دلالات مهمة لصفقة الكيماوي
لم تكن الضربة العسكرية في جوهرها سوى استجابة لمصلحة إسرائيلية، تتمثل في التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية التي تشكل ميزان ردع، وإن من الناحية النظرية، والسبب ليس الخوف من استخدام النظام لها، ولكن الخوف من وقوعها بيد (جماعات لا يمكن السيطرة عليها)، كما يردد الصهاينة دائماً.
لم تكن الضربة العسكرية في جوهرها سوى استجابة لمصلحة إسرائيلية، تتمثل في التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية التي تشكل ميزان ردع، وإن من الناحية النظرية، والسبب ليس الخوف من استخدام النظام لها، ولكن الخوف من وقوعها بيد (جماعات لا يمكن السيطرة عليها)، كما يردد الصهاينة دائماً.
صحيح أن ثمة بُعد لا يخفى، يتمثل في حاجة أوباما إلى ترميم صورته المهزوزة بعدما وضع خطوطاً حمراء تخطاها النظام السوري مراراً، مع الحفاظ على الحد الأدنى من هيبة الولايات المتحدة التي واصلت التآكل في العراق وأفغانستان، لكن ذلك لم يكن ليشكل وحده سبباً للتدخل في ظل رفض شعبي أميركي مرده الخوف من مستنقع جديد في الشرق الأوسط.
اتفاق الكيماوي جاء ليؤكد أن الهدف لم يكن معاقبة النظام على ارتكابه جريمة الغوطة الشرقية، وإنما التخلص من السلاح الكيماوي، بدليل أن تاريخ العقوبات لا يقول بتسليم المجرم لسلاح الجريمة مقابل العفو عنه.
كل ذلك لا يخفي أننا إزاء صفقة ذات دلالة مهمة على أكثر من صعيد، إضافة إلى تلبيتها للشرط الإسرائيلي المتمثل في التخلص من الأسلحة الكيماوية، فهي ابتداءً أكدت أن الحضور الشرق أوسطي للولايات المتحدة آخذ في التآكل من الناحية العملية، ليس فقط بسبب استنزافها في العراق وأفغانستان، بل أيضاً لأنها قررت الذهاب نحو حوض الباسفيك ومواجهة تحديات الصعود الصيني، ولولا الحرص على أمن الكيان الصهيوني الذي يسيطر رجاله على توجهات الكونجرس بصورة كبيرة، لكان الانسحاب من المنطقة أكثر وضوحاً.
على أن الأمر لا يتوقف عند الشرق الأوسط، فقد قدم اتفاق الكيماوي دليلاً جديداً على الصعود الروسي في المشهد الدولي، وعلى ملامح التعددية القطبية التي أخذت تتضح لكل المراقبين، وللمفارقة فإن الكيان الصهيوني ليس غافلا أبداً عن هذا التطور، فقد مد منظومة علاقاته مع القوى الصاعدة وفي مقدمتها الصين وروسيا، حتى أن نتنياهو لم يلتفت لتحذيرات واشنطن حين عقد صفقة أسلحة مع الصين، فيما ثبت علاقات جيدة جداً مع موسكو أدت إلى استجابة بوتن لمطلبه بوقف صفقة صواريخ أس 300 لسوريا وإيران.
الدلالة الأخرى تتعلق بمستقبل بشار الأسد نفسه، فقد بات واضحاً أن الصهاينة قد استقر موقفهم على دعم بقاء النظام، وبالطبع بعد أن أصبح ضعيفاً منهكاً، فضلاً عن خسارته للسلاح الكيماوي، من دون أن يعني ذلك وقف تبنيهم لسياسة الاستنزاف القائمة حالياً نظراً لكونها تستنزف جميع خصومها، من إيران إلى تركيا إلى حزب الله وربيع العرب، لكنها في النهاية ستفضل بشار على أية خيارات أخرى غير مضمونة، في ذات الوقت الذي تأمل في تطوير الصفقة الخاصة بالكيماوي لتصل المشروع النووي الإيراني الذي بدأت ملامح طبخته تتضح شيئاً فشيئاً، ويبدو أن بقاء بشار سيكون جزءاً من الصفقة، وبالطبع تبعاً لخشية طهران من تداعيات سقوطه على نفوذها في العراق ولبنان، وهو نفوذ لا يعني تل أبيب، ليس لأنه يعزز حالة الحشد بين السنة والشيعة، بل أيضاً لأن حزب الله لم يعد يشكل خطراً بعد أن انتهى حزباً شيعياً معزولاً، وبعد أن قبل بصفقة ما بعد حرب تموز والتزم بها تماماً.
لا يعني ذلك أن الغرب لن يدعم حلاً سياسياً في سوريا، لكنه حل لن يقصي بشار، وستكون عينه مصبوبة على التخلص من القوى الإسلامية التي يتصاعد نفوذها في الثورة السورية، وتحقق تقدماً، ولو بطيئاً قد يفضي إلى نهاية النظام بعد وقت يصعب الجزم بمداه.
لكن الدلالة الأكثر إثارة في اتفاق الكيماوي هي تلك التي تتعلق بما يسمى جبهة المقاومة والممانعة، وهي جبهة بات واضحاً أنها انتهت عمليا بإعلان رسمي، فقد ترك حزب الله المقاومة، وسلم بشار سلاحه الكيماوي، ولن يناكف الكيان الصهيوني بعد ذلك، فيما تتوسل إيران صفقة لإنهاء العقوبات مقابل الكيماوي وبقاء بشار، وحين تعتبر إيران وبشار أن الاتفاق هو نصر للجبهة المذكورة، ويهلل شبيحتهما لذلك، فهو تأكيد على أنها جبهة منتهية، ولولا ذلك لما اعتبرت الاستسلام لشروط العدو نصراً لمجرد بقاء النظام لحسابات أخرى لا صلة لها بالمواجهة مع الكيان الصهيوني.
ما ينبغي قوله ختاماً هو: أن ما يريده كل أولئك ليس قدراً بأي حال من الأحوال، ليس فقط لأن هناك من يرفضون تلك الصفقة ومفرداتها مثل تركيا وبعض العرب، بل أيضاً، لأن هناك شعباً وثورة لم تسلم رغم العزلة التي تعيشها والتآمر الدولي، وبعض العربي عليها، وستنتصر إرادة الشعب السوري مهما طالت الحرب وكثرت التضحيات، حتى لو تحدثنا عن حل سياسي لن يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل الثورة.
ياسر الزعاترة
- التصنيف:
- المصدر: