الهجر فوق ثلاث
الهجر يعمل على القطيعة بين أبناء الإسلام، ويفسد الأخوة المتينة، ويقطع العلاقة الحميمة، فيظهر الجفاء والحقد، وتزداد العداوة والبغضاء، ويُفتح الباب للشيطان ليعمل على التحريش بين المؤمنين.
- التصنيفات: الآداب والأخلاق -
الحمد لله ربّ العالمين، أمر أن لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: «
أما بعد:
عياذاً بك اللهم علام الغيوب، ومصرِّف القلوب من الهجر والقطيعة، والجفاء والحقد، والعداوة والتباغض والشحناء، ومن فتنة الشيطان، بالتحريش بين المؤمنين، وإغراء العداوة بينهم لأتفه الأسباب، ومحقِّرات الأمور، وهم الذين طهر الله قلوبهم بالإيمان، ونزع من صدورهم حظ الشيطان، بأدب السنة والقرآن، فشرع لهم السلام والمصافحة عند اللقاء، وأمرهم بإظهار التوادد والتحابب بينهم ليطمئن كل إلى أخيه، ويفضي إليه بسره، ويطلعه على خفي أمره، ويرى فيه خير نصيح ومعين على الحق، وتكاليف الحياة ومتاع الدنيا.
وَرُبَّ أَخٍ لم يُدْنِهِ منْكَ وَالِدٌ *** أبرُّ منَ ابْنِ الأمِّ عنْدَ النَّوَائبِ
وَرُبَّ بَعيدٍِ حَاضِرٍ لكَ نفْعُهُ *** وربَّ قريبٍ شاهدٍ مثل غائب[1]
أيها الأحبة:
إن الأمة الإسلامية تعاني من أمراض عدة، تحاول أن تفتك بجسمها المتين، وتهد حصنها المنيع "الإسلام"، فالأعداء يعملون لليلاً ونهاراً على إضعاف هذا الجسم والفتك به بكل ما يقدرون عليه، ولا غرابة في هذا فهم الأعداء في السابق والحاضر، إلا أن الغريب أن تجد من أبناء المسلمين من يطعن في هذا الجسد وهو لا يدري، فالذي يهجر أخاه لأسباب دنيوية، أو أغراض نفسيه فوق ثلاث ليالٍ هو يطعن في هذا الجسد المليء بالطعنات، فالهجر يعمل على القطيعة بين أبناء الإسلام، ويفسد الأخوة المتينة، ويقطع العلاقة الحميمة، فيظهر الجفاء والحقد، وتزداد العداوة والبغضاء، ويُفتح الباب للشيطان ليعمل على التحريش بين المؤمنين.
نص الحديث:
عَنْ أبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « » (رواه البخاري؛ الفتح، كتاب الأدب، باب الهجرة، [10/507] [6077]، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي [4/1984] [2560]).
المعنى العام:
إن هجر المسلم يُعدُّ كبيرة شريطة أن يكون فوق ثلاث، وألا يكون لغرض شرعيٍّ؛ لما في ذلك من التقاطع والإيذاء والفساد، وقد وردت أحاديثُ كثيرة في هذا المعنى ومنها ما رواه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: « » (متفق عليه).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «» (رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم: [7659]).
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم: [7775]).
وعن أبي خراش السلمي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » (رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم: [6581]).
فإذا زاد الهجر بين الإخوان فوق ثلاث كان حراماً لما يترتب عليه من تفكك اجتماعي، وزيادة البغض والكراهية، والشحناء بين المتهاجرين، ويُستثنى من التحريم ما إذا عاد الهجر إلى صلاح دين الهاجر والمهجور وإلا فلا يجوز، وقد قاطع النبيُّ صلى الله عليه وسلم والصحابةُ الكرامُ الثلاثةَ الذين خلفوا في غزوة تبوك، خمسين يوماً وليلة، حتى نزلت توبتهم من فوق سبع سموات، بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، قال تعالى يُصوِّر ذلك المشهد: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:118].
فإذا ترتب على هذا الهجر الزجر للمهجور عما وقع فيه من ذنب، وكان الهجر ردعاً له حتى يرجع إلى الصلاح والحق، فهذا فيه مصلحة، أما إذا لم تكن ثمة مصلحة، وكان الهجر يُؤدِّي إلى زيادة فساد المهجور وفسقه، وذهابه مع المفسدين فهذا ليس فيه مصلحة، وضرره أكبر من نفعه، فالمسلم العاقل يضع الأشياء في مكانها المناسب، ويتصرف تصرفاً يعود نفعه على المجتمع.
معاني الكلمات:
« »: أي لا يجوز.
« »: أي يعتزل أخاه المسلم ويقاطعه دون عذر.
« »: أي يتنحى ويصرف وجهه عنه (راجع: نزهة المتقين: [2/1095]).
شرح الحديث:
قوله صلى الله عليه وسلم: « » بضم الجيم، « » أي المسلم، وهو أعم من أخوة القرابة والصحبة" (تحفة الأحوذي).
والهجر كما قال المناوي: "هو مفارقة الإنسان غيره، إما بالبدن، أو اللسان، أو القلب" (راجع: التوقيف على مهمات التعاريف: [242]).
قال الإمام النووي: "يحرم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص وتباح في الثلاث بالمفهوم، وإنما عفي عنه في ذلك؛ لأن الآدمي مجبول على الغضب، وسوء الخلق، فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض".
وقال أبو العباس القرطبي: "المعتبر ثلاث ليال، حتى لو بدأ بالهجرة في أثناء النهار ألغى البعض وتُعتبَر ليلة ذلك اليوم، وينقضي العفو بانقضاء الليلة الثالثة".
قال ابن حجر: "وفي الجزم باعتبار الليالي دون الأيام جمود".
وفي رواية شعيب في حديث أبي أيوب بلفظ: « » "فالمعتمد أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها، فحيث أطلقت الليالي أريد بأيامها، وحيث أطلقت الأيام أريد بلياليها، ويكون الاعتبار مضى ثلاثة أيام بلياليها ملفقة، إذا ابتدئت مثلاً من الظهر يوم السبت كان آخرها الظهر يوم الثلاثاء" (راجع: فتح الباري: [10/507]، وشرح مسلم: [16/117]).
قال الشيخ العثيمين: "لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام لكن فيما دون الثلاثة له أن يهجره، ولا ينبغي أيضاً، لكن له يهجره؛ لأن الإنسان ربما يكون بينه وبين أخيه شيء من وقفة الخواطر والشرف عليه، فيهجره، هذا رخص له النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام فقط، وبعد ذلك لا بد أن يسلم لكن إذا كان الهجر لمصلحة دينية، مثل أن يكون سبباً لا ستقامة المهجور، وتركه المعاصي فإنه لا بأس به، بل قد يكون واجباً، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهجر كعب بن مالك رضي الله عنه وصاحبيه هلال ابن أمية، مرارة ابن الربيع، الذين تخلفوا في غزوة تبوك، ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الغزوة جاء المنافقون يعتذرون للرسول صلى الله عليه وسلم ويحلفون أنهم معذورون، فقال الله تعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:95-96].
حتى لو رضيتم عنهم ما ينفع، أما هؤلاء الثلاثة فمنَّ الله عليهم بالصدق، وصرّحوا للرسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم تخلفوا بلا عذر. وكان أشبَّهم كعب بن مالك رضي الله عنه، شاب جلد وكان عنده في تلك الغزوة راحلتان يعني غنيّ يستطيع أن يخرج في هذه الغزوة، لكن سولت له نفسه التمهل: أخرج غداً أخرج غداً، حتى ذهب الوقت، ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم جاءه كعب بن مالك، وقال يا رسول الله: لقد أوتيت جدلاً. أستطيع أن أجادل وأخاطب، لو جلست عند رجل غيرك عرفت أن أتكلم لكن والله لا أقول شيئاً ترضى به عني اليوم يفضحني الله به غداً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « »، ثم أمر الناس أن يهجروهم، ما يُكلِّموهم، حتى أقاربهم، قال لا تلكموهم، حتى أحسن الناس خلقاً وأشدهم تحملاً محمد صلى الله عليه وسلم يقول كعب كنت أرد عليه السلام فأقول هل حرّك شفتاه... إلخ.
فإذا كان في هجر من فعل معصية لترك واجب أو فعل محرّم فائدة يهجر حتى تتحقق الفائدة، وأما من كان هجره لا يفيد شيئاً بل لا يزيد الأمر إلا شدة والنار إلا اضطراماً؛ لأن الشرع جاء بالمصالح وليس بالمفاسد، فإذا علمنا أننا لو هجرنا هذا العاصي لم يزدد إلا شراً وكراهة لنا وكراهة لما معنا من الخير، فإننا لا نهجره، نسلم عليه ونرد عليه السلام لأنه وإن عصى الله، والمؤمن لا يهجر فوق ثلاث، هذا هو الحكم فيما يتعلق بالهجر، وفي النهاية يسوءني أن أحد المسلمين اليوم يمر بعضهم ببعض لا يسلم أحدهم على الآخر، يتلاقيان يضرب كتف أحدهم كتف الآخر لا يسلم عليه وكأنما مر بجيفة، أو يهودي، أو نصراني، مع أنه أخوه ومع هذا إذا سلم، ما ذا يستفيد؟
عشر حسنات، ورسوخ إيمان، ومحبة، وألفة، ودخول الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح البخاري: [4418]، ومسلم: [2769] من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه).
فبيّن أن إفشاء السلام من أسباب المحبة، والمحبة من الإيمان والإيمان سبب في دخول الجنة، فيؤسفنا جداً أن نرى مسلمين يلتقي بعضهم ببعض ولا يسلم، بل ربما كانا أخوين زميلين في الدراسة، سواءً في دراسة المسجد أو دراسة الكلية أو المعهد أو المدارس الأخرى، لا يسلم بعضهم على بعض، إذاً ما فائدة العلم؟ وما فائدة طلب العلم؟ إذ لم يتربى طالب العلم بالتربية الحسنة التي دل عليها الكتاب والسنة وكان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فما الفائدة من التعليم فالمتعلم والجاهل سواء، إن لم يكن الجاهل خيراً منه، ولهذا أحثكم على إفشاء السلام لفوائدة العظيمة، وهو لا يضر، لأنه عمل اللسان، واللسان لو يعمل من الصباح إلى الغروب ما كل ولا مل فنسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق والعصمة والتوبة إنه على كل شيء قدير (راجع: شرح رياض الصالحين، ص: [138-140]، الشيخ ابن عثيمين).
قوله صلى الله عليه وسلم: « » ظاهره إباحة ذلك في الثلاث، وهو من الرفق، لأن الآدمي في طبعه الغضب وسوء الخُلق ونحو ذلك، والغالب أن يزول أو يقل في الثلاث (فتح الباري: [10/511]).
وقوله صلى الله عليه وسلم: « » وفي رواية: « » هو بضم الصاد ومعنى يصد: يُعرِض أي يوليه عُرضه بضم العين وهو جانبه، والصد بضم الصاد وهو أيضاً الجانب والناحية" (شرح مسلم: [16-117]).
ولأبي داود بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « » (موطأ مالك).
وخرج المسلم من الهجرة "ولأحمد والمصنف في الأدب المفرد" وصححه ابن حبان من حديث هشام بن عامر: "فإنهما ناكثان عن الحق ما داما على صرامهما، وأولهما فيئاً يكون سبقه كفارة"، فذكر نحو حديث أبي هريرة رضي الله عنه وزاد في آخره: "فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعاً" (فتح الباري: [10/511]).
وقوله صلى الله عليه وسلم: « »، أي هو أفضلهما وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الأثم فيها ويزيله، وقال أحمد وابن القاسم المالكي: "إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجرته"، قال الشافعية: "ولو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل يزول ثم الهجرة وفيه وجهان أحدهما لا يزول لأنه لم يكلمه وأصحهما يزول لزوال الوحشة والله أعلم" (شرح صحيح مسلم للنووي: [16-118]).
وقال ابن حجر في الفتح: "قال أكثر العلماء: تزول الهجرة بمجرد السلام ورده"، وقال أحمد: "لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولاً".
وقال أيضاً: "ترك الكلام إن كان يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام". كذا قال ابن القاسم.
وقال عياض: "إذا اعتزل كلامه لم تُقبَل شهادته عليه عندنا ولو سلم عليه، وهذا يؤيد قول ابن القاسم: قلت"أي ابن حجر"ويمكن الفرق بأن الشهادة يتوقى فيها، وترك المكالمة يشعر بأن في باطنه عليه شيئاً فلا تقبل شهادته عليه، وأما زوال الهجرة بالسلام عليه بعد تركه ذلك في الثلاث فليس بممتنع، واستدل الجمهور بما رواه الطبراني من طريق زيد بن وهب عن ابن مسعود في أثناء حديث موقوف وفيه: "ورجوعه أن يأتي فيسلم عليه" واستدل بقوله" أخاه" على أن الحكم يختص بالمؤمنين".
قال ابن عبد البر: "أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك جاز، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. ثم إن الهجر مقامين أعلى وأدنى، فالأعلى اجتناب الإعراض جملة فيبذل السلام والكلام والمواددة بكل طريق، والأدنى الاقتصار على السلام دون غيره، والوعيد الشديد إنما هو لمن يترك المقام الأدنى، وأما الأعلى فمن تركه من الأجانب فلا يلحقه اللوم، بخلاف الأقارب فإنه يدخل فيه قطيعة الرحم" (فتح الباري: [10/512]).
وهذه بعض الأمثلة عن السلف الصالح للتسابق على البدء بالسلام بعد التهاجر، فعن أبي الحسن المدائني قال: "جرى بين الحسن بن علي وأخيه الحسين كلام حتى تهاجرا فلما أتى على الحسن ثلاثة أيام من هجر أخيه فأقبل إلى الحسين وهو جالس فأكب على رأسه فقبله، فلما جلس الحسن قال له الحسين: إن الذي منعني من ابتدائك والقيام إليك أنك أحق بالفضل مني فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به" (الخرائطي في مساوي الأخلاق: [200]).
أما في زماننا هذا فإن الأمر يختلف تماماً فأنا أعرف شخصين متهاجرين لا يُكلِّم أحدهم الآخر لمدة تزيد عن خمس سنوات وكانا زملاء في المدرسة وكنت زميلاً لهما فلم أعهد من أحدهم أنه كلّم الآخر خلال خمس سنوات وتركتهم وهم على ذلك وما أدري هل اصطلحا أم لا.
ويكلمني أحد الأخوة الثقات أنه يعرف شخصين متهاجرين أكثر من سبع سنوات. فـ {إِنَّا ِللهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} أين هؤلاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: « »، وهذا الهجر الذي حصل ويحصل إنما هو على أغراض دنيوية أو أسباب شخصية أما على محارم الله فلا تجد إلا النادر فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أنواع الهجر:
يختلف الهجر باختلاف المهجور ويمكن تلخيص ذلك في الأنواع الآتية:
1- هجر القرآن.
2- هجر الرجل زوجته، أو نساءه.
3- هجر الأقارب "وهو نوع من قطيعة الرحم".
4- هجر أهل البدع والأهواء.
5- هجر المسلمين بعضهم بعضاً، ويُسمّى بالتهاجر.
الفرق بين التهاجر والتدابر والتشاحن:
قال ابن حجر: "التهاجر: أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاثة أيام لغير غرض شرعي". والتدابر: هو الإعراض عن المسلم بأن يلقى أخاه فيعرض عنه بوجهه. والتشاحن: هو تغير القلوب المؤدي إلى التهاجر والتدابر" (انظر: الزواجر: [418]).
حكم الهجر:
يختلف حكم الهجر باختلاف المهجور فإن تعلق الهجر بالمرأة كان ذلك جائزاً، بل مأموراً به في بعض الأحيان وذلك عند النشوز، لقوله تعالى:{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء من الآية:34].
وإن تعلّق الهجر بالمسلم فإنه يعد كبيرة كما صرّح بذلك ابن حجر: "شريطة أن يكون فوق ثلاث وليس بغرض شرعي لما في ذلك من التقاطع والإيذاء والفساد، ويستثنى من تحريم هذا الهجر مسائل حاصلها أنه متى عاد الهجر إلى صلاح دين الهاجر والمهجور جاز وإلّا فلا" (انظر: الزواجر: [421]).
"وإن كان المهجور من ذوي الرحم فإنه كبيرة حتى وإن لم تبلغ المدة ثلاثة أيام، لأن الهجر هنا أضيف إليه قطيعة الرحم، وقد عد الإمام الذهبي هجر الأقارب مطلقاً من الكبائر" (الكبائر: [47]).
"أما هجر أهل البدع والأهواء فإنه مطلوب على مرِّ الأوقات مالم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق، كما قال ابن الأثير" (النهاية: [5/246]).
وللمزيد في هجر المبتدع يراجع كتاب "هجر المبتدع" للشيخ الفاضل: "بكر بن عبد الله أبو زيد".
وفيما يتعلق بحكم هجر القرآن فإنه يختلف حكم هجر القرآن باختلاف نوع الهجر، وهذا ليس مقامه.
بم يكون الهجر؟
والهجر والهجران: يكون بالبدن، وباللسان، وبالقلب، وقوله تعالى:{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}. أي بالأبدان، وقوله تعالى: {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان من الآية:30]، باللسان أو بالقلب. وقوله تعالى: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل من الآية:10]، محتمل للثلاثة: وقوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5]، حث على المفارقة بالوجوه كله (راجع: المفردات للراغب: [537]).
من مضار الهجر:
1- الهجر صفة قبيحة تسخط الله عزوجل على المتهاجرين.
2- الهجر سبب في تأخير المغفرة من الله عزوجل.
3- الهجر بين الإخوان فوق ثلاث حرام ويسبب تفككاً اجتماعياً.
4- هجر المرأة فراش زوجها سبب في لعنة الله والملائكة لها.
5- الهجر من حبائل الشيطان. يغوي بها أتباعه حتى يسوقهم إلى الحجيم (راجع: نضرة النعيم: [5690]).
"فوائد من الحديث:
1- التعبير في الحديث بالأخوة إشارة واضحة إلى الحث على التواصل والتحذير من الهجران والتقاطع.
2- خير المتقاطعين الذي يبدأ أخاه بالسلام والكلام ويواصل الأخوه ويزيل أساب التقاطع.
3- تحريم الهجران بين المسلمين أكثر من ثلاثة أيام، والحكمة من تحديد هذه المدة أنها كافية لإحلال التفكير وإبعاد العاطفة وتنامي الأخطاء ودفن الأحقاد.
4- المسلم يتناسى الأحقاد ويسرِع إلى الصلح ليفوز بالفضل، والسلام في الإسلام رمز المحبة والإخاء" (راجع: نزهة المتقين: [2/1095]).
اللهم ألِّف على الخير قلوبنا، اللهم أصلح فساد قلوبنا، وحبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله ربّ العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - (راجع: إصلاح المجتمع للبيحاني ص: [29-30]).