تيه النصارى صنعه النصارى

منذ 2013-11-03

ما كنا لنشغل أنفسنا بالتقاء نصارى المشرق قبل أيام في لبنان، وهم مِلل شتى -ثلاث كبرى: الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت- تختلف كل مِلة منها مع الأخريات في الأصول الكبرى، فذاك شأن أغنانا الله عنه بما أنزله من الحق على خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث للعالمين كافة حتى قيام الساعة.


ما كنا لنشغل أنفسنا بالتقاء نصارى المشرق قبل أيام في لبنان، وهم مِلل شتى -ثلاث كبرى: الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت- تختلف كل مِلة منها مع الأخريات في الأصول الكبرى، فذاك شأن أغنانا الله عنه بما أنزله من الحق على خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث للعالمين كافة حتى قيام الساعة.

غير أن من يعرف حجم التناقض بين تلك المِلل وسجلها الدموي في الغرب بعضها ضد بعض، يجب أن يحاول العثور على تفسير لما دعاها إلى التجمع وتناسي الخلافات الجوهرية في ما بينها، في هذا الوقت تحديداً؟

الإجابة المعلبة المكرورة: إن هؤلاء -مجتمعين- ينتمون إلى أقليات تخشى على نفسها من مجريات التغيير الجارفة في بلدان الربيع العربي بصفة خاصة.

وهو اعتراف ضمني بأنهم لا يشاركون في ثورات الشعوب العربية على طغاتها، فما الذي منعهم من المشاركة؟

حسناً؛ فلنتجاهل هذا السؤال الحيوي موقتاً، ولنُسَلِّمْ جدلاً أن  المخاوف المطروحة حقيقية، وأن النصارى في المشرق الإسلامي هم ضحايا محتملون لأي تغيير جاد في بني نظم الحكم والاجتماع في عدد من بلدان المنطقة. فلنتابع ما أبرز ما قالوه في مؤتمرهم الذي لقي تغطية إعلامية ضخمة، وحضره رئيس الجمهورية اللبنانية ميشيل سليمان وألقى فيه كلمة باسم بلاده راعية المؤتمر. وذلك لنتحرى هواجس القوم ورؤيتهم لمعالجة ما يعانونه فعلاً أو احتمالاً!

الأمين العام للقاء المطران سمير مظلوم خاطب الحاضرين  في حفل الافتتاح بقوله: "اسمحوا لي أن أستعيد هنا بعض ما قاله بطاركة الشرق الكاثوليك في رسالتهم الثانية الى أبنائهم في عيد الفصح سنة 1992م: "إن المسيحيين والمسلمين تشاركوا في "العيش والملح" قروناً طويلة. وهذا ما يُلقي على الطرفين مسؤولية متبادلة. فالإسلام يتحمل مسؤولية كبرى في هذا المجال إذ إنه مدعو الى تطمين المؤمنين المسيحيين الذين يعيشون معه في الوطن الواحد".

المطران الظالم -على عكس اسمه- تحدث عن العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين فلما وصل إلى تحديد المسؤوليات قفز في أقل من سطر إلى أن الإسلام هو المسؤول، وهو تعبير خبيث مدروس إذ يعني هذا المفتري أن الخلل يكمن في الإسلام وليس في المسلمين مثلاً، وأما النصارى فهم قد تعلموا اللطم على طريقة الرافضة شركائهم في حلف الأقليات! هو كذوب حتى لو اتهم المسلمين لأن الواقع ينسف فريته.


والدليل لا نأتي به من مؤرخينا ولا بعض المنصفين من مؤرخي الغرب، وإنما من كلام مظلوم ذاته: ألم يتغنَّ قبل لحظات بالتعايش التاريخي بين الطرفين؟

ولو كان لديه ذرة من الإنصاف لشهد للمسلمين بالعدل والحق الاستثنائيين في تاريخ البشرية، ولولا التزام أمة الإسلام بدينها الذي يحرم الظلم لما بقي في هذه المنطقة إلا مسلمون موحدون.

لقد وضع القس مظلوم يده على داء النصارى اليوم وهو يوهم نفسه وجمهوره بأنه يرمي بالكرة في مرمى المسلمين. إن معضلة النصارى في منطقتنا في الوقت الحاضر تنبع من عدائهم للإسلام وللمسلمين عِداء صار شبه معلن، من خلال إعلام صليبي وقح يشن حملات تشويه ظالمة على الإسلام ومقدساته، وعبر حِراك سياسي واضح للانخراط في حلف الأقليات برعاية صهيونية خفية ومجوسية صريحة.

أما رئيس جمهورية لبنان فدعا العرب إلى التأسي بتجربة لبنان ودستوره القائم على "ديموقراطية الجماعات"!

وكأن في تجربة لبنان البائسة ما يستحق الاقتباس حتى يدعو سليمان إلى السير على دربها، الذي أنتج عدة حروب أهلية طاحنة، ناهيك عن أن المطلوب تفكيك كل بلد عربي إلى هويات، وبخاصة أن ميشيل سليمان يطلب من الأكثرية -يعني المسلمين- بإعلاء الهوية الوطنية فوق الهوية الدينية!

سبحان الله...!

انظروا من يتكلم: رئيس بلد فرضت أقليته النصرانية عليه التعطيل في يوم الأحد دون الجمعة، وكل مؤسساته الرسمية تحمل الشعارات النصرانية البلد العربي الوحيد الذي يصر على الصليب الأحمر ومنع الهلال الأحمر.

والمدهش أن الرئيس الماروني أضاف في خواتيم كلمته ما ينقض أولها إذ قال:

".....إن مستقبل المسيحيين المشرقيين لا يكون بالتقوقع والانعزال؛ لأن ذلك مخالف لطبيعة رسالتهم ولتاريخ تجذرهم في الشرق ومساهمتهم في نهضته وعزته ونضالاته، ولا يكون بالحماية العسكرية الأجنبية، لأنها مشروع بائد ومستفز ويتنافى مع عمق انتمائهم القومي، ولا يكون بما يُسمّى "تحالف الأقليات"، لأنه منطق مواجهة مرفوضة ومشروع حرب دائمة ومدمرة، ولا يكون بالتماهي بشكل عام مع الأنظمة غير العادلة والمتسلطة،  لأن فيه مشروع عداوة مع الشعوب....".

إن ما ختم سليمان به كلمته ليس سوى تمنيات تتناقض مع الكامن في نفوس القوم وقد بات معلناً؛ ولذلك فهو لا يعدو أن يكون للاستهلاك الإعلامي وتلميع جريمة النصارى الكبرى في حق أنفسهم، إذا لم يكبحوا مجانينهم المراهنين على التحالف مع اليهود والمجوس والنصيرية ضد أمة المليار ونصف مليار مسلم.

والبطريرك السابق نصر الله صفير لم يكن أقل نصرانية من هؤلاء ولا أقل تعصباً على الإسلام وأهله، عندما رفض الدخول في حلف الأقليات، فالرجل قارئ عميق للتاريخ والجغرافيا، ولن يفيد الندم بعد وقوع الفأس في الرأس.


 

  • 1
  • 0
  • 2,528

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً