مهمات المقاطعة الاقتصادية

منذ 2013-10-04

المقاطعة الاقتصادية سلاح قوي وفعال ومؤثر، وهو وسيلة مشروعة للمسلمين للذود عن عقيدتهم ورموزهم ومقدساتهم، ولتفعيل هذه المقاطعة وتقوية أثرها يحسن أن ننتبه إلى بعض أمور.


قال تعالى: {وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة من الآية:120].

المقاطعة الاقتصادية سلاح قوي وفعال ومؤثر، وهو وسيلة مشروعة للمسلمين للذود عن عقيدتهم ورموزهم ومقدساتهم، ولتفعيل هذه المقاطعة وتقوية أثرها يحسن أن ننتبه إلى أمور:

- التركيز: إذ ينبغي أن نركز جهودنا نحو هدف واقعي، وألا نستجيب لدعوات تُشتِّت جهودنا مثل قاطعوا فلان ثم آخر ثم ثالث، فلا نستطيع التأثير القوي الموحَّد، بل نركز على هدف واحد وربما ركزنا أكثر على شركة بعينها أو منتج بعينه حتى نستطيع إقصاءها وهزيمتها ونكون بذلك أحرزنا ثقل يردع بعد ذلك أي مجترئ بمجرد التلويح والتهديد.

- الثقة بالنفس: أي الثقة بأننا أصحاب تأثير حقيقي وقادرون على ردع المجرم أيًا كان حجمه، وأننا لا ننتظر منه أن يعترف لنا بذلك، فنحن على ثقة بأننا قادرون على إضراره، ولا يزعجنا أن يظهر يومًا ما ضاحكًا متظاهرًا بأنه لم يكترث بكل ما صنع تجاهه، فهذه طبيعة الموقف وسواء جاء الاعتراف في آخر المطاف أو لم يجيء فلا يهمنا، إذ أننا ندرك مقوماتنا ونعلم قدراتنا، ولنا العبرة بموقف الصحابي الجليل ثمامة بن أثال سيد قومه حينما وقف في وجه قريش معلناً عن إيمانه، متحديًا لهم بكل قوة وثقة: "ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم" (صحيح البخاري).

- اليقين بأن النصر والظفر من عند الله: هذه عقيدة أهل الإسلام بأن الله هو الناصر والمعين على النصر وأنه من ينصره الله فلا غالب له، وأن أسباب الظفر والنصر مهما توفرت فهي تفتقر إلى توفيق الله، ومهما تضاءلت فهي بتأييد من الله تغير الواقع وتقلب موازين الأمور، وأنه إذا شاء جعل الجهد المقل والعمل اليسير بحوله وقوته كثيرًا وافرًا مؤثرًا قال تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى} [الأنفال من الآية:17].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نُصِرتُ بالرعب مسيرة شهر» (أخرجه البخاري ومسلم).

فدلّ هذا على أن العمل المقدور القليل قد يصير كثيرًا مؤثرًا بحول الله وقوته، والمطلوب من الإنسان بذل وسعه ومواصلة عمله فقط والله بيده مقاليد الأمور، كالزارع يبذر البذرة ويسقيها ويتعاهدها لكن خروجها زرعًا فثمرة وحبًا فهذا ليس بمقدوره معرفته ولا تحديده، كمًا ولا كيفًا فهو موكول لمن يقدر عليه، الذي بيد تقدير المقادير وتدبير الأمور.

- تجديد المقاطعة: أي تحفيز الناس وتذكيرهم بشكل دوري على ضرورة المقاطعة وأهدافها ووسائلها، إذ لابد من ضخ الطاقة باستمرار لتجديد عزائم المقاطعة في أواصل المجتمع المقاطع.

- الحرب الإعلامية: بمعنى قطع الطريق على المقاطَع أن يتخذ بعض الحيل للمحافظة على توازنه واستعادة قوته، ويتم ذلك بتحليل الاحتمالات للإجراءات التي يمكن أن يتخذها، ثم نشر الوعي عن طريق الرسائل الإعلامية المعدة بدقة لإفشال حيله المتوقعة.

مثلًا: احتمال أن يقوم المقاطع بتوزيع المنتج مجانًا، إذن يجب أن يكون هناك ضربة استباقية عن طريق رسالة توعوية تحفيزية وشعارات مختصرة رنانة، تفيد أن سبب المقاطعة أغلى عندنا من الفلوس والمقاطعة ستستمر حتى لو وُزِّع المنتج مجاناً.. وهكذا.

- التنوّع في وسائل المقاطعة والدعاية: فمن المهام المؤثرة جدًا في موضوع المقاطعة اختيار الوسائل المناسبة وتجهيز الرسائل الإعلانية ورسائل الهواتف المتحركة والرسائل البريدية الالكترونية والحملات على المواقع الاجتماعية والمنتديات الحوارية ومجموعات الصداقة وغيرها كما لا ننسى أثر الملصقات الحائطية.

- المضي قدمًا وعدم الالتفات إلى الوراء: فإننا إذا عزمنا الأمر على المقاطعة فلنتوكل على الله، قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران من الآية:159].


وعلينا ألا نلتفت للدعوات المخزلة عن ذلك المضعفة للأثر والمذبذبة للقوى، اللهم إلا إن كانت مفسدة محققة اجتمع على إدراكها العقلاء من الناس وأولو الرأي فيهم فساعتها نتخذ موقفا تكتيكيًا بحسب الحال، أما اختلاف الأراء والأذواق يجعلنا نمشي خطوة للأمام وخطوات للخلف فهذا من الآفات التي ينبغي التخلص منها والتربية على ضدها.

- تصعيد المقاطعة: وهذا القرار بتصعيد المقاطعة ينبغي أن نحسن اختيار الوقت المناسب، ويكون ذلك تحديدًا عقب تحقيق الأهداف المرحلية للمقاطعة والوصول إلى مرحلة ما من الإضرار بالمقاطَع، ومن ثم يمكن حينئذ بتوسيع دائرة المقاطعة وتصعيد حملتها على أنحاء عدة بلا من المنحى المختار الأول، ومما يجب الالتفات إليه أن حملة التصعيد يجب أن يصاحبها حملة تنشيط والتعريف بالأثر المرحلي وخسائر الخصم إن أمكن لضخ طاقة جديد تضمن تقوية عزائم المقاطعين، ولا ينبغي التصعيد ابتداءًا في حملة المقاطعة بل التركيز يكون أولًا والتصعيد يكون تاليًا بحسب المتغيرات.

- الاستفادة من التجارب السابقة: لابد من إلقاء نظرة متأنية على التجارب التي خاضتها الأمة في هذا المجال سابقًا والاستفادة من هذه التجارب وتوجيه جماهير المقاطِعين في ضوء هذه الحصيلة من الخبرات، فمثلًا عند مقاطعة المنتجات الدنماركية حصل نوع تفتيت للمقاطعة حين قامت أحد الشركات الدنماركية بمساعي الاعتذار للأمة وتحسين العلاقات كمناورة سريعة لتقليل الآثار الاقتصادية التي ألحقت بهم الكثير من الأضرار، وبالرغم من أنها كانت محاولات غير مقبولة واعتذار واهي هزيل؛ فقد قبله البعض وإذا بنا نجد المنتجات الدنماركية فاضت مرة أخرى في المتاجر، وانسحب فريق من المقاطعة مع ضعف التوعية والنقص الشديد في الرسائل الإعلامية المضادة أفقد المقاطعة قوتها وأدّى إلى تراخي الكثير وتوالى الانسحاب.

فالاستفادة من تجارب الماضي والقدرة على التحليل والاستنتاج وتكوين الخبرات التراكمية والتوجيه المتوازن الواعي، كل ذلك من الضروريات التي تحتاجها الأمة مع معركتها مع خصومها.

- إنهاء المقاطعة: ينبغي أن يكون قرار إنهاء المقاطعة مبني على تراجع ملموس من جهة الخصم، وتلبية حقيقية لمطالب المقاطِعين، ولا يكفي لإنهاء المقاطعة تقديم أي اعتذار فهذا مما لا نأبَه له ولا نحتفل به.

وأخيرًا:

فإن هذه الأمة أمة حافلة بالمقومات والطاقات ولديها الكثير من القدرات التي تمكنها من مجابهة أعدائها والتصدي لهم والوقوف أمام محاولاتهم المستمرة لإهدار الكرامة والنيل من رموزها، فالأمة الإسلامية أمة عزيزة وستظل طالما تمسكت بدينها وثوابتها ووظّفت طاقتها وحافظت على مقدراتها من الإهدار والإذلال والإهمال.

 

  • 0
  • 0
  • 3,960

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً