مفهوم الاستطاعة للحج
اختلف الفقهاء في تحديد المراد بالاستطاعة على رأيين....
اختلف الفقهاء في تحديد المراد بالاستطاعة على رأيين:
الأول: هي ملك الزاد والراحلة، وبه قال الحسن ومجاهد، وسعيد بن جبير، والشافعي، وإسحاق، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، وهو قول سحنون، وابن حبيب من المالكية.
الرأي الثاني: ذهب عكرمة إلى أن الاستطاعة هي الصحة، بينما يرى الإمام مالك: أن الراحلة ليست بشرط لوجوب الحج أصلاً لا ملكاً ولا إباحةً، والشرط هو ملك الزاد، فلو كان صحيح البدن وهو يقدر على المشي يجب عليه الحج، وإن لم يكن ثم راحلة، وقيل: الاستطاعة الزاد والراحلة، وهو قول سحنون، وابن حبيب قال في التوضيح: ودليله أي قول سحنون، وابن حبيب، ما رواه أبو داود والترمذي أنه سئل عن الاستطاعة، فقال: هي الزاد والراحلة.
سبب الخلاف في هذه المسألة:
قال ابن رشد: والسبب في هذا الخلاف: معارضة الأثر الوارد في تفسير الاستطاعة، لعموم لفظها، وذلك أنه ورد أثر عنه عليه الصلاة والسلام أنه سئل ما الاستطاعة؟ فقال: الزاد، والراحلة.
فحمل أبو حنيفة والشافعي ذلك على كل مكلف، وحمله مالك على من لا يستطيع المشي، ولا له قوة على الاكتساب في طريقه، وإنما اعتقد الشافعي هذا الرأي لأن من مذهبه، إذا ورد الكتاب مجملا، فوردت السنة بتفسير ذلك المجمل، أنه ليس ينبغي العدول عن ذلك التفسير.
الرأي الراجح:
يبدو لي أن المراد بالاستطاعة هو ملك الزاد والراحلة، وذلك للآتي:
1- ما روي عن ابن عُمَرَ قال: "قام رَجُلٌ إلى النبي فقال: من الْحَاجُّ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: الشَّعِثُ التَّفِلُ، فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فقال: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قال: الْعَجُّ وَالثَّجُّ، فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فقال: ما السَّبِيلُ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ" (حسنه ابن حجر العسقلاني في تخريج أحاديث المشكاة).
2- ما روي عن ابن عُمَرَ قال: «جاء رَجُلٌ إلى النبي فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما يُوجِبُ الْحَجَّ؟ قال: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» (أخرجه الترمذي، وحسنه).
3 - وروي عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} قال رجل: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة.
4- القياس على الجهاد: بجامع أن كلا منهما عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فاشترط لوجوبها الزاد والراحلة. قال ابن قدامة: ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة، فاشترط لوجوبها الزاد والراحلة كالجهاد. وما ذكروه ليس باستطاعة فإنه شاق، وإن كان عادة، والاعتبار بعموم الأحوال دون خصوصها، كما أن رخص السفر تعم من يشق عليه، ومن لا يشق عليه.
5- ما ذكره ابن رشد بقوله: إذا ورد الكتاب مجملاً، فوردت السنة بتفسير ذلك المجمل، أنه ليس ينبغي العدول عن ذلك التفسير.
والله أعلم.
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
- التصنيف:
- المصدر: