هل ستُنتَزع (أبيي) من السودان أيضاً؟
لم يختلف عِداء وكيد الغرب للإسلام والمسلمين بين القديم والحديث، فالإسلام كان وما زال على رأس قائمة أعداء الغرب سِراً وعلانية، ليصبح بعد القضاء على الشيوعية السوفيتية العدو الأول وربما الأوحد، وإنما الذي اختلف هو جرأة ووقاحة هذا العِداء والهجوم في الوقت الراهن، الذي وصل إلى درجة الاستخفاف والاستهانة غير المسبوقة بجميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية منها والانسانية، في سبيل إضعاف المسلمين ومحاولة القضاء على الإسلام نهائياً إن استطاعوا.
لم يختلف عِداء وكيد الغرب للإسلام والمسلمين بين القديم والحديث، فالإسلام كان وما زال على رأس قائمة أعداء الغرب سِراً وعلانية، ليصبح بعد القضاء على الشيوعية السوفيتية العدو الأول وربما الأوحد، وإنما الذي اختلف هو جرأة ووقاحة هذا العِداء والهجوم في الوقت الراهن، الذي وصل إلى درجة الاستخفاف والاستهانة غير المسبوقة بجميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية منها والانسانية، في سبيل إضعاف المسلمين ومحاولة القضاء على الإسلام نهائياً إن استطاعوا.
وفي سبيل هذا الهدف المنشود للغرب كانت اتفاقية سايكس بيكو التي مزّقت الخلافة العثمانية إلى دويلات ودول بينها حدود مصطنعة، لتأتي الخطوة الثانية في القرن الحادي والعشرين لتفتيت المفتت وتمزيق الممزّق، وذلك من خلال تأجيج الخلافات المذهبية والطائفية والعرقية في الدول العربية، والتي تعمل عملها في الوقت الحاضر في أكثر من بلدٍ عربي وإسلامي.
ولم تكن السودان بمنأى عن سهام الغرب المسمومة هذه، فرغم تقسيم السودان من خلال انفصال جنوبه عن شماله رسميا في بداية 2011م، بعد إجراء استفتاء شعبي ضمن الغرب نتائجه مسبقاً، يحاول الغرب اليوم من خلال عملائه وأدواته في المنطقة (جنوب السوان والفصائل المسلحة في منطقة أبيي وغيرها) استنساخ تجربة انفصال جنوب السودان عن شماله في منطقة أبيي المتنازع عليها، والتي تُعتبَر من أغنى المناطق بالنفط والغاز الطبيعي والثروات المعدنية ومصادر المياه.
ورغم اتفاق السلام الشامل الذي وقع في (نيفاشا) بكينيا عام 2004م بين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان؛ إلا أن المواجهات الدامية في منطقة أبيي دفعت الفرقاء لتوقيع بروتوكول أبيي في يونيو 2008م بالخرطوم، والذي نص على وقف القتال وعودة النازحين وتعيين رئيساً إدارياً للمنطقة من الحركة الشعبية ونائباً له من الخرطوم، واللجوء إلى هيئات التحكيم المهنية عند الاختلاف.
ومع كون الاتفاق كان مجحفاً بحق المسلمين في منطقة أبيي؛ حيث من المعلوم أن التركيبة السكانية هناك تتوزّع بين قبائل المسيرية ذات الأصول العربية المسلمة والأغلبية العددية هناك، وقبيلة دينكا نقوك بعشائرها التسع والتي تدين بالوثنية أو المسيحية، وهم أقل عدداً من المسيرية العرب بكثير، ومع ذلك أسندت رئاسة أبيي الإدارية المؤقتة إليهم.
بل إن قبائل المسيرية العرب هم الأقدم في هذه المنطقة، حيث يعود تاريخ قدومهم لها إلى القرن السابع عشر، بينما جاءت عشائر دينكا نقوك في القرن التاسع عشر، والدليل على ذلك تعريف منطقة أبيي من قبل محكمة التحكيم الدولية في لاهاي بأنّها: المنطقة التي تمّ تحويلها من جانب واحد من قبل الإدارة الاستعمارية الإنكليزية عام 1905م من الجنوب إلى الشمال، حيث أحيلت فيه مشيخات دينكا نقوك التسع إلى إقليم كردفان، مما يُعتبَر وثيقةً تؤكد تبعية أبيي للشمال، وأن عشائر دينكا نقوك التسعة الذين حولتهم الإدارة البريطانية في عام 1905م من مديرية بحر الغزال في الجنوب إلى مديرية كردفان في الشمال، إلا أن الانحياز واضح لصالح الأقلية في مواجهة الأكثرية.
