بين الغيثية والغثائية أنت بالخيارأين تكون؟

منذ 2013-11-04

أصبح عمل الخير والإحسان إلى الخلق سجية للمسلم غير متكلَّفة وإنما يفعلها بطبعه راجياً ثواب ربه ولا يريد من أحدٍ جزاءً ولا شكوراً


ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثلُ أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره» (صحّحه الألباني بمجموع طرقه)، فالخير في هذه الأمة لا ينقطع ولا ينتهي حتى يأذن الله بأمره؛ والمؤمن كالغيث أينما حل نفع، لأن لديه دافعية ذاتية نحو فعل الخير للناس، اكتسبها من التوجيهات الربانية في نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية، حتى ثبت عن غير واحد من السلف قوله: "وددتُ أن جسمي يُقرَض بالمقاريض وأن أحداً لم يعصِ الله جل وعلا".

وأصبح عمل الخير والإحسان إلى الخلق سجية للمسلم غير متكلَّفة وإنما يفعلها بطبعه راجياً ثواب ربه ولا يريد من أحدٍ جزاءً ولا شكورا، «والمؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولايؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس» (حسّنه الألباني)، وأفضل أنواع النفع للناس هو دلالاتهم على الله وإرشادهم إلى طريق الهدى، وتعليمهم السنة وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

تأمَّل معي الغيثية في أجلى وأبهى صورها حينما تمارسها وتؤديها على أكمل وجه وهذا الحديث بين عينيك: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عزو جل سرور تُدخِله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دَيناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهراً، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى، ومن مشى مع أخيه في حاجة يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام» (حسنه الألباني).

فبادر -أخي- واحجز مقعداً مؤكَداً في ركب الغيثيين، الذين يبحثون عن الخير مظانه، العالية هِممهم، السامية أهدافهم، الذين هم أجدر الناس بقول القائل:

شباب لم تحطمه الليالي *** ولم يسلم إلى الخصم العرينا
ولم تشهدهم الأقداح يوماً *** وقد ملأوا نواديهم مجونا

 

فما عرفوا الخلاعة في بنات *** ولا عرفوا التأنث في بنينا
وإن جنّ المساء فلا تراهم *** من الإخباتِ إلا ساجدينا
هموا وردوا الحِياض مباركاتٍ *** فسالت عندهم ماء معينا


واياك أن تُقصِّر أو تتأخّر عن القافلة فتكون في ركب الغثائيين الذي ثبت في تصويرهم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله ما الوهن؟ قال: «حُبُّ الدنيا وكراهية الموت» (صحّحه الألباني).

فهؤلاء هم لصوص الطاقات ومبدِّدُوها وسُرَّاق الأوقات ومضيعوها، وقفوا في كل ناحية يَعرِضون بضاعتهم المغشوشة، وعلى كل ناصيةٍ يرفعون رايات العطالة والبطالة، من أجابهم إليها قذفوه في أودية الهلاك والبوار والخسران فاحذرهم واحذر مسالكهم:
 

شبابٌ خُنّعٌ لا خيرَ فيهم *** وبُورِكَ في الشبابِ الطامحينا

عبد الله بن محمد الشهراني

أستاذ الحديث بجامعة الملك خالد، ومدير المكتب التعاوني بأبها. توفي رحمه الله في حادث مروري الجمعة 28-12-1434هـ الموافق 1-11-2013م .

  • 1
  • 0
  • 2,671

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً