حجة الوداع
رقية القضاة
أروقة المدينة المنورة يهزها فرحاً ذلك الخبر الذي أذِّن به في الناس، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجّ هذا العام"، وتتسابق القلوب بالنيات، وتسري حركة دائبة بين الصحابة رضوان الله عليهم، يتأهبون لصحبة الحبيب في رحلته المباركة إلى البيت العتيق
- التصنيفات: ملفات الحج وعيد الأضحي -
أروقة المدينة المنورة يهزها فرحاً ذلك الخبر الذي أذِّن به في الناس، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجّ هذا العام"، وتتسابق القلوب بالنيات، وتسري حركة دائبة بين الصحابة رضوان الله عليهم، يتأهبون لصحبة الحبيب في رحلته المباركة إلى البيت العتيق، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله، وتغص ساحات المسجد النبوي وما حولها بالمؤمنين، ينتظرون انطلاقة الركب الطيب إلى الرحاب الطيبة، في رحلة حجة الوداع، وتمضي الجموع خلف نبيها الكريم حتى تنتهي إلى موضع الإحرام، عند ذي الحليفة، فاحرموا لربهم، وانطلقت الحناجر الطاهرة بالإهلال لرب العالمين، ((لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)).
تلبية تحمل كل معاني التوحيد والرضى والشكر، على نعمة التوحيد والانقياد التام لأمره سبحانه، وها هي مكة المباركة تأتلق فرحا بهذه الليالي البهية، وها هو البيت العتيق منارة توحيد شامخة تغمر الكون بنورها، وها هي القلوب الوافدة على بيت الله تهتف بكل مشاعرها الفياضة، ((اللهم زده شرفاً وتعظيماً ومهابة)) تصطف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأخذ عنه مناسك الحج المبرور، ويستلم النبي الحجر، ثم يطوف بالبيت سبعاً، ثم يأتي المقام ويقف فيه قائلاً: « »، ويصلي ركعتين يقرأ فيهما (قل هو الله أحد)، وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون)، كلمات توحيد أبدية غرست في قلوب المسلمين، لا يقبلون غيرها ولا يقبل منهم غيرها، كلمات أمرت أمة الإسلام أن تقاتل الناس عليها، حتى يقولوها، فمن قالها فقد عصم نفسه ودمه، ومن خالفها، فبيننا وبينه شرع الله نحكم فيه بما أمر سبحانه، لا نزيد على ذلك ولا ننقص شيئاً.
وتتابع الصفوف المؤمنة خلف نبيها صلى الله عليه وسلم إلى المسعى، ويبدأ الحبيب من الصفا قائلاً: «نبدأ بما بدأ به الله، إن الصفا والمروة من شعائر الله»، ويرنو النبي إلى البيت من الصفا، ثم يكبر ويحمد الله بما قدر عليه، في تأكيد للأمة إلى آخر الزمان، أن هذه الشريعة بأدق تفاصيلها هي شريعة الله، وأنه صلى الله عليه وسلم قد اتبعها، وأننا لن نكون مسلمين بحق إلا باتباعها، سبعة أشواط على امتداد المساحة بين الصفا والمروة، يغدو فيها ويروح من اختار الله لهم الحج، وهم يملؤون جنبات الكون تكبيراً وتحميداً وتنزيهاً وتمجيداً لربهم سبحانه، وقد امتن عليهم بأقرب القرب، وأطيب الأحوال، وأقامهم هذا المقام بين يديه، وتمضي الشعائر البهيجة ويقف النبي صلى الله عليه وسلم في عرفات، ويتمّ الله نعمته على رسوله وعلى المؤمنين ويتنزّل الوحي بقوله سبحانه وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة من الآية:3]، ويرضى محمد صلى الله عليه وسلم وترضى أمته بالإسلام الذي ارتضاه ربّ العالمين لهم دينا إلى يوم القيامة، ويفيض النّاس من عرفات ويمرّون بالمشعر الحرام، وتنطلق تكبيرات العيد، ويهلّ يوم النّحر، ويتردد صّوت الرّسول الصّادق المشفق: « ».
اللهم احقن دماء المسلمين، واجمع قلوبهم على دينك، واجعل ثأرهم على من استباح دماءهم يا رب العالمين.