وبعد هذا العرض السريع لمجمل أزمة أبيي يمكن فهم الخطوة الاستفزازية التي قامت بها عشائر دينكا نقوك بالأمس، حيث فاجأت عشائر دينكا نقوك الجميع بإعلانها الشروع في إجراء استفتاء شعبي أحادي الجانب لمنطقة أبيي لتحديد تبعيتها للجنوب أو البقاء في السودان، بمشاركة أكثر من 100 ألف مواطن سجلوا للتصويت على خياري البقاء في السودان أو الانضمام إلى جنوب السودان.
ورغم قرارات الاتحاد الأفريقي المعضدة من مجلس الأمن الدولي بعدم إجراء أي استفتاء في أبيي من طرفٍ واحد قبل اتفاق دولتي السودان عليه، ورغم كون الخطوة تخالف بروتوكول أبيي واتفاق السلام الشامل وما أقرّه البرلمان المشترك بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني قبل انفصال الإقليم الجنوبي عام 2011م بضرورة الاتفاق على صيغة محددة لتحقيق تطلعات شعب المنطقة، إلا أن ذلك لم يمنع قادة قبيلة دينكا نقوك -بضوء أخضر من جنوب السودان الماولي والمدعوم غربياً- من اتخاذ هكذا خطوة استفزازية.
ومع تظاهر حكومة جنوب السودان بالتزامها بقرارات الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن في هذا الجانب، وتأكيدها عدم إجرائها أي استفتاء يخالف المتفق عليه دولياً؛ إلا أن الحقيقة تؤكد عكس ذلك تماماً، فهناك الكثير من الأدلة التي توحي بوجود تحالف وتآمر غربي مع جنوب السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان على ضم السودان للجنوب وانتزاعه من السودان ومن ذلك:
1- إصدار رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت قراراً جمهورياً يمنح بموجبه العاملين في الدولة من أبناء منطقة أبيي إجازة مفتوحة، وذلك حتى يتمكنوا من العودة الطوعية إلى مناطقهم والعمل على التحضيرات اللازمة لإجراء الاستفتاء.
2- استغلال قادة دينكا نقوك تحرُّك عدد كبير من المسيرية في تنقلهم الموسمي للبدء في حملة تسجيل للمنتمين إلى قبيلة دينكا نقوك بعشائرها المختلفة، لإجراء الاستفتاء في المنطقة بما يضمن حصولهم على النتيجة التي يرغبونها.
3- رفض جنوب السودان لعبارة البروتوكول التي تنص على أن من يحق له التصويت هم عشائر الدينكا نقوك والسودانيين الآخرين المقيمين في المنطقة -المسيرية- حيث تصر حكومة جنوب السودان على أن "السودانيين المقيمين" لا تشمل قبيلة المسيرية الرحل التي تقيم في المنطقة لمدة تترواح بين بضع شهور إلى عشرة، بينما الحقيقة أن عدد أبناء القبيلة يفوق دينكا نقوك كثيراً، مما يعني أن نتيجة الاستفتاء ستكون لبقاء المنطقة في الشمال إن وافقت جنوب السودان على نص البروتوكول.
4- موافقة ومطابقة خطة اللجنة الإفريقية الأخيرة التي نظرت في المشكلة بناء على قرار مجلس الأمن 2046 لتفسير حكومة الجنوب في شرط الإقامة الدائمة لمن يحق له التصويت في الاستفتاء، وقد تبنى مجلس السلم والأمن الإفريقي الخطة بالإجماع، و الذي تم بموافقة ومباركة أمريكية وترحيب من حكومة الجنوب بالطبع.
ورغم أن الغرب يسعى من خلال دفعه لمجموعة متنفذة تابعة له من أبناء عشائر الدينكا نقوك للقيام بمثل هذه الخطوة الأحادية لتأجيج أجواء الحرب والاقتتال من جديد بين العرب والأفارقة، وذلك بهدف المزيد من تقسيم وتفتيت السودان، إلا أن بعض المتابعين يتوقعون نجاح زيارة الرئيس البشير غدا الثلاثاء لجوبا في اتخاذ الأخيرة قراراً بوقف ما تقوم به بعض قيادات قبيلة دينكا نقوك.
فهل سينجح البشير في إيقاف خطوة قد تؤدي إلى عودة القتال خاصة بعد تهديد قبيلة المسيرية باجتياح مدينة أبيي إذا قامت عشائر دينكا نقوك بضم المدينة إلى جنوب السودان؟!
أم أن المؤامرة والمخطط أكبر من أن يوقفه البشير خاصة مع ضعف العرب والمسلمين وعجزهم عن مواجهة أمثال هذه المؤامرات المكشوفة في ظل أخطائهم المتراكمة عبر السنين ومن أبرزها تفرقهم وعدم توحدهم؟!
عامر الهوشان
- التصنيف:
- المصدر: