الإباحية وخراب البيوت (3/3)
استِكمالاً للحديث عن الإباحيَّة وتدميرها لبيت الزوجية، وبالأخصِّ عن فقه تَعامُل الزوجة مع الزوج المُبتَلَى بمشاهدة الموادِّ الإباحية...
استِكمالاً للحديث عن الإباحيَّة وتدميرها لبيت الزوجية، وبالأخصِّ عن فقه تَعامُل الزوجة مع الزوج المُبتَلَى بمشاهدة الموادِّ الإباحية، نقول:
ماذا لو لم يكن الزوج يستحيي من مشاهدته للمواد الإباحية على علم زوجته؟
مثل هذا الزوج عادَةً لا يرى عيبًا في مشاهدة تلك المحرَّمات، والواجب تعريفُه أنَّ ما يقوم به محرَّم، ووعْظُه وتَخْوِيفُه بالله وعقابه في الدنيا وفي الآخِرة، كما يجب تنبيهُه للعواقِب الوَخِيمة لمشاهدة هذه الإباحيَّات، وأنَّ لها أسوأ الآثار على بيته وأولاده، وربما زوجته!
ولتتَّبِع الزوجة كلَّ وسائل نُصْحِه، وقد سبَق الحديث عنها، وليكن حادِيها في ذلك اللُّطف واللِّين والموعظة الحسنة.
هل للزوجة أن تحذف المواد الإباحية من جهاز الحاسوب أو الهاتف المحمول لزوجها؟ وكذلك حذف القنوات الإباحية؟
لا شكَّ أن هذا من النَّهْيِ عن المنكر، لكن إن غلب على ظنِّ الزوجة ردَّة فعل سيِّئة من زوجها، فلا تفعل؛ لأن النهي عن المنكر لا ينبغي أن يترتَّب عليه منكرٌ أكبرُ منه، مع العلم أنَّ الزوج لن يَعجِز عادة عن امتِلاك مواد إباحية أخرى، أو إعادتها.
أمَّا إذا كان الزوج مُقِرًّا بخطأ وجود هذه المحرَّمات في البيت، ويعلم أن زوجته إنما قصدَتْ نصحه والخير له، فلا بأس بحذفها حينئذٍ، ولو أنَّ الزوجة رجعَتْ لزوجها وطلبَتْ منه حذف هذه المحرَّمات، لكان هذا أحسن وأجمع لقلبيهما.
والأمر في النهاية راجِعٌ لتحصيل المصلحة الشرعية وتقليل المفسدة، فإنْ أَشكَل على الزوجة الأمر، فلتُراجِع أهل المشورة والفتوى.
أثر الزوجة كـ"امرأة" في انتشال زوجها من تلك المنكرات:
ذكرنا فيما سبق أنَّه قد يدفع الزوجَ لمشاهدة هذه المنكرات تقصيرُ الزوجة في حقِّ زوجها، من ملبس أو زينة، أو كلمة أو حركة... وهكذا، ولا يُعفِي الزوجةَ من المسؤولية أنَّ زوجَها لا يطلب منها كذا أو كذا؛ فعادة الأزواج أن رغباتهم كثيرة ولا يتحدثون عن رغباتهم إلا قليلاً.
فعلى الزوجة واجباتٌ نحو زوجها كامرأةٍ تملك مُقَوِّمات أُنُوثيَّة قادرة على احتِواء رغبات الرجل، ونحن نفهم أنَّ من النساء مَن لا تقصِّر في حقِّ نفسها أو زوجها، كما نفهم أنَّ من الرِّجال مَن أُصِيب بنوع شذوذٍ في رغباته الجنسية لا تقدر عليها المرأة، لكنَّ هذا لا يعني ألاَّ تتفنَّن المرأة في خطف قلب زوجها من الإباحيَّات المُشتِّتة.
وكثيرٌ من الرِّجال إنما يُحَرِّكهم لِمُطالَعة العورات المحرَّمة خاطرةٌ فكرية، أو مشهد رأوه، أو ربما كلمة سمعوها، فإنَّ منبع هذا كلِّه حرمان، أو حاجة جنسية افتَقَدُوها بدايةً في زوجاتهم، أو رغبات وُجِدَتْ ولم تستطع زوجاتهم إشباعَها.
نيَّة واجبة ومُعِينة:
من الطبيعيِّ جدًّا أن تشعر المرأة بإهانة ضمنيَّة إذا رأَتْ زوجها يَتَلذَّذ بمُلاحَقة العورات المكشوفة المحرَّمة عبر القنوات والمواقع الإباحية، فهو في نظرها يستَعِيض عنها بصُوَر وخيالات، ومن هنا تُجرَح كرامتها، وتَسعَى لتغيير هذا الوضع.
لكنَّ التغيير من هذا المُنطَلَق وحدَه -مُنطَلق الشعور بالإهانة أو الغَيْرَة عند المرأة- عادةً لا يقوى على إرجاع الزوج عن تلك المحرَّمات؛ لأنَّ ثَمَّة عوامِلَ تغيير كثيرة ناقصة؛ كمُخاطَبة الواعظ الديني في قلب الزوج، وغير ذلك.
والواجب على الزوجة أن تتحرَّك أوَّلاً من باب النصيحة الشرعيَّة ووجوب النهي عن المنكر، وتُعِينها هذه النيَّة الشرعيَّة الواجبة على مهمَّتها كزوجةٍ في انتِشال زوجها من تلك المَتاهَات الإباحيَّة المضلِّلة.
نظرة معتدلة:
بعض الزوجات تَنظُر لزوجها المُبتَلَى بمشاهدة الصُّوَر والأفلام الإباحية نظرةً متدنِّية، وربما نظرة احتِقار، ويَكثُر هذا في الزوجات المتديِّنات، ويَصِلُ الأمر كثيرًا إلى الاحتِقار والاستِعلاء في الخِطاب مع الزوج؛ بل والتصريح للزوج أحيانًا بأنه كذا أو كذا!
وهذه النظرة الاحتِقارية من الزوجة للزوج المُبتَلَى، من فساد التصوُّر، أو من مرض القلب؛ فإن كلَّ إنسان يُخطِئ ويُذنِب، يقول ربُّنا تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201]، فأخبر تعالى أنَّ الذين اتَّقَوا الله من عباده يقَعُون في بعض ما حرَّم؛ من ترْك واجب، أو فعْل محرَّم، ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم: « » (أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضِي الله عنه).
وقد وقع في خير مجتمع؛ مجتمع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه رضي الله عنهم جرائمُ الزنا، وشرب الخمر، والسرقة، وغير ذلك، ولم يكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يحتَقِر أصحابَ هذه المعاصِي الكِبار؛ بل يأخذ بهم إلى النجاة والفلاح، وينهى أصحابه عن لعنهم أو سبِّهم؛ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أن رجلاً على عهْد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان اسمه عبد الله، وكان يُلقَّب حِمارًا، وكان يُضحِك رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد جلَدَه في الشراب، فأُتِي به يومًا فأُمِر به فجُلِد، فقال رجلٌ من القوم: اللهم العَنْه؛ ما أكثر ما يُؤتَى به! فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: « » (أخرجه البخاري وغيره).
فهذا الرجل يحبُّ الله ورسوله، ولكنَّه ابتُلِي بشرب الخمر، وكذلك كثيرًا ما يُبتَلَى بعض أهل الخير بمشاهدة العورات المحرَّمة، وقد يكونون يُحِبُّون الله ورسوله ولهم أعمال خير كثيرة، وفي قصة مالك بن ماعز المشهورة قال صلَّى الله عليه وسلَّم لِمَن سَبَّه: « ».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أُتِي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بشاربٍ فقال: « »؛ فمنَّا الضارب بيده، ومنَّا الضارب بنعله، فقال بعض القوم: أخزاك الله، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: « » (أخرجه ابن حبَّان وأبو يعلى وصحَّحه الأرناؤوط).
نعم، تُكرَه المعصيةُ ولا تُقرُّ؛ بل تُنكَر ويُناصَح أهلها، ولا يسوِّغ كلُّ هذا للزوجة أن تُهدِر خير الزوج لبعض شرِّه؛ فهو يصلِّي ويصوم ويحجُّ إن استِطاع، ويشاهد تلك المحرَّمات، ليس تناقضًا -كما تقول بعض الزوجات- وإنما هوى غلاَّب، ووسوسة شيطان، وضعف نفس، وبهذه النظرة وحدَها ينبَغِي أن تَنظُر الزوجة إلى معصية الزوج.
كيف تعرف الزوجة أن الزوج امتَنَع عن مشاهدة المواد الإباحية؟
تلحظ الزوجة هذا بإقبال الزوج على الطاعات، وشغل وقته بالأعمال المفيدة، والتقليل من خلوته، والاستِئناس بِمَن حوله مرَّة أخرى.
فقه تعامُل الزوج مع الزوجة المُشاهِدة للصُّوَر والأفلام الإباحية:
هناك فارِق جوهري بين الرجل والمرأة في عملية التعامُل مع الطرف الآخر في الحياة الزوجية؛ فقوامة الرجل وطبيعته تُحَتِّم عليه الأخْذ بيد الزوجة طوعًا وكراهية عن المحرَّمات، وهذا بالإضافة إلى النصائح المتقدِّمة للزوجة.
فللزوج أن يُضِيف على كلِّ ما مضى من نصائحَ، منْعَ زوجته من كلِّ ما يُوصلها بهذه الموادِّ الإباحية؛ من فضائيَّات، أو شبكة الإنترنت، أو تليفونات محمولة ذات إمكانيَّات لمشاهدة الصُّوَر ومقاطع الفيديو.
وبعض الأزواج يَتعامَلُون بسلبيَّة مَقِيتَة نحو مُشاهَدة زوجاتهم أو أبنائهم للموادِّ الإباحيَّة، وهذا ما لا يُقبَل من المسؤول الأوَّل عن البيت وصاحب القوامة، فلا يُكتَفَى في حقِّ الرجل بتوجيه النُّصْحِ القولي للزوجة وحسب؛ إذ هو مسؤولٌ أمام الله تعالى عن حال مَن ولاَّه الله أمرهم من زوجةٍ أو أبناء؛ يقول ربنا تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
والمرأة عامَّة تقبل من الزوج وإن اشتدَّ قليلاً، لا سيَّما وهو يبحث عن نجاتها، ويخشى عليها سوءَ المُنقَلب والهاويةَ.
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
حسن عبد الحي
- التصنيف:
- المصدر: