انفلونزا المعاصي

منذ 2006-08-04

 

عبادة نوح

المتأمِّل في حال مجتمعاتنا الإسلامية حالياً يلاحظ مدى الرهبة والذعر والهلع والخوف الذي انتابته مما يسمى بـ"انفلونزا الطيور" الذي شاع في أمصار الكون، بمجرد أنهم سمعوا بخطورة هذا الداء وأنه قد يهوي بهم إلى الموت، الأمر الذي دفعهم إلى القيام بعمليات إبادة شاملة لكافة أنواع الطيور واعتزال لحمها إلى أن يشاء الله، والابتعاد عن كل ما يتعلق باسم الطيور ولو حتى بالكلام!!

 

إن انفلونزا الطيور عندما غزتنا قامت الدنيا ولم تقعد، أما انفلونزا المعاصي المترسّبة في مجتمعاتنا منذ عقود فلم يتحرك لها أحد وكأنها حادثة عرضية.

 

ما رأيناه حقاً ما هو إلا انعكاس لواقع أمتنا المرير والمتخاذل والمتناسي لرسالته السامية. نعم، هذه هي الحقيقة المرة التي يتهرب منها كثير من أبناء الأمة ورجالها؛ فعندما نشخّص أسباب هذه الأزمة، نجد أن المسلمين اليوم أصبحوا فعلاً يعانون من انفلونزا، ولكن ليست الطيور؛ وإنما المعاصي والبعد عن الله، فالشوارع أصبحت مليئة بالموبقات والفتن والعري والتفسخ الأخلاقي، والبيوت غزتها الفضائيات والستلايت والدش، والمؤسسات شاع فيها الاختلاط الفاحش والعلاقات المشبوهة والأعمال المنافية للآداب العامة، والبطالة المقنّعة والمتخفية.

 

ألا يستحق ذلك كله الذعر والخوف من غضب الله ورسوله؟!!

بلى إنه يستحق فزعة ونهضة شعبية في كل مجالات الحياة للمجتمعات المسلمة للنهوض بأمتنا وديننا من السبات العميق، والغفلة المريرة، والواقع المتشائم.

 

للأسف نحن لا نفكر إلا في الشيء الملموس والواقعي والواقع تحت الأنظار، أما الشيء الغيبي والمستقبلي فإننا متساهلون فيه إلى أبعد الدرجات، إلا من رحم ربي. ألم يحن الأوان لنغير أنظمة حياتنا التي لم نجن منها إلا الضياع والفساد والتعدي على ديننا الحنيف وموالاة المغتصبين والحاقدين وانتشار العري والظلم والانحلال والانحراف والانكسار والهوان!!

 

إننا اليوم في أمس الحاجة للتغيير والإصلاح والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة الحق ورفع الظلم. ولكن هذا لن يتحقق بالكلام إنما بالعمل وبذل الجهد والمثابرة في سبيل تحقيق ذلك. فكل ما نطلبه هو إصلاح الذات ومراقبة الله ومن ثم إصلاح الغير. أهذا كثير على الإنسان المسلم المؤمن مقابل السعادة الدنيوية والأخروية؟!

 

ينبغي ألا تلهينا زخارف الدنيا وشهواتها عن رسالتنا السامية، والتي من أجلها وُجِدنا، فما أجمل التوازن في جميع شؤون الحياة وإعطاء كل ذي حق حقه، وبالتالي نحقق الخير والنفع والريادة والتقدم والإبداع للأمة الإسلامية، فالحياة لا معنى لها ولا طعم من غير هدف ومسلك، وعدة وعتاد وزاد، فإني والله أتمنى ما يتمناه كل إنسان مسلم محب لدينه وراغب في نصرته ورفع رايته عالياً في الآفاق والله ولي التوفيق.

المصدر: مجلة النور - العدد
  • 0
  • 0
  • 6,764

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً