أطفالنا؛ وحب المدرسة!

منذ 2013-10-11

يرتبط لفظ (المدرسة) في أذهان البعض من أطفالنا بالاستيقاظ مبكرًا، والمذاكرة ومراجعة الدروس، وحفظ المواد التعليمية، والجلوس في فصل لمدة طويلة من اليوم، أشياء وأفعال توحي بالملل، والضجر لكثير من أطفالنا.


يرتبط لفظ (المدرسة) في أذهان البعض من أطفالنا بالاستيقاظ مبكرًا، والمذاكرة ومراجعة الدروس، وحفظ المواد التعليمية، والجلوس في فصل لمدة طويلة من اليوم، أشياء وأفعال توحي بالملل، والضجر لكثير من أطفالنا.

ولكن يمكن لنا كوالدين إحالة ذلك الروتين السنوي، والحياة المملة التي يعيشها أطفالنا في مدارسنا، وتلك الطاقة السلبية التي يكتسبونها جراء نمطية الحياة المدرسية والدراسية، إلى طاقة إيجابية تجعل الطفل يستطيع التأقلم مع الأوضاع، بل وتُحفِّزه لكي يُبدع، وبداية عملية التحويل تلك تبدأ مِنا كوالدين وذلك من خلال مشاركة أطفالنا مشاعرهم تجاه المدرسة والدراسة، سواءً أكانت تلك المشاعر إيجابية أو سلبية؛ فبتلك المشاركة الوجدانية يشعر الطفل أن هناك من يدعمه وسيجده معه في لحظات تبرمه وضعفه.

ونقف هنا عند خطأ كبير يقع فيه الكثير من أولياء الأمور، وهو عدم (التمهيد الإيجابي) لفكرة المدرسة في نفوس أطفالنا قبل التحاقهم بها، فالمدرسة منذ الصِغر وقبل حتى دخولها، ترتبط في أذهان أطفالنا على أنها نوعٌ من العقاب، وأن المكافأة تكون بأخذ إجازة من الذهاب لها، والعكس هو المراد؛ فماذا لو قام الأب أو الأم في أول عام دراسي للطفل، وقبل أن يُهلّ بعدة أسابيع بالتمهيد الإيجابي لفكرة ومفهوم المدرسة في نفس طفله.

فمن خلال قصةٍ صغيرةٍ عن أفضل اللحظات التي عاشها الوالدان في المدرسة، يمكن للطفل أن يربط بين المدرسة وذكرياتٍ إيجابية، فالأطفال يرتبطون بما يقوله الوالدان ويعتبرونه نموذجًا يُقتدى به، ماذا لو قدّمنا لهم المدرسة على أنها مكان للمغامرة، وتحدّ لكل جديد؟ أو مكان للتعرُّف على أصدقاء جُدُد، وكذلك ممارسةَ أنشطةٍ متعددةٍ ومحبوبةٍ لنفوسهم، كل ذلك يُعطي انطباعاً إيجابياً لدى الطفل نحو المدرسة.

ماذا لو أوجدنا نوعاً من التشويق للطفل قبل دخول المدرسة، وذلك بعمل حفلة بسيطة له؛ لكونه (قد كَبُر)، وسيذهب إلى المدرسة، كذلك لو أشركنا الطفل في شراء أدواته المدرسية بنفسه، كل ذلك يجعله متحفزًا سبّاقًا للذهاب إلى المدرسة.

كما يتغافل كثير من الآباء والأمهات عن أهمية أول يوم في الدراسة؛ فهذا يوم يجب أن يتم تهيئة الطفل فيه نفسيًا لنظام جديد يختلف عن أيام إجازته التي تعود عليها، فالاستيقاظ مبكرًا وإفطار كافة أفراد الأسرة مع بعضهم البعض، وأن تكون البسمة هي أخر ما يراه الطفل من والديه قبل الذهاب للمدرسة.

ومن أهم النقاط التي تساعد طفلنا على العبور من أزماته التي سيُقابِلها في حياته المدرسية، أن يُشارك الوالدان الطفل حياته المدرسية، فيسألا الطفل عما فعله طوال يومه الدراسي، وعلاقته بأصدقائه في الفصل، وعلاقاته بمدرسيه، وكيف تصرّف في المواقف الصعبة التي قابلها، كل ذلك يجعل هناك معرفة كافية للوالدين بطبيعة ونوعية المشاكل التي يتعرّض لها طفلهم بالمدرسة، ويتيح لهم الفرصة للتدخل في المواقف التي يصعُب على طفلهم التعامل معها وحلها بشكلٍ بسيطٍ وسلس.

وهنا تقابل معظمنا مشكلة قد يراها البعض مِنا عويصة؛ وهي أن يأتي طفلنا ليشكو سوء معاملة أحد مدرسيه له، أو كرهه لمدرِّسٍ ما، والحلول التي تتبادر إلى أذهاننا للأسف حلول غير عملية، وتكون إما بالعمل على نقل الابن لفصلٍ آخرَ بعيدٍ عن هذا المدرِّس الذي يكرهه، أو تجاهل شعور طفلنا نحو مدرسه، مما يفاقم المشكلة، فكم منا قد كَرِه مادةً بأكملها طوال عمره لأن مدرِّس تلك المادة كان مكروهًا عنده؟!

وحل تلك المشكلة يكمُن كما قلنا من قبل في مشاركة طفلنا لمشاعره السلبية قبل الايجابية، والتعامل معها بالاهتمام المناسب لها، بدون إفراط في تدليل الطفل، أو تفريط في حقه ومشاعره، ونحذِّر الوالدين من الاستهانة بمشاعر الطفل أو السخرية منها، فهذا يجعل الطفل يُخفي مشاعره، ولا يُظهِرها أمام الوالدين مرةً أخرى، وبذلك تكون قد أغلقتَ بابًا كبير للتواصل بينك وبين طفلك.

قد تكون مشاعر طفلك تجاه مُدرِّسه أو مُدرِّستِه جراء يومٍ دراسيٍ سيء مرَّ على طفلك، أو لموقف سيء حدث بينهم قد يتدارك فيما بعد، لذا أولى خطوات حل تلك المشكلة هو الصبر والبحث عن أسبابها الحقيقية.

فإذا تكرّرت شكوى الطفل من نفس المدرِّس؛ يجب على الوالدين التدخُّل ولكن ليس بنقل الطفل لفصلٍ آخر، حتى لا يشب الطفل معتمدًا واتكاليًا على والديه في حل مشاكله التي يُقابلها؛ ولكن تكون بالتقصي حول سبب المشكلة، بأن نسأل طفلنا مثلاً: ما الذي يفعله المعلم ويُشعِرُك بالخوف أو القلق؟ ماذا على المعلم أن يفعل لتحسين الموقف؟

كما يجب القيام بزيارة لفصل الطفل والتعرُّف على المدرِّس صاحب المشكلة، ومحاولة التوصُّل لحلول لتخفيف أو إزالة أسباب الخلاف بينهما، كذلك يجب علينا الاستماع لأصدقاء الطفل في الفصل حول المدرِّس موضوع المشكلة، وهل فعلاً ما يقوله طفلك صحيح؟

وقد يكون سبب تلك المشكلة هو طفلك نفسه؛ فقد يعاني طفلك من مشاكل في تعلُّم مادة ذلك المدرِّس، فهو في هذه الحالة يُحول ما يَشعر به من إحباطٍ إلى عمليةٍ إسقاطيةٍ يُصوِّرها على شكل مشكلةٍ مع معلمه، يتحوّل لكرهٍ له وللمادة التي يُدرِّسها.

وربما يعود سبب الكره إلى سيطرة بعض أنواع العقاب بشكلٍ عشوائي من قِبَل المدرِّس نفسه على طفلك؛ كالحرمان من بعض الحصص الدراسية، أو التهديد بالإجراءات العقابية شديدة القسوة، كما أن عدم الإحساس بالحب والتقدير والاحترام من قبل أفراد المجتمع المدرسي، يجعل الطفل قلقاً ومتوتراً وفاقِداً للأمان النفسي، يُضاف إلى ذلك عدم إيفاء التعليم بمتطلباته الشخصية والاجتماعية وعدم توفر الأنشطةِ الكافية والمناسبة لميول التلميذ. ‏

ومن الأسباب الأخرى التي تجعل طفلك يحجم عن الذهاب للمدرسة؛ عدم قدرة طفلك على استغلال وتنظيم وقته، مع جهله لأفضل طرق الاستذكار، ما يُسبِّب له إحباطاً وإحساساً بالعجز عن مسايرة زملائه في التحصيل العلمي، أو ربما الرغبة في تأكيد الاستقلالية واثبات الذات فيُظهِر الاستهتار والعناد وكسر الأنظمة والقوانين التي تضعها المدرسة، والتي يلجأ إليها كوسائل ضغط لإثبات وجوده. ‏

ومن المشاكل المهمة التي كثيرًا ما تواجهنا كوالدين مع أطفالنا في المدرسة، هي مشكلة (ضعف الدافعية للتعلم)، حيث تتدنّى دوافع التعلم لدى الطفل، ما يُفقِده الإثارة لمواصلة التعلم وبالتالي يؤدي إلى الإخفاق المستمر وعدم تحقيق التكيف الدراسي والنفسي.

فالتعليم يعد من الأمور الأساسية في حياة الإنسان، والاستمرار والنجاح فيه هو ما يُحدِّد مدى نجاح الإنسان في حياته عامة، فإذا أوجدنا (الدافع الذاتي) لدى الطفل للتعلم والمدارسة، فإننا بذلك نكون قد وضعناه على أول طريق النجاح في حياته كلها.

ولمحاولتنا إيجاد ذلك الدافع الذاتي الداخلي، نحاول أن نزرع في نفوس أطفالنا أهمية العلم، وقيمة العلماء، وذلك منذ صغرهم، من خلال القصة والمثال العملي، نزرع في أطفالنا أن أشجار العلم تروى بماء الكتب، فنجعله يُتقِن فن القراءة منذ الصغر
*
، وحب الاستكشاف، وندفعه دفعًا للتفكير والإبداع.

ولو امتزج هذا بهدفٍ يُحدِّده الطفل ويضعه نُصْبَ عينه، يتقدِّم من عامٍ لعامٍ في دراسته مقتربًا من هدفه الذي يصبو إليه؛ كل ذلك يجعل طريق العلم سهلاً هينًا، محببًا لنفوس أطفالنا.


---------------


* (راجع مقالة: "أطفالنا؛ وحب القراءة"؛ للكاتب حول القراءة وطرق تحبيب أطفالنا فيها).



معتز شاهين
 

  • 1
  • 0
  • 5,600

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً