المقاييس والمواصفات العمرية للرجال

منذ 2013-11-04

في تصوري أن أي مشروع دعوي أو خيري يراد له النجاح فلابد بعد توفيق الله للقائمين عليه من أن ينظروا بعد الإخلاص والتجرد في عوامل كثيرة أهمها أربعة...


في تصوري أن أي مشروع دعوي أو خيري يُراد له النجاح؛ فلابد بعد توفيق الله للقائمين عليه من أن ينظروا بعد الإخلاص والتجرُّد في عوامل كثيرة أهمها أربعة:

1- الأفكار: وكلما كانت أفكارًا إبداعية ومتجددة كانت أكثر نجاحًا وتحقيقًا للأهداف وجذبًا للفئات المستهدفة. والأفكار اليوم لم تعد حكرًا على أحد؛ بل ولله الحمد صارت تُوزَّع على قارعة الطريق عبر وسائل التواصل المختلفة.

2- المال: ولا شك أنه عصب الحياة لكل مشروع ولكن الإبداع والجودة في التخطيط والتنفيذ تجلب بإذن الله رؤوس الأموال وأربابها والقائمين عليها.

3- النظام: وأقصد به لوائح المشروع وأنظمته وخططه المختلفة، وكلما كانت أكثر إحكامًا كانت أكثر تحقيقًا للأهداف بأقل الجهود وأقل التكاليف وأعظم النتائج.

4- الرجال... ثم الرجال... ثم الرجال.

وهو أهم هذه العوامل على الإطلاق، وهو حجر الزاوية في كل مشروع، وهو يُمثِّل أزمة تاريخية لا يعرفها إلا من ولّي عملًا أو قام على مشروع، والذي يتصور أنه يمكن أن يكون هناك اكتفاء من الرجال الذين يسدون جميع الثغرات المفتوحة فقد أسرف في الخيال، ولكن من ظفر بواحد منهم فقد ظفر بكنز عظيم فلا يُفرِّط فيه فأعجز الناس من فرط في كسب الرجال وأعجز منه من ضيّع الذين ظفر بهم.


وإذا أردت أن تعرف المعاناة من فقد أو ضعف هذا العامل فلتتأمَّل قصة عمر رضي الله بن الخطاب عنه حينما قال لبعض أصحابه: "تمنُّوا"، فأطلق كل واحد منهم أمنيته من خلال معاناته، فقال أحدهم: "أتمنى ملء هذا البيت دراهم ودنانير فأنفقها في سبيل الله"، وقال الآخر: "أتمنى ملء هذا البيت ذهبًا وفضة -وفي رواية: جواهر- فأنفقها في سبيل الله"، أما عمر رضي الله عنه الذي كان على رأس الهرم ويحكم إمبراطورية تعدل ما يوازي (١٠) من الدول المعاصرة، ويشعر بثِقل الأمانة وقلة من ينهض بها من الأقوياء الأمناء، ويرى بعينيه جلد الفاجر وعجز الثقة فأطلق العنان للسانه يتمنى فقال رضي الله عنه: "أما أنا فأتمنى ملء هذا البيت رجالًا مثل أبي عبيدة -وزاد في رواية: معاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان- فأستعملهم في سبيل الله" رضي الله عنهم.

والسؤال هنا: على أي أساس اختار عمر رضي الله عنه هؤلاء الثلاثة؟ وما مِقياسه في ذلك؟

والروايات الواردة تُبيّن أن عمر رضي الله عنه استعمل مقياسين للرجال الذين يتمناهم ويريد استعمالهم في أعمالهم:

الأول: قيل لعمر رضي الله عنه: "لم هؤلاء؟" فأخذ مالًا ثم قسَّمه بين الثلاثة وأرسله إليهم، فما أدخله أحد منهم بيته؛ وإنما قسّمه فيمن حوله فقال: "ألم أقل لكم؟" أو كلمة نحوها.

الثاني: تقول الروايات: وكان عمر رضي الله عنه قد استعمل حذيفة رضي الله عنه على المدائن -أي أرسله أميرًا عليها- ثم كتب إليه يطلب قدومه عليه، فلما قَدِم إلى المدينة وعلم عمر بقدومه خرج وكمن -أي اختبأ- له لينظر بِمَ سيرجع، فلما رآه رجع كيوم خرج -أي من المدينة- خرج إليه واعتنقه وقال: "أنت أخي وأنا أخوك".

مقياسان عمريان رائعان لمعرفة الرجال الحقيقيين (حب المال - حب الجاه والشرف والتصدر)، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ» (رواه الترمذي، وأحمد، والنسائي، وابن حبان، والبيهقي).

 

عبد الله بن محمد الشهراني

أستاذ الحديث بجامعة الملك خالد، ومدير المكتب التعاوني بأبها. توفي رحمه الله في حادث مروري الجمعة 28-12-1434هـ الموافق 1-11-2013م .

  • 5
  • 0
  • 3,421

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً