في التحذير من التنافس على الدنيا
إنَّ معظم التنافُس اليوم في هذه الدُّنيا الدنيَّة على الزائل الفاني؛ فلا تجد مَن يُنافِسك على الخيرات الباقية، وإنْ وُجِد فما أقلَّه! في حين أنَّ المنافسة العامَّة من حكومات إلى شعوب وأفراد هي على سُلطة أو على تَوسُّع في حُدود أو استيلاء على حَقِّ الغير أو امتِصاص الأموال بأيِّ طريقة ووسيلة، والسؤال الذي لا يقبل أنْ يطرح على أولئك هو: لماذا هذا التجرُّؤ والوثوب على حقِّ الغير بلا دليلٍ ولا مُبرِّر؟
الحمدُ لله نحمدُه، ونستَعِينُه ونستهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله: اتَّقوا الله تعالى واعلَموا أنَّ الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وأنَّ راحة النفس وطمأنينة القلب في تناوُل الحلال والبُعد عن الحرام، وما قلَّ وكفى خيرٌ ممَّا كثُر وألهى، وإنَّه لا خير فيما يُشغِل عن طاعة الله، وإنَّ ما كثُر عن طرقٍ غير مشروعة لا بُدَّ أنْ ينفد ويذوب: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة من الآية:276].
إنَّ معظم التنافُس اليوم في هذه الدُّنيا الدنيَّة على الزائل الفاني؛ فلا تجد مَن يُنافِسك على الخيرات الباقية، وإنْ وُجِد فما أقلَّه! في حين أنَّ المنافسة العامَّة من حكومات إلى شعوب وأفراد هي على سُلطة أو على تَوسُّع في حُدود أو استيلاء على حَقِّ الغير أو امتِصاص الأموال بأيِّ طريقة ووسيلة، والسؤال الذي لا يقبل أنْ يطرح على أولئك هو: لماذا هذا التجرُّؤ والوثوب على حقِّ الغير بلا دليلٍ ولا مُبرِّر؟
فهذا السؤال لا جَواب عليه؛ وإنما الجواب أنَّ الحلال ما حلَّ في اليد وبأيِّ وسيلة، وما تمَّ الاستيلاء عليه، ولو بقوَّة ظالمة؛ ولهذا نجدُ التناحُر والتنافُر والشِّقاق والمنازَعات التي لا تهدأ ولا يقرُّ لأهلها قَرار؛ لأنَّ ذلك كلَّه ليس فيه شيءٌ يُراد به وجهُ الله والدار الآخِرة، وما خلا من ذلك فلا خيرَ فيه، ولن ينفَعَ في دُنيا، وضرره مُتحقق في الدنيا والآخِرة.
فما أسفَهَ العُقول وأضعَفَ النفوس حين تتَمادَى في غيِّها، فيا عباد الله، إنَّ عمارة الدنيا لا بُدَّ منها إلى أنْ يأذن الله في زَوالها، ولكن ليس على حِساب عمل الآخِرة؛ يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ . وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:76-77].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}؛ أي: استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك، والتقرُّب إليه بأنواع القُربات التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والآخرة، وعلى قوله سبحانه: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}؛ أي: ممَّا أباح الله فيها من المآكِل والمشارِب والملابس والمساكن والمناكح.
فيا عبادَ الله:
إنَّكم لم تُحرَموا التلذُّذ بالمباحات، وإنَّ هذا المال ينبغي أنْ يُستعان به على طاعة رازِقه ومُسدِيه، وأنْ يُؤخَذ من حلِّه ويُصرَف في محلِّه؛ حتى يكون عوناً لصاحبه في الدُّنيا على طاعة ربِّه، وزادًا مُدَّخرًا يجدُه أمامَه في الآخِرة إنَّه ابتلاءٌ وامتحانٌ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن من الآية:15].
إنَّ التكالُب والتزاحُم اليومَ على هذه الجِيفة، وكلٌّ ينال نصيبه منها، والمصيبة العظمى والطامَّة الكبرى هي أنْها تُلهي عن طاعة الله، فتجد التاجر في مَتجَرِه، والصانع في مصنعه، والعامل في محلِّ عمله، والخبَّاز في مخبزه، وصاحب المقهى في مقهاه، وصاحب المطعم في مطعمه، والكلُّ مشغولٌ، وقلَّ مَن ينتبه ويهتمُّ حتى للصلاة المفروضة في وقتِها إنْ لم يترُكها البعض بالكليَّة.
فتلك من فتنة المال؛ في حين أنَّ أبواب الخير مفتوحة، وطرق السعادة واضحة، فما أقلَّ المتزاحمين عليها، يُؤذِّن المؤذِّن وتُقام الصلاة وأبواب المساجد لا زِحام عليها، وقلَّ أنْ تجدَ اثنين يَدخُلان معًا، فإذا سلَّم الإمام من الصلاة خُصوصًا الجمعة نفَر الناس حتى عن الذِّكر المشروع بعد الصلوات المكتوبة، يزهدون في مئات الحسنات بكلماتٍ خفيفاتٍ على اللسان تُؤدَّى في دقائق قليلة، فنعوذُ بالله من الحِرمان.
إنَّ هذا النقصَ والانشغالَ والغَفلة عن طاعة الله لا شكَّ أنَّ لِتَناوُل المال الحرام فيه أثرٌ، فكلَّما بعُد العبد عن الله قرُب من الشيطان، وإذا تولَّاه الشيطان أورده موارد العطب والهلاك، فعلى الناصح لنفسه أنْ يفيق ويصحو من نومه قبل أنْ يُؤخَذ على غِرَّةٍ؛ فيندم حين لا ينفع الندَم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9].
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكِيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِرُوه إنَّه هو الغفور الرحيم.
عبد العزيز بن محمد العقيل
- التصنيف:
- المصدر: