هيئة الأمر بالمعروف والتصدي لجرائم الابتزاز
لم يكن مستغرباً أن تتجه الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإنشاء وحدة خاصة لمكافحة جرائم ابتزاز الفتيات، وذلك بعد الزيادة الواضحة في أعداد هذه الجريمة خلال الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
لم يكن مستغرباً أن تتجه الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإنشاء وحدة خاصة لمكافحة جرائم ابتزاز الفتيات، وذلك بعد الزيادة الواضحة في أعداد هذه الجريمة خلال الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ.
فلا يكاد يمضي يوم أو يومان حتى تتناقل وسائل الإعلام خبراً مفاده أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ألقت القبض على شخص يحاول ابتزاز فتاة، عبر تهديدها بصور أو تسجيلات ونحو ذلك.
لقد دفع ذلك بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بصفتها إحدى الجهات المخولة بالتعامل مع تلك القضايا، إلى تكليف الإدارة القانونية في الهيئة بتشكيل وحدة خاصة بالابتزاز في العاصمة الرياض، تتولى الإشراف على جميع مكاتب وفروع الهيئة في المملكة.
وقد صحِب الإعلان عن هذا القرار تصريح للرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ قال فيه: "لم أكن أعلم بحقيقة ملف الابتزاز إلا قبل فترة وجيزة، وعلمت أن هناك مئات الاتصالات من نساء يومياً يشكون من عمليات ابتزاز يتعرضن لها".
وتعتبر ظاهرة ابتزاز الفتيات من الظواهر الدخيلة والجديدة على المجتمع السعودي، وعلى الرغم من ذلك فقد أخذت في الانتشار خلال السنوات الأخيرة بشكل يدعو إلى القلق، الأمر الذي دفع العديد من المختصين والمربين إلى التحذير منها والدعوة إلى التصدي لها.
فبحسب ما أكدته إحصاءات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن عدد حالات الابتزاز عام 1430هـ فاقت عدد حالات الابتزاز خلال ثماني سنوات بما يقارب الضعف، هذا إذا ما وضع في الحسبان أن بعض القضايا لا يتم التبليغ عنها بدافع الخوف والرهبة ممن تعرضت لهذه الجريمة.
وبحسب إحصاءات وزارة العدل، فإن المحاكم السعودية تلقت 251 قضية ابتزاز وتهديد خلال نصف العام الحالي، فيما أشارت إحصائية أخرى إلى أن عدد قضايا الابتزاز التي تعرضت لها الفتيات في السعودية يصل لعشرين حالة يومية تختلف خطورتها من بلاغ لآخر مما يعني أن الحالات الشهرية للابتزاز تبلغ ستمائة حالة.
ومما يشير بشكلٍ لافت إلى الزيادة الواضحة في أعداد هذه الجريمة ما ذكره رئيس المحكمة الجزئية في الإحساء في وقتٍ سابق من مطلع هذا العام أن جرائم الابتزاز الإلكتروني احتلت المرتبة الثانية في القضايا الواردة للمحكمة.
ويعرّف المختصون الابتزاز بأنه أسلوب من أساليب الضغط الذي يمارسه المبتز على الضحية مستخدماً أسلوب التشهير بها على أوسع نطاق أو إبلاغ ذوي المرأة حتى يجعلها تقع تحت وطأة ضغوط المبتز ليجبرها على مجاراته وتحقيق رغباته الجسدية أو المادية.
وقد أدرجت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الابتزاز من ضمن القضايا الأخلاقية والتي عرّفتها بأنها الاعتداء على الأعراض قولاً وفعلاً مثل الدعارة والقوادة، الزنا، والخلوة المحرّمة، والاغتصاب، الاختطاف، والشذوذ الجنسي، والمعاكسات، والتحرُّش، وأيضاً ابتزاز النساء.
ويكاد يجمع الأخصائيون والمراقبون أن التقنية الحديثة بوسائلها المتنوعة أسهمت بشكلٍ واضح في تفشي ظاهرة الابتزاز، إلا أن ضعف الوازع الديني لدى الشباب والفتاة وتهاونهم في إقامة العلاقات بينهم يبقى السبب الأبرز وراء هذه الجريمة، ويعضده أسباب أخرى مثل الفراغ العاطفي، والتنشئة الاجتماعية غير الصالحة، وتأخر الزواج.
ومن وجهة نظر مختصين أيضاً فهناك أثر كبير لوسائل الإعلام (السيئة) التي تحرض الشباب والفتيات على التعارف فيما بينهم، وإقامة العلاقات المحرّمة، وكذلك المواقع الإلكترونية، معترفين أن البنات ساذجات ويتم الإيقاع بهن من خلال استغلال عاطفتهن وضعفهن.
كما أن المشاكل الزوجية والحرمان العاطفي و التفكك الأسري والفقر والحاجة الماسة في بعض الأسر السعودية أدت أيضاً إلى المساهمة في انتشار هذه الظاهرة.
فد ذكر إحدى الأخصائيات الاجتماعيات أن كثيراً من الفتيات اللواتي يترددن عليها كن يبحثن عن مصدر عمل فوقعن نتيجة خداع من البعض أدى في النهاية إلى استدراجهن وابتزازهن.
ومع أن المرأة هي ضحية جريمة الابتزاز إلا أنها تكون عادة مساهمة فيها بشكلٍ كبير من خلال تساهلها في إقامة العلاقات ومنح الطرف الآخر فرصة لابتزازها بمنحه صورها أو السماح له بلقائها مما يُسهّل عملية التصوير والتسجيل ومن ثم ابتزازها.
فقد أفادت دراسة حديثة أن 88 % من قضايا الابتزاز تقف خلفها الفتيات، معللة الدراسة ذلك بأنه لو لم تتجاوب المرأة بتسليم الرجل ما يمكنه من ابتزازها به كالصور والفيديو ونحوهما لما تمكّن الرجل من بلوغ مراده، فهي التي استجابت بداية لطب التواصل بينهم ومن ثم إقامة علاقة محرّمة.
لكن مراقبون لا يزالون يؤكدون على الخصوصية التي تميز المجتمع السعودي عن غيره من المجتمعات والتي تنعكس على الكثير من القضايا ومن ضمنها الابتزاز، وهذا ما يُفسِّر أيضاً كثرة بلاغات الابتزاز التي تتلقاها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتباشرها جهات الاختصاص المختلفة.
فهناك عدد لا يستهان به من قضايا الابتزاز في السعودية لا تكون المرأة طرفاً فيها، فقد يحصل المبتز على صور خاصة للمرأة دون علمها فتكون أداة لابتزازها من خلال نشرها على مواقع التواصل وربما كانت المرأة متزوجة وأما لعدد من الأبناء، في حين لا تُشكّل هذه الصور أي قيمة حقيقة للمبتز في بلدٍ آخر.
لكن المشكلة التي لا نبغي إغفالها أو التغاضي عنها أيضاً هي العلاقات المحرّمة بين الطرفين والتي ازدادت في الآونة الأخيرة بزيادة وتنوع وسائل الاتصال وضعف الوازع الديني، مما يُشكّل مورداً هاماً لجريمة الابتزاز، إما لرغبة الفتاة في إنهاء العلاقة بشكلٍ مفاجئ دون إشراك الطرف الآخر، أو لرغبة الطرف الآخر في نيل مراده بطريقة لم يكن ليصل إليه بغير الابتزاز.
لقد حرصت الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مكافحة جريمة الابتزاز وتخليص المجتمع منها بقدر الإمكان. أياً كانت الظروف التي نشأت فيها تلك الجريمة، خاصة وأن هذه القضية تشكل نقطة تماس مع الضرورات الخمس التي أمرت الشريعة بالحفاظ عليها ومن أهمها ضرورتا الحفاظ على المال والعِرض.
فقد خصصت الهيئة خطاً هاتفياً مجانياً، لاستقبال شكاوى الفتيات اللواتي يتعرضن للابتزاز المالي أو الجنسي من الآخرين، بهدف توفير قناة اتصال سرية لتشجيع الفتيات على التواصل مع الجهات المختصة، لحمايتهن من هذه الجريمة.
كما أعلنت الهيئة أيضاً عن قائمة بأرقام الهواتف والجوالات وكذلك البريد الالكتروني والفاكس الذي يمكن من خلاله تلقي بلاغات الابتزاز في مختلف المناطق هذا بالإضافة إلى أنها أتاحت لكل من وقع ضحية الابتزاز التوجه إلى أي من مقار الهيئة وتقديم شكواه مباشرة، خصوصاً أن الهيئة حريصة على السرية التامة للقضية، وتستعين بهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات لتتبع الاتصالات المتعرض لها المبتز.
ولقد حققت هذه الجهود قدراً كبير من الثقة بينها وبين الفتيات اللاتي يتعرضن للابتزاز من خلال التعامل بمبدأ السرية مع هذه القضايا لحفظ سمعة الفتيات، وهذا ما شجع الكثير منهن على عدم الخنوع لأساليب الابتزاز، واللجوء إلى الهيئة للقبض على المبتز، وتقديمه للعدالة.
فهذا العدد الكبير من جرائم الابتزاز، تم الإبلاغ عنها في العامين الأخيرين، يعكس حجم المعاناة التي كانت تعيشها أعداد من الفتيات، قبل أن يثقن أن ثمة جهة يمكن أن تتعامل مع مشكلاتهن بالتفهم والحكمة والستر، فتزيح عن كواهلهن هموم التهديد وغلظة الابتزاز.
ويبقى دورٌ هام على بقية مؤسسات المجتمع لمواجهة هذه الظاهرة، وذلك عن طريق التوعية الدينية والتربية الصالحة للأبناء والبنات والتأكيد على خطورة هذه الجريمة وفداحتها، وتحذير المجتمع عموماً منها، وتوجيه رسائل خاصة للشباب والفتيات تبين فيها الأثر السيئ للعلاقات المحرّمة التي تجرفهم إلى ما لا يُحمد عقباه.
محمد لافي