{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً}

منذ 2013-10-19

إن النفس البشرية مهما بلغت من الصلاح والتقوى فإنها لا تخلوا من الزلات والخطيئات، فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وقد ورد في الحديث القدسي: «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب، فاستغفروني أغفر لكم».


عباد الله:

إن النفس البشرية مهما بلغت من الصلاح والتقوى فإنها لا تخلوا من الزلات والخطيئات، فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وقد ورد في الحديث القدسي: «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب، فاستغفروني أغفر لكم».

والله سبحانه وتعالى قد بين للإنسان طريقًا يقيل به عثرته ويمحو زلته، فقد قال سبحانه وتعالى واصفًا عباده المتقين: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].

{فَاحِشَةً} الفاحشة تطلق على كل معصية، وقيل الفاحشة الكبيرة، وظلم النفس الصغيرة، وقيل غير ذلك (الشوكاني، فتح القدير 1/381(. ومن هذه الآية يتبين أن الإنسان المسلم إذا زلت به القدم ووقع في المعصية فيجب عليه جملة من الأعمال هي:

1- {ذَكَرُوا اللَّهَ} أي ذكروه بألسنتهم، أو أخطروه في قلوبهم، أو ذكروا وعده ووعيده (الشوكاني، فتح القدير 1/382). وقيل الخوف من الله والحياء منه، وقيل ذكروا العرض على الله، وقيل تفكروا في أنفسهم أن الله سائلهم عنه (القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 4/135).

على العاصي أن يتذكر بعد وقوعه في المعصية وعيد الله على هذه المعصية:
فإذا زنا مثلاً.
وإذا سرق.
وإذا شرب الخمر.
وإذا كذب.

ويتذكر أيضًا يوم العرض على الله يوم يؤتى بكتابه لا يغادر صغير ولا كبيرة إلا أحصاها، يوم ينادى باسمه بين الخلائق ويفضح على رؤوس الأشهاد من الأولين والآخرين ومن الأنبياء والمرسلين. ولابد أن يتذكر العاصي عظمة الله سبحانه وتعالى وقدرته عليه، وأن سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فكيف تجرأ العاصي على معصية مولاه العزيز الجبار، وهو مطلع عليه ومشاهد فعله.

كما لابد أن يتذكر العاصي نعمة الله عليه بهذه الجوارح التي عصى الله بها، وكيف قابل النعمة بالجحود، وبارز الله بالمعصية.
وقد يتعدى الذكر إلى اللسان باللجوء إلى الله باستغفاره والإنابة إليه والتضرع والخشية منه. كما قد يكون الذكر بالعمل الصالح كالصلاة، فقد قال الله سبحانه: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته"، قال: "وحدثني أبو بكر -وصدق أبو بكر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يذنب ذنبًا فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له. ثم قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] » (أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة 2/180 واللفظ له، والترمذي في سننه، كتاب الصلاة 2 / 258، وابن ماجة في سننه، كتاب إقامة الصلاة 1 / 446، وحسنه الألباني، انظر: صحيح سنن الترمذي 1 / 128، وصحيح سنن ابن ماجة 1/ 233، ومشكاة المصابيح 1 / 416).

2- {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} أي طلبوا الغفران لأجل ذنوبهم. وهذا الواجب الثاني على من وقع في المعصية سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وهو المبادرة إلى الله سبحانه وتعالى بالاستغفار، ولكن الاستغفار الذي ينبع من القلب ينم على الندم على المعصية، والخشية من عقابها.

وقال القرطبي: "قال علماؤنا: الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان، لا التلفظ باللسان، فأما من قال بلسانه: أستغفر الله، وقلبه مصر على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرته لاحقة بالكبائر. وروي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى استغفار" (القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 4/135).

3- {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} أي لا يغفرها أحد إلا الله (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1/408).

4- {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} أي تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله من قريب، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1/408) والإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العودة إليه من أهم الواجبات التي تتوجب على العاصي. قال القرطبي: "الباعث على التوبة وحل الإصرار هو إدامة الفكر في كتاب الله العزيز الغفار" (الجامع لأحكام القرآن 4/136).

5- {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أن من تاب تاب الله عليه (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1/409).

وإذا حقق الإنسان هذه الأمور مع جملة أمور ذكرها الله سبحانه وتعالى في صفات المتقين فقد كتب الله له الجزاء العظيم بقوله {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:136] (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1/404).

سليمان بن قاسم العيد
 

  • 16
  • 0
  • 31,856

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً