صَنَاجَةُ الْعَرَبِ..وَسُوقُ عُكَاظٍ
في الدورة السابعة لمهرجان "سوق عكاظ" لهذا العام وقع الاختيار على شاعر من فحول الشعراء، ومن أبرز أصحاب المعلقات والملقب (بالأعشى)
- التصنيفات: التاريخ والقصص -
يعد (سوق عكاظ) واجهة حضارية أدبية من خلال فعالياته المأخوذة من التراث العربي الأصيل، والمتمثل في المحافظة على القيم والتقاليد والتي جعلت منه موسماً ثقافياً ومنارةً شامخةً للشعر والأدب؛ وقد عقد أول مؤتمر لإحياء (سوق عكاظ) في شهر صفر لعام 1395هـ والذي تمخضت عنه فكرة تأسيس الأندية الأدبية في المملكة، وفي الدورة السابعة لمهرجان "سوق عكاظ" لهذا العام وقع الاختيار على شاعر من فحول الشعراء، ومن أبرز أصحاب المعلقات والملقب (بالأعشى) وهو ميمون بن قيس بن جندل (المتوفى سنة 7هـ) ليكون شاعراً (لسوق عكاظ)، وشخصية المسرح النقدية، وقد كني بأبي بصير تفاؤلاً له بشفاء بصره؛ ولقب (بالأعشى) لضعف بصره والذي تحول إلى ظلمة في عينيه آخر عمره وفي ذلك يقول في قصيدته الغزلية المشهورة:
وَدّعْ هُرَيْرَةَ إنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ *** وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعاً أيُهَا الرّجُلُ
أأنْ رَأتْ رَجُلاً أعْشى أضرّ بِهِ *** رَيبُ المَنُونِ ودَهْرٌ مفنِدٌ خَبِلُ
وقد خرج الأعشى قاصداً الرسول صلى الله عليه وسلم يريد الإسلام؛ حاملاً في جعبته قصيدة رائعة يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم ويثني عليه يقول في مطلعها:
ألَمْ تَغْتَمِضْ عَيِنَاكَ لَيلَةَ أرْمَدَا *** وَعَاَدَكَ مَاَ عَاَدَ السّلِمَ المُسَهَّدَا
ألاَ أَيُّهَذَا السَّاَئِلي أيْنَ يَمّمَتْ *** فَإنّ لَهَاَ فِي أهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا
فَآلَيْتُ لا أرْثِي لَهَاَ مِنْ كَلاَلَةٍ *** وَلاَ مِنْ حَفَّي حَتَى تَزُورَ مُحَمَّدا
نَبِيٌَ يَرَىَ مَالاَ تَرَوْنَ وَذِكْرُهُ *** أغَارَ لَعَمْرِي في البِلادِ وَأنْجَدَا
لَهُ صَدَقَاتٌ مَا تُغِبَُ وَنَائِلٌ *** وَلَيْسَ عَطَاءُ اليَوْمِ مَا نِعَهُ غَدَا
أجِدَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وُصَاةَ مُحَمِدٍ *** نَبِيَّ الإلَهِ حِينَ أَوْصَىَ وَأَشْهَدا
إذا أنت لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التَُقَى *** وَلاَ قَيْتَ بَعْدَ المَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوّدا
نَدِمْتَ عَلَى أنْ لاَ تَكُونَ كَمِثْلِهِ *** وأنَّكَ لَمْ تُرْصِد لِماَ كَانَ أرْصَدَا
فلما قرب من مكة اعترضه بعض المشركين من قريش كما قال ابن هشام فسأله أحدهم عن أمره، فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم، فقال له: "يا أبا بصير إنه يحرم الزنا!" فقال الأعشى: "والله إن ذلك لأمر مالي فيه من أرَبٍ"، فقال: "يا أبا بصير إنه يحرم الخمر!" فقال الأعشى: "أما هذه فوالله إن في النفس منها لَعُلالات"، ولكني منصرف فأتَرَوَّى منها عامي هذا؛ ثم آتيه فأسلم، فانصرف فمات في عامه ذلك.
وقد تعقب الإمام ابن كثير رحمه الله هذه الرواية عند ابن هشام في كتابه (البداية والنهاية [4/253-254]) بقوله: "وهذا مما يؤاخذ به ابن هشام رحمه الله فإن الخمر إنما حرمت بالمدينة بعد وقعة بني النضير كما سيأتي بيانه، فالظاهر أن عزم الأعشى على القدوم للإسلام؛ إنما كان بعد الهجرة، وفي شعره ما يدل على ذلك وهو قوله:
ألاَ أَيُّهَذَا السَّاَئِلي أيْنَ يَمّمَتْ *** فَإنّ لَهَاَ فِي أهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا
وكان الأنسب والأليق بابن هشام أن يؤخر ذكر هذه القصة إلى ما بعد الهجرة".
وقد قيل في بعض الروايات أن قريش قد اعترضت الأعشى وصدته عن طريقه اذا جمعوا له مئة من الأبل وأعطوه إياها فأخذها وانصرف عائدًا إلى أهله حتى إذا كان بأرض اليمامة رمى به بعيره فمات.
ويسمى الأعشى (بصناجة العرب) لجودة شعره ومتانته ولكثرة ما ينشد ويتغنى به؛ وقد سئل يونس النحوي: "من أشعر الناس؟" فقال: "لا أومئ إلى رجل بعينه، ولكني أقول: أمرؤ القيس إذا غضب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب".
وقد امتازت شخصية الأعشى عن بقية أقرانه من الشعراء بكثرة رحلاته وتنوعها وتطوافه بسائر البلاد؛ مما زاد في نشر شعره وصيته، وعد من أوائل الشعراء الذين استخدموا الشعر طريقًا لكسب المال والعطايا لدى الملوك والوجهاء وفي ذلك يقول:
ومَاَ زِلْتُ أبغي المَال مُذ أنا يافعٌ *** وليداً وكهلاً حين شبتُ وأمردا
وله قصة مشهورة بسوق عكاظ في مدح المحلق الكلابي واسمه عبد العزى بن حنتم بن شداد بشأن تزويج بناته فقال الأعشى في ذلك:
أرِقْتُ وَمَا هذَا السَُهادُ المُؤرَّقُ *** وَمَاَ بِيَ مِنْ سُقْمٍ وَمَابِيَ مَعَشَقُ
لَعمري لقد لاَحَتْ عُيونٌ كثيِرةٌ *** إلى ضَوْءِ نَارٍ في يَفاعٍ تُحَرَّقُ
تُشَتُبّ لمَقْرُورَيْنِ يًصْطَلِيَانِها *** وَبَاَتَ عَلَىَ النّارِ النَدىَ والمُحَلَّقُ
يَدَاَكَ يَدا صِدْقٍ، فَكَفٌ مٌفِيدةٌ *** وَأُخْرَى إذا مَا ضُنّ بالزَادّ تُنْفِقُ
وإن من هجائه قوله في علقمة بن علاثة:
تبيتون في المَشتى مِلاَء ً بطونُكم *** وجاراتُكم غَرثى يَبِتْنَ خمَائصَا
وكان الأعشى من أشهر الشعراء الذين يفيدون على سوق عكاظ كل عام ومن أبرزهم قبل وفاته، فهل سيحظى العكاظيون الجدد بأخذ راية الشعر العربي الأصيل من أسلافهم أصحاب المعلقات؟! أم الأمر كما قال سعيد بن أوس الأنصاري رحمه الله (المتوفى سنة 215هـ):
نَحَنُ بما عندنا وأنتَ بما *** عنَدكَ رَاضٍ والرأيُ مُختلفُ