{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}
لقد اقتضتْ حِكمة الباري تبارك وتعالى -ولا رادَّ لحِكمته- أن يجعل قصة الحياة والأحياء على ظهْر هذا الكوكب مِن ذَكَر وأنثى، وجعَل سبحانه لكلٍّ منهما ميلاً فطريًّا للآخر، فإليه يسكُن، وبه يأنس...
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وبه نستعين، ونعوذ بالله مِن الفتن والشرور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله.
وبعد؛
لقد اقتضتْ حِكمة الباري تبارك وتعالى -ولا رادَّ لحِكمته- أن يجعل قصة الحياة والأحياء على ظهْر هذا الكوكب مِن ذَكَر وأنثى، وجعَل سبحانه لكلٍّ منهما ميلاً فطريًّا للآخر، فإليه يسكُن، وبه يأنس؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
ومِن فوائد هذه الحِكمة التي أرادَها الله في الإنسان لفائدتين كما ذكرهما الغزاليُّ في كتابه (الإحياء): "إحداهما: أن يدركَ لذَّتَه الدنيويَّة؛ ليقيسَ لذَّات الآخرة، وهذا لا يكون إلا بلذَّة محسوسة مدرَكة، فإنَّ ما لا يُدرَك بالذوق لا يَعظُم إليه الشوق، وأمَّا الفائدة الثانية: فهي بقاء النَّسْل ودوام الوجود".
وإنَّ تأصيلَ هذه الشَّهْوة وضمان استمرار بقاء النَّسل، لا يكون إلاَّ عن طريق نِظام يسيرُون عليه، حتى يتميَّزوا عن تلك الحيوانات التي تُشبِع غرائزها الفطرية بطرائق عشوائيَّة، همُّها فقط الإشباع لهذه الغريزة بدون تفكيرٍ في كيفية الإشباع، وتتكاثَر بدون تفكير في كيفية التكاثُر.
أمَّا الإنسان السويُّ الذي بقِي على فِطرته ولم تنتكسْ، أو الإنسان الذي حافظ على إنسانيَّته، فهو يتميَّز تمامًا عن تلك الحيوانات، بطريقةٍ وكيفيةٍ على وفق وشرْع الله وعلى منهج يتميَّز به.
لهذا لا يُمكن أن يمارسَ الزواج على وجهِه الصحيح إلاَّ بعدَ فَهمه وإدراك معناه ولَمْس حقيقته، وما يتعلَّق به مِن شروط وحقوق، وواجبات يجