أنا وصديقي الاشتراكي
حضر إليَّ أحد المفكرين المحترمين ممن لا ينتمون إلى الخلفية الإسلامية وتربطني به علاقة صداقةٍ متينة منذ زمن، وطلب مناقشتي في المشهد المصري، وطرح عليَّ رؤية وجيهة إلى حدٍ ما باعتبار منطلقاته الاشتراكية الغير خافية بالنسبة لي والذي يعلنها الرجل.
حضر إليَّ أحد المفكرين المحترمين ممن لا ينتمون إلى الخلفية الإسلامية وتربطني به علاقة صداقةٍ متينة منذ زمن، وطلب مناقشتي في المشهد المصري، وطرح عليَّ رؤية وجيهة إلى حدٍ ما باعتبار منطلقاته الاشتراكية الغير خافية بالنسبة لي والذي يعلنها الرجل.
حيث أنه يتابع ما أتحدّث عنه وأجتبه وأحذِّر منه عن فكرة إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط من منطلق فكرة الشرق الأوسط الجديد، ذات الخلفية التوراتية.
وتحدّثنا عن أدوات العمل الآن لهذا المشروع، إلا أنه وضع بُعدًا آخر جديد وهو محاولة توظيف ما يُسمّى من وجهة نظره (الإسلام السياسي) وخاصةً جماعة الإخوان المسلمين في هذا المخطط دون أن يدروا هم بذلك، باعتبار قلة خبرتهم السياسية، بل ذهب إلى أكثر من ذلك، وهو إمكانية قبول التيار الإسلامي لهذا التقسيم عند اكتشافه، من باب الاحتفاظ بالقليل المسيطر عليه أفضل من الكبير الخارج عن السيطرة.
تلك الفكرة ابتداءًا لا أستبعدها ولا أستبعد طرحها من قبل منظريّ السياسة العالمية، لأنهم لا يتركون أي أوراق دون محاولة توظيفها ولا سيما بعد تجاربهم الحديثة مع التيارات الإسلامية في العراق وأفغانستان.
إلا أنني رددتُ على صديقي الاشتراكي، جازمًا الأمر، ولكن من منطلقاتي أنا الإسلامية بأن مشروعنا قائمٌ على عكس فكرة التفتيت والتقسيم. بل ركيزته هي التوحُّد والتجميع، وذكرتُ له أننا بالفعل الآن نرفض شكل أوطاننا على هذه الحالة المقسّمة أصلاً وِفق اتفاقية (سايكس وبيكو) فكيف نقبل تقسيم المقسَّم أصلًا الذي نعمل نحن على إعادة تجميعه مرةً أخرى كما كان سابقًا.
وذكرته أن ما يؤخذ علينا وعلى مشروعنا وكثيرًا ما يوظف لتشويه الفكرة هي قضية الأممية، أن المشروع الإسلامي مشروع حضاري جامع شامل يُوحِّد الأوطان والمِلل والنِّحل والطوائف، ويسمح باستيعاب المخالفين. بل وضع لهم عوامل حماية، فكيف نقبل تحت أي مستوىً من الضغوط فكرة التقسيم.
وذكرتُ له الآن ترى التناقض الفاحش في الإعلام على سبيل المثال لتشويه وشيطنة فصيل الإخوان المسلمين، فيُستخدم ضدهم الشيء ونقيضه في آنٍ واحد مثلًا.
إن الإخوان تنظيم دولي وله رؤية أممية تتعدى حدود الوطن بمعنى أن نظرتهم تشمل الوطن والأمة كلها أي أن مشروعهم مجمع ويقوم على التوحيد. والنقيض تمامًا ربما في نفس القناة بل في نفس البرنامج ولنفس الضيوف، أن الإخوان يتحالفون الآن مع الامريكان لإعادة تقسيم المنطقة وِفق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
أيُّ عبثٍ هذا؛ وكيف يقبل عقلٌ سليم هذا التناقض الفاحش. ولكن من الممكن الاستفادة بطرح صديقي لتفسير الحدث، أو إضافة عامل جديد لفهم ما حدث من انقلابٍ سريعٍ عنيفٍ على التيار الإسلامي وهو: أنه من الممكن أن يكون كلام صديقي صحيح وأن التحالف الصهيوأمريكي كان يحاول الدفع بالتيار الإسلامي لزيادة حدّة الصراعات الطائفية لتمرير فكرة إعادة التقسيم الطائفي.
ولذا حاول دعم التيار الإسلامي في البداية؛ ولما تبيّن له أن هذا الأمر لن يحدث وأن التيارات الإسلامية أظهرت سياساتٍ من شأنها تجميع الطوائف ومحاولة استيعاب الصراعات الأيديولوجي، حدث هذا الانقلاب السريع عليها والإسراع في الإطاحة العنيفة بها على تلك الشاكلة التي عايشناها جميعًا.
وعلى العكس؛ من أطاح بفصائل سياسية مثل التيار الإسلامي يقوم مشروعها على توحيدٍ وتجميعٍ وتمدد أُفقي؛ هو من يريد فعلًا تقسيم المنطقة ويُمهِّد الأرض لذلك ويُزيل العوائق في طريق هذا التقسيم.
- التصنيف: