة لله ورسوله، وهذا كله من بوابة الفتح المبين الذي أردفه الله لرسوله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ولرسالته فهو ما فتح لنا بابا إلا لإرادته سبحانه لنا أن نقيم فيه، نقيم فيه دين الله عز وجل، ونقيم فيه القلوب في السكينة وبرد اليقين ثم البيعة لله ورسوله، وهذا كله إشارات للنصر والتمكين.
والذي يطالع كتاب الله يجد الكثير من هذه الإشارات، ولكن لا بد لذلك من زاد، قال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ . وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور:48-49]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 77-78]، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].
فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، وهذا هو الزاد الذي نحمله بين طيات نفوسنا، وفي قلوبنا حتى تمام المنة والنصر، لا محالة لهذا الدين والتمكين قادم لهذا الدين، فلا يضرنكم أن يتأخر التمكين وأنتم طائعون لله، مجاهدون متجردون له، وماذا ينفعكم إذا تم التمكين وأنتم مقيمون على المعاصي، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51].
وصلى الله على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين.
طارق محمد حامد