النزاع بين الأزواج
إن الإنسان حين يضع قطعة أثاث جديدة في المنزل، فإنه قد يرتطم بها عدة مرات قبل أن يتعلم أن يتجنبها كلما مر بها، ولكن الكثير من الأزواج قد لا يتعلمون من أخطاء الحوار والتخاطب بينهم، ونراهم يعيدون الخطأ يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع، ويحاول كل منهما الانتصار لموقفه، والجدال مع الآخر.
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
يبدأ الزواج وكأنه حلمًا رائعًا وبعاطفة قوية تجمعهما... ثم تتغير الأوضاع وتتلون الحياة بمختلف ألوان الأحداث والمحن والآلام والمتاعب. وتمضي وكأنها قطار سريع جدًا، ولاهث جدًا، لا يتوقف عند محطات التواصل والتفاهم، وإنما غالبًا ما يتوقف عند محطات المحاسبة والشقاق... ثم يتوقف طويلا في محطات الألم.. فقد أصبحت العلاقة الزوجية بين شخصين متعارضين، ومن ثم لا بد من الصراع، فلا يمكن أن يقف اثنين في نفس البقعة دون أن يقف أحدهما على قدم الآخر، وما لم يتنح أحدهما قليلًا.. وما لم يتحمل الآخر فسيبقى الصراع الذي يتحصن فيه كل طرف من الآخر وراء (ستار حريري) من احتقاره، والميل الدائم لانتقاده والحرص المستمر على الدفاع عن ذاته.
متى يبدأ التصادم؟
كلنا نأكل وننام ونشرب ونعمل ونضحك، بل نحن نضحك على نفس الأمور ولكن نحن نفعل ذلك بطرق مختلفة ومن هنا تتضارب الاحتياجات والأشياء المفضلة المختلفة لكل فرد عن الآخر، ويكون الاختلاف أمرًا طبيعيًا، بل ومتوقعًا لأن لكل من الزوجين في حياته الأولى أنماط سلوكية وعادات ومفاهيم ومزاج خاص فضلاً عن الثقافة وتأثير البيئة.
ولذلك فإن كلا الزوجين يحتاج إلى أن يبذل جهدًا غير قليل، بل غير متوقف في سبيل التكيف الزوجي أي: أن يقارب بين ذاته وشريك حياته فكريًا ووجدانيًا، كما يقارب بينهما جسميا وحسيا؛ ذلك أنه: [عندما يلتقي الزوجان في بيت واحد بعد تنشئة أدت إلى أن يكون لكل منهما عالم مختلف، يبدأ التصادم، ذلك التصادم الذي يرجع أيضا إلى التوقعات المختلفة للدور الذي ينتظره كل منهما من الآخر، فإذا نشأ الزوج على أن الزوجة هي مجرد وظيفة لتحضير المأكل والملبس، ونشأت الزوجة بمطالب أخرى، فالتصادم أمر ضمني في هذا الزواج، والعلاقة الحميمة هي العلاقة الوحيدة في عالم الحياة التي نجد فيها خليتين تلتحمان دون أن تلتهم أي منهما الأخرى، بل على العكس تزداد حجما وتكاثرا، لتعكس الحب بأسمى معانيه في ذوبان الذات والأنا في الأنا الأخرى دون اعتداء أو تنازل من أى من الطرفين..] (د. محمد شعلان، من مقال بجريدة الاهرام).
[وبغض النظر عن مدى ما تتمتع به علاقتك الزوجية من صفات جيدة وصادقة وعطوفة ورائعة أو ما ستصبح عليه، فمن الواضح أنك سوف تصادف قدرا من التضارب والخلافات، حيث إن لدى كل زوجين أمورًا ومواضيع عارضة يجب عليهما أن يتوصلا إلى حل بشأنها، لأنها تبدأ في التراكم داخل علاقتهما..] (لا تهتم بصغائر الامور في العلاقات الزوجية- د/ريتشارد كارلسون، وكريستين كارلسون- ص 149، بتصرف يسير).
كيف نتصرف في حالة النزاع؟
إن كتب علم النفس تقرر أن التصرف الطبيعي أمام حالة النزاع إما الانسحاب والهروب، وإما الصراع والهجوم (flight-fight).
1. حالة الصراع:
زكريا وثريا زوجان منذ خمس سنوات، وكلما دار بينهما خلاف فإن زكريا يكون أكثر حزمًا، بينما تميل ثريا إلى التراجع وترك الساحة معتذرة بأن الحياة لا تتسع للقتال والنزاع، وأن الانسحاب أسلم، إلا أن زكريا قد تغير بعض الشيء في الآونة الأخيرة بسبب كثرة الخلافات بينهما، ففي الأسبوع الماضي وعندما رأى زوجته قد دعت بعض الضيوف من دون أن تشاوره في الأمر دار بينهما الحوار التالي:
زكريا: لماذا فعلت هذا؟
ثريا (في حالة دفاع): ولماذا أنك دومًا لا تشاورني في الأمور إنك دعوت صديقك إلى العشاء الجمعة الماضية من غير أن تسألني، ثم ذهبت معه وتركتني وحدي مع الأولاد.
زكريا: انتظري دقيقة إنني...
ثريا: لا تقاطعني في الكلام.
زكريا: إنك تضطريني لمقاطعتك لأنك دوما تكثرين من الكلام.
ثريا: لا أدري متى ستنضج إنك كالولد الكبير.
زكريا: وأنت كوالدتك تمامًا.
ثريا: وما هو العيب في والدتي؟
زكريا: إنها دومًا تحاول فرض رأيها على الآخرين وأنتِ تفعلين مثلها.
ثريا: فإذن هذا ما تظنه عن أمي، الآن ظهرت الحقيقة إنني لن أبقى في هذا المكان أبدًا.
زكريا ببرود أعصاب: إنك تعلمين أين الباب وأين الطريق، وأنا لن أمنعك.
ثريا (خارجة من المطبخ بغضب): لا أريد أن أراك ثانية!!
كيف نختلف أو نتجادل؟
ليس مستغربًا أن نرى زكريا وثريا يختلفان كثيرًا، فرفض كل منهما للاعتراف بالفروق الفردية وعدم استعداده للإقرار باختلاف وجهات النظر من الأمور الشائعة في العلاقات الزوجية.. ولكن هذا لا يعني قبول الخلافات الكثيرة، فهذه الخلافات الكثيرة أمر غير صحي، بل ومخرب للعلاقة بينهما.. ومن ثم لا بد أن يتعلم كلاهما كيف يختلف مع الآخر.
إن الإنسان حين يضع قطعة أثاث جديدة في المنزل، فإنه قد يرتطم بها عدة مرات قبل أن يتعلم أن يتجنبها كلما مر بها، ولكن الكثير من الأزواج قد لا يتعلمون من أخطاء الحوار والتخاطب بينهم، ونراهم يعيدون الخطأ يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع، ويحاول كل منهما الانتصار لموقفه، والجدال مع الآخر، وربما جرحه مرة بعد أخرى وبدل أن يتعلم فإنه يصبح أكثر سلبية وربما ارتفع الصوت أكثر وكثرت العبارات الجارحة، وبدل أن يجلس الزوجان للحديث عن الصعوبات والمشكلات، يلجأ الواحد منهما -كما توحي إليه أجهزة الإعلام- إلى ردود الأفعال والجدال بدون تفكير فيما يقول أو يفعل، ويحاول كل طرف أن يلجأ لأقصر الطرق للانتقام والانتصار، فإذا به يلجأ إلى الكلمات والعبارات التي يعرف يقينا من مواقف سابقة أنها ستزعج الآخر وتؤلمه.
أم عبد الرحمن محمد يوسف