معضلة رؤية الحق؟

منذ 2013-10-02

هناك بعض الأدعية ربما يدعو بها الكثير، ولكن للتعبد فقط مع أنها تحمل معاني غايةً في العمق وقد تكون مفتاح حل شفرات نراها ولا نفهمها.


هناك بعض الأدعية ربما يدعو بها الكثير، ولكن للتعبد فقط مع أنها تحمل معاني غايةً في العمق وقد تكون مفتاح حل شفرات نراها ولا نفهمها.

- الآن ينقسم المصريين إلى قسمين ظاهرياً:

- قسمٌ مؤيد ومناصر لجماعة الإخوان بصفتها تيار سياسي طرح نفسه على الشعب مثله مثل آخرين فانتخبه الشعب ورضي به مسيِّراً لأموره السياسية والحياتية؛ ولذلك هي تملك الشرعية وتملك الحق في إدارة شئون العباد. وهذا من الأمور البديهية التي لا تعتمد على الانتماء إلى الجماعة أو حتى الحب والكره... إلخ؛ فربما تجد من هو أبعد الناس عن منهج الإخوان ولكنه ينتمي إلى هذا القسم.

- وقسمٌ آخر معادي وبشدة الإخوان المسلمين، ولكنه فعلاً لا يدري لماذا يعاديهم ويكرههم كل تلك الكراهية؛ وإنما هو يبحث عن أي شيء يدعم هذا الموقف بل ويقبل أي شيء يساعد على ذلك حتى وإن كان في مجال اللامعقوليات.


- وقسمٌ ثالث يعلم ما يعلمه القسم الأول يقيناً، ومقتنع به في قرارة نفسه؛ ولكنه يصطف بل ويقود القسم الثاني شديد العِداء مجهول المصدر والأسباب.

ولذا تأمَّلت دعاء العبقري الفاروق عمر رضي الله عنه وأسقطت هذا الدعاء المأثور على الحديث من منطلق أن تَعاملنا مع الواقع لا يمكن فصله عن الإيمان بالغيب؛ فهذا هو ركيزة الإسلام ومن فصل الاثنين اعتنق ديناً آخر مهما كانت مبرراته من مآلاتٍ وسفالاتٍ ومهاترات.

وبالرجوع إلى دعاء الفاروق رضي الله عنه سنجد أن الناس على ثلاث أقسام:

القسم الأول: قومٌ عرفوا الحق من الباطل، ثم اتبعوا الحق وعادوا الباطل.

القسم الثاني: قومٌ اختلط عليهم الحق والباطل، فاتبعوا الباطل على أنه حق وظلوا يبحثوا عن مبرراتٍ وحججٍ دون جدوى؛ ولكن على سبيل المسكنات المؤقته.

القسم الثالث: قومٌ عرفوا الحق من الباطل فاتبعوا الباطل وهم يعلمون.

ولذا فعلاً لن يصل الإنسان إلى الحق بنفسه دون معية الله والدعاء والإلحاح في الدعاء بالتوجيه إلى طريق الحق، وليس هذا فحسب؛ بل من الممكن أن تهتدي إلى الحق ولكن لا تتبعه لسببٍ أو لآخر.

فكم منا يعلم المعصية قبل وقوعها، ثم يذهب إليها بكامل قواه العقلية؟


ولذا أيضاً لن نستطيع اتباع الحق إلا بعون الله وتوجيهه، وقهر نفوسنا بشرورها وغيِّها إلى السير في طريق الحق.

والسؤال: كم منا يطلب من الله الآن التوجيه والعون؟ بنية خالصة حتى وإن كان كاره للإخوان المسلمين أو غيرهم، أو محب للإخوان أو غيرهم؟


أكاد أُجزم أن معظمنا اعتمد على نفسه وعقله ووساوسه في تحليل الأحداث بل الأخطر؛ أن معظمنا انطلق من مستنقعات الانتماءات السياسية والأيديولوجية بل والمنهجية المنتنة (وهذا لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم): «دعوها فإنها منتنة» (رواه البخاري ومسلم).

أدعو نفسي وإياكم بالتضرّع إلى الله بهذا الدعاء، وأجزم أن معية الله ستهيمن حتى على التحليلات السياسية شديدة التعقيد.

اللَّهُمَّ أَرِني الْحَقَّ حَقّاً وَارْزُقْنِي اتِّبَاعَهُ، وَأَرِني الْبَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنِي اجْتِنَابَهُ.


هذا دعاء مأثور عن عمر رضي الله عنه، ذكره (البهوتي في كتابه شرح منتهى الإرادات؛ [3/497]):

وعزاه إلى عمر رضي الله عنه، و ذكره ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213]، قال: وفي الدعاء المأثور: "اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان من الآية:74]" ( تفسير ابن كثير؛ [1/ 444]).
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 3
  • 3
  • 22,667

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً