شيء من سعة الصدر

منذ 2013-10-10

عندما نلمس الجانب الطيّب في نفوس النّاس، نجد أن هناك خيراً كثيراً، قد لا تراه العيون لأول وهلة


عندما نلمس الجانب الطيّب في نفوس النّاس، نجد أن هناك خيراً كثيراً، قد لا تراه العيون لأول وهلة (سيّد قطب) الخير مبثوث في كل زوايا الحياة، في قلوب النّاس، وفي أعماق البحار، في آفاق الفضاء الرحب، وفي مخابيء الرّزق، ومعابر الأنهار، في اخضرار الأرض بعد انهمار المطر، وفي اهتزاز التربة بالحياة بعد الارتواء.

إنّها الحياة بكل ما فيها من صرخات الميلاد وحشرجات النهاية، ولكنّها تظلّ أبداً هي الحياة، بكل ما فيها من خير قابل للزيادة لو أردنا، ومن شرّ قابل للاضمحلال لو أردنا، هذا الخير القابل للنموّ والازدياد، مكمنة في سويداء قلوب البشر، وظاهرة في سلوكهم، وترجمته في عقائدهم، فالخير موجود حقًّا في نفوس البشر، ولكنّه يحتاج لتلك المبادرة الحانية، والمشاعر الدافئة؛ لينطلق معبّراً عن ذاته ووجوده، وأثره وتأثيره في النّاس، والحياة، والكون، والتطور، والإبداع الإنسانيّ الرّحيم، المتفاعل مع مصلحة الإنسان وآدميته وكرامته، عندما تتآلف القلوب الطيّبة، وتتنافس الأيدي المخلصة في صنع الحياة الكريمة، وتنحاز العقول المبدعة إلى مبدأ حقّ الحياة الطيبة للجميع، عندها تبدأ مسيرة العمل المنطلق من الإيمان بخالق الحياة وبارئها العظيم، مقدّرة له سبحانه هذا العطاء الكريم، من حرّية التفكير ورحابة الميدان، وروعة الوجود، وعظمة الدقّة وانتفاء التفاوت في خلق الرحمن جل وعلا، فتظهر بذرة الخير في تلك النفوس العطشى للعطاء، الظمأى للعلم والمعرفة، وتورق شجرة الخير في القلوب الرّحيمة، وهي تمدّ فروعها الوارفة الظلال، لتبسط خيرها وفيضها ونداها على البائسين، وتمدّ يد العون في كل مجالات الحياة. بدأً من السعي الدؤوب لإخراج العقول من وحول الشرك والضلال، وعتمة الكفر والفسوق، مروراً بالسعي إلى تأصيل فكرة العمل والجدّ، والكسب الحلال، وفرضيّة العلم والعمل به، والتوقّف المستمرّ المتفقّد لحال البشرية وضعفها، والأخذ بيدها إلى شاطىء الأمن والأمان والهداية، الخير بذرة إلهية اختصّ بها سبحانه الصالحين المصلحين، الراحمين المشفقين، الذين حملوا على عاتقهم إيقاظ هذه البذرة الطيبة في النّفوس، وخاصّة تلك التي ظنّ حتّى أصحابها أنّها لم توجد، أو أنها لم تعد موجودة في أعماقهم، وهم يهيلون عليها أكوام السراب الخادع، والانحراف القسري، أو الاختياري، والاستهتار بالقيم الإنسانية، والتشريعات الربانية، والسلوكيات الحضارية، فإذا هم يكتشفون ذواتهم الخيّرة على أيدي هؤلاء الدعاة المخلصين، الذين لم يسمحوا لذنوب الآخرين وعدوانيتهم، واستخفافهم بكل ماهو خيّر وجميل، أن تقف حائلاً بينهم وبين تقويمهم وإصلاحهم، فاستوعبوهم برحابة صدر، وأناة وصبر، متوّجة كلّها بتاج المحبّة الأخوية الصادقة، ومنطلقة من دعوة الله الواسعة الرحبة، الودودة الملهمة، فإذا الرّكام الثقيل يحول غباراً متطايراً إلى عنان الفضاء، وإذا الأقفال الوهمية تتكسّر جذاذاً، وإذا الاستهتار، والعداء، والانحراف، سيرة قديمة، لا تفتح إلا في لحظات الاختلاء بالله سبحانه طلباً للغفران والرضى.

كلّ ذلك التغيير الإيجابي في النفوس يجري بتوفيق الله ورعايته لتلك الخطوات التي يمشيها أولئك الطيبون الذين لم يتعالوا، ولم يترفعوا عن التعامل مع المذنبين، الذين حكم عليهم البعض بأنهم أشرار، وظلت هذه الصفة لصيقة بهم حتى تلقّفتهم تلك الأكف المؤمنة بخيريتهم، فإذا هم يبرزون مكامن الخير فيهم، وسيل العطاء الغزير في أكفهم، يمنحون الثقة لغيرهم، ويحصدونها برّاً، وثقةً، وحبّاً، وعطاءً، ذلك لأن من الفهم الصحيح لرسالة الدعاة إلى الله، أّن لا يبخلوا بجهدهم، وحنانهم، وتوجيههم، وتذكيرهم على فئة من النّاس، حرمت الفرصة في أن تكون بناءة وصالحة، فظنّ البعض أنّهم خيراً منهم، فالخير مبثوث في كل زوايا الحياة، وعلينا أن نبحث عنه بإخلاص، ومودة، واحتساب، وسعة صدر بلا حدود «ولئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النّعم».



أفراح الروح
 

  • 2
  • -2
  • 3,820

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً