العلاقة المباشرة والفورية لسقوط نظام بشار وتحرير فلسطين
لوحة شطرنج مزدحمة للغاية، وأطرافها بعدد قِطع الشطرنج نفسه، وحركة كل قطعة تؤدي لتُغيّر المشهد على اللوحة بشكلٍ كامل، والعجيب أن اللوحة ذاتها تتحرك من أسفل القطع، هذا هو حال الشرق الأوسط في ظل ثورات الربيع العربي..
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
لوحة شطرنج مزدحمة للغاية، وأطرافها بعدد قِطع الشطرنج نفسه، وحركة كل قطعة تؤدي لتُغيّر المشهد على اللوحة بشكلٍ كامل، والعجيب أن اللوحة ذاتها تتحرك من أسفل القطع، هذا هو حال الشرق الأوسط في ظل ثورات الربيع العربي، فدول الأطراف تخلع ثوب العبودية لدول المحور، ودول المحور والمركز بدورها تبحث عن أغطيةٍ أخرى وأسماءٍ جديدة والأمر بات بالنسبة لها أشبه بالكابوس الذي لا أمل باليقظة منه.
إسرائيل هي أبرز وكيل لدول المحور أصبحت الآن تعيد صياغة أمنها القومي بشكلٍ شبه يومي، فبعد زوال حليفها التاريخي مبارك ورجاله عمر سليمان وحسين سالم أصبحت الحدود الجنوبية غير آمنة أو مستقرة بعد عقود من الحماية الكاملة والتجسس والمطاردة للفصائل الفلسطينية المقاومة، وعلى الحدود الشرقية تبدو المملكة الهاشمية متماسكة حتى الآن بفضل المحاولات المستميتة من أبزر حلفاء المملكة في تل أبيب وواشنطن ولندن والرياض، فمعظم سكانها من لاجئي فلسطين بالإضافة لكون الجبهة الشرقية تُمثِّل جهة سهلة الاختراق استراتيجياً للقدس بشكلٍ مباشر.
أما بالنسبة للحدود الشمالية فإنها تحمل مفارقة غريبة بعض الشيء، إذ إنها تحت سيطرة فصيل وطائفة تُمثِّل أقليةً ليس لها وزن حقيقي في المنطقة بشكلٍ عام (الشيعة والعلوية)؛ فجنوب لبنان تحت سيطرة حزب الله وسوريا يحكمها نظام علوي، والاثنان ولاؤهما لإيران دولة شيعية حتى النخاع، والشيعة نظرتهم لبيت المقدس لاتُمثِّل نظرة لأرض مقدسة يجب تحريرها ولكنها شعار وحجة يمكن استخدامها وقت الأزمات.
لذلك؛ حزب الله كحركة مسلحة قد تشتبك مع الكيان الصهيوني عسكرياً وقد يكون اشتباكاً شديداً ومدمِّراً ولكنه محدود وتحت السيطرة، فليس من أهدافهم تحرير فلسطين، ولذلك كان نشوء المقاومة الشيعية في جنوب لبنان كأفضل الحلول وأكثرها أماناً لإسرائيل هو الخيار المفضَّل لديهم قبل الانسحاب؛ فوجود أي مقاومة سنية يُمثِّل خطراً داهماً خارِجاً عن السيطرة على المدى البعيد.
يقول آرئيل شارون في مذكراته (صفحة: [583]): "توسعنا في كلامنا عن علاقات المسيحيين بسائر الطوائف الأخرى، لاسيما الشيعة والدروز، شخصياً طلبت منهم توثيق الروابط مع هاتين الأقليتين، حتى أنني اقترحت إعطاء قسم من الأسلحة التي منحتها إسرائيل، ولو كبادرةٍ رمزية، إلى الشيعة الذين يعانون هم أيضاً مشاكل خطيرة مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومن دون الدخول في أية تفاصيل، لم أرَ يوماً في الشيعة أعداء لإسرائيل على المدى البعيد" اهـ.
وبالنسبة لسوريا التي يُسمّي نظامها نفسه بجبهة الصمود والتحدي -إشارة لرفض الصلح أو التفاوض العلني مع إسرائيل- قامت بدورٍ كبير في حماية الحدود الشمالية للكيان الصهيوني بعدم مقاومته أولاً وباعتقال كل من يطرح قضية استعادة الجولان ثانياً، وبالتنكيل بالطائفة السنية في سوريا ثالثاً، ورابعاً بالتعاون مع الأمريكان في اصطياد المقاومين أوالراغبين في المقاومة بخطةٍ بالغة في الخباثة بعد غزو العراق.
ولهذا فإن أكبر الخاسرين من إنهيار هذا النظام هو إسرائيل وذلك لأن الحدود الشمالية لن تكون آمنة بعد 40 سنة متواصلة من الأمان فسقوط النظام ووجود الجيش السوري الحر لا معنى له سوى أن هناك ثواراً مسلمين من الطائفة السنية تحرّروا من نظامٍ استعبدهم ويملكون السلاح وهم في نفس الوقت على حدود الكيان الصهيوني ولهم أرض محتلة، وهذا يؤدي بدون أدنى شك إلى اشتباك ما قد يكون محدوداً في بدايته بين الطرفين ولكن نتائجه خطيرة للغاية.
سوريا بعد التحرير ستتحول إلى أرض (جاذبة) لكل من يريد جهاد الكيان الصهيوني وسيُسافر إليها المسلمون من عربٍ وعجم من الشرق والغرب، وهذه هي لحظة حبس الأنفاس الحقيقية، فإما أن تبدأ إسرائيل بالقتال لتقليل الخسائر واستخدام (أسلحة غير تقليدية) لتجنُّب دخول الجبهة الجنوبية في الصراع أو الانتظار حتى تتحول جميع الجبهات إلى جحيمٍ سيؤدي إلى نهايتها بدون مبالغة، ولهذا فأمريكا وإسرائيل والروس قبلهم يعرفون هذه الحقيقة تمام المعرفة ويدركون أن قضية تدافع المسلمين للجهاد أمرٌ حتمي إذا أُتيح لهم، لذا فهم بالتأكيد يدرسون البدائل المتاحة لسيناريو سقوط نظام بشار، وما حشدهم لقواتهم في الخليج العربي بحجة (إيران ومضيق هرمز) إلا أحد إرهاصات هذه البدائل.
والعلم عند الله.
عبد الرحمن فرج