مرور الأيام؛ ووقفة محاسبة
التذكير بمرور الأيام، وماذا عملنا فيها، وليس المقصود التذكير ببداية العام ذاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الغرض من الخطبة:
التذكير بمرور الأيام، وماذا عملنا فيها، وليس المقصود التذكير ببداية العام ذاته.
1- أيام تمر... وأجل يقترب:
- روى الحسن عن أبي الدرداء قال: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك".
- وقال بعض السلف: "كيف يفرح بمرور الأعوام مَن يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟! كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله، وحياته إلى موته؟!".
- عام مضى سريعًا، وهكذا الدنيا: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ . قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ . قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:112-114].
- قصيرة العمر كالزهور: قال الله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:131].
2- عام مضى فماذا عملتَ فيه؟
- أمهلنا الله تعالى فيه عمرًا لنعمل الصالحات: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37].
- مضى بحسناته وسيئاته: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الألباني). »، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: « » (رواه أحمد والترمذي، وصححه
- عمل صالح في الحياة الطارئة ينفع في الحياة الحقيقية: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى . يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:23-24].
- أعمال بالخير والشر نسينا كثيرًا منها، لا تُنسى عند الله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:30].
- لن ينفع الندم بعد فوات العمر ومرور الأعوام: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49].
3- من أحوال الصالحين مع العمر:
- كانوا يخافون أطول يوم يمر بهم، فاغتنَموا الأيام القصيرة: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان:10].
- كانوا يخافون اليوم الذي يُكرم فيه المرء أو يهان: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران من الآية:106].
- كانوا يعملون ويتعبون في الأيام القصيرة؛ طلبًا للكرامة في الأيام الطويلة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24].
- اغتنموا أيامهم وصحتهم قبل أن يُسألوا عنها: «البخاري). » (رواه
أمثلة:
- قيل لسفيان الثوري: "اجلس معنا نتحدث"، فقال: "كيف والنهار يعمل عمله؟!".
- وقيل لكرز بن وبرة: "ألا تجلس معنا؟"، قال: "احبسوا الشمس لأجلس معكم!".
- وقيل: إن نوحًا عليه السلام لما حضرته الوفاة، قيل له: "كيف وجدت الحياة؟"، قال: "والذي نفسي بيده ما وجدتُ الحياة إلا كبيتٍ له بابان: دخلت من هذا، وخرجت من الآخر!".
4- من ندم المفرطين حين حضرهم الموت:
- وقف عبد الملك بن مروان ينظر من شرفة قصره، فرأى غسالاً في الوادي يغسل الثياب، وهو ينشد سعيدًا، فلما حضرته الوفاة تذكر الغسال، وقال: "يا ليتني كنت غسالاً... يا ليتني ما عرفت الخلافة... يا ليتني ما توليت الملك!".
- ولما حضرت الوفاة الوليد بن عبد الملك نزل مِن على فراشه، وجعل يمرغ وجهه في التراب، ويقول: "ما أغني عني ماليه، هلك عني سلطاني!".
- وأما هارون الرشيد الذي دانت له الدنيا، لما أكمل بناء قصره قبل موته بأيام وحضرته الوفاة، جعل يتلفت إلى القصر والحرس والأمراء والوزراء، ورفع بصره إلى السماء قائلاً: "يا مَن لا يزول ملكه، ارحم مَن زال ملكه".
5- أقسام الناس في عام مضى وانقسامهم في الأعمال:
طبقات الناس: "العلماء، الأمرا، عموم الناس: شبابًا، وشيوخًا".
فأما العلماء:
- فقسم خاف الله في علمه ودعوته: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ} [الأحزاب من الآية:39].
- وقسم اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلاً: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة:159].
وأما الأمراء:
- فقسم خاف الله يوم العرض الأكبر فأقام أمر الله في رعيته: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41].
- وقسم خان وغش الرعية: قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البيهقي، وصححه الألباني).
وأما عموم الناس:
فالشباب: قسم خاف الله وقضى عامه ينافس على الطاعات: « » (رواه البخاري ومسلم).
وقسم نسوا الله وضيعوا أوقاتهم في معصية الله: « » (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وأما الشيوخ:
فقسم يستعد للقاء الله: كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يصوم في الحر، يقال له: "أنتَ شيخ كبير"، فيقول: "إني أعده ليوم طويل".
- وقسم نسي الله وغفل عن الموت: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37].
نسأل الله أن يحسن خاتمتنا في الأمور كلها.
سعيد محمود
- التصنيف:
- المصدر: