لغز (صفقة العار)
بعد أن أقامت أمريكا الدنيا ولم تقعدها إثر مجزرة الغوطة الشرقية التي قتل فيها نظام الاسد أكثر من 1700 من المدنيين السوريين معظمهم من النساء والأطفال، تبخر كل هذا فجأة وتمخض الأسد ليلد فأراً وتنصاع الولايات المتحدة لرغبة روسيا وتُنقِذ نظام الأسد الفاشي بصفقة هزلية يندى لها جبين البشرية وتسقط كل مزاعم حماية حقوق الإنسان التي يتشدّق بها الغرب..
بعد أن أقامت أمريكا الدنيا ولم تقعدها إثر مجزرة الغوطة الشرقية التي قتل فيها نظام الاسد أكثر من 1700 من المدنيين السوريين معظمهم من النساء والأطفال، تبخر كل هذا فجأة وتمخض الأسد ليلد فأراً وتنصاع الولايات المتحدة لرغبة روسيا وتُنقِذ نظام الأسد الفاشي بصفقة هزلية يندى لها جبين البشرية وتسقط كل مزاعم حماية حقوق الإنسان التي يتشدّق بها الغرب.
لقد أسقطت أمريكا من حساباتها عملياً استخدام القوة العسكرية ضد نظام الأسد رغم كل ما يقال نظرياً عن أن هذا الخيار لا زال مطروحاً، وهي فرصة ذهبية ليُنهِي الأسد وحزب الله وإيران مهمتهم "المقدسة" في القضاء على أهل السنة في سوريا وليهنأ الغرب بصفقاته مع روسيا وإيران.
العجيب أن الغرب تجاهل الأمم المتحدة من قبل وشن حرباً ضروساً على نظام صدام حسين واجتاح العراق رغم أنه لم يثبت امتلاكه حتى هذه اللحظة للسلاح النووي المزعوم؛ وقتل الآلاف من الشعب العراق وتلقى دعماً كبيراً من إيران ولم يأبه في هذا الوقت لنداءات العديد من الدول بعدم شن حرب شاملة على العراق وتوجيه ضربة محدودة أمّا الآن فأمريكا ورئيسها وبقية دول الغرب التي هددت بشن ضربة عسكرية ضد الأسد تتراجع بشكلٍ مفاجئ بدعوى أن الأسد سيُسلِّم أسلحته خلال عام وهو أمر يمنحه فرصة ذهبية لقتل المزيد من النساء والأطفال.
إن بعض المحللين يرى أن الولايات المتحدة تراجعت عن الضربة العسكرية من أجل ضمان السيطرة على السلاح الكيماوي السوري بعد أن رفضت المعارضة تسليم هذا السلاح في حال سقوط نظام الأسد معتبرة أنه ملك للشعب السوري وهو ما أثار مخاوف واشنطن بشأن أمن حليفتها "إسرائيل" في المستقبل وفضّلت أن تعقد اتفاقاً مع روسيا للتخلص من الكيماوي أولاً حتى لا يقع في أيدي المعارضة ويُشكِّل خطراً على الكيان الصهيوني، بينما أرجع البعض الاتفاق لرغبة الولايات المتحدة أن تتجنَّب مواجهة إيران أو استفزازها خصوصاً مع وجود عدة ملفات شائكة بينهما يجرى التفاوض عليها مثل النووي والوضع في العراق ولبنان وتقسيم كعكة المصالح بشكلٍ عام في المنطقة.
في نفس الوقت؛ أكد آخرون على أن الولايات المتحدة لا تضمن حتى هذه اللحظة النظام الذي يمكن أن يحكم سوريا بعد سقوط الأسد وأنها ترى أن الأسد هو الأصلح بالنسبة لها ولحليفتها "إسرائيل" حتى هذه اللحظة، وأنه لا يمكن الرهان على من تعتبرهم واشنطن الأقرب لها في التيارات المعارضة حيث لا زالت القوى الإسلامية والمناوئة للغرب و"إسرائيل" بصفة عامة هي الأقوى على الأرض.
لقد قطع نظام الأسد الشك باليقين عندما وصف الاتفاق الأمريكي ـ الروسي بشأن الكيماوي بأنه "انتصار" له وهو ما يؤكد أن الأسد يحتاج إلى مزيدٍ من الوقت لكي ينهي مهمته خصوصاً مع تكاسل الغرب في دعم المعارضة بالسلاح اللازم لمواجهة نظام الأسد في الوقت الذي تفتح إيران وروسيا خزائن ترسانتها على مصراعيها للأسد لكي يغترف منها ما يشاء.
لقد ظهر الآن حقيقة الموقف الغربي الذي لم يأبه لمعارضة الائتلاف السوري للاتفاق رغم اعترافه بأنه يُمثِّل الشعب السوري! إن المصالح وحدها وليس حفظ دماء الشعوب وحقها في الحياة الكريمة هو الذي يُحرِّك الغرب.
الموقف العربي حتى الآن لا يضغط بما فيه الكفاية من أجل اتخاذ إجراءات عقابية ضد الأسد؛ رغم أن القضية تتعدى الوقوف بجانب حقوق الشعب السوري الذي يتعرّض لمجازر بشعة، حيث أن بقاء نظام الأسد مع هذا التحالف القوي مع إيران وحزب الله سيُشكِّل خطراً قوياً على الأمن العربي والخليجي بشكلٍ خاص، ولعل خطوة تفعيل العقوبات الخليجية ضد حزب الله تصب في هذه الخانة وهي الشعور بالخطر من تنامي التحالف الشيعي ضد الدول السنية ولكن هذه الخطوة وحدها ليست كافية مع إمكانية الضغط على الغرب بما له من مصالح مع دول الخليج لكي يتدخل من أجل إيقاف مهزلة صفقة العار التي تخدم أول ما تخدم طموحات إيران "الاستعمارية".
خالد مصطفى
- التصنيف:
- المصدر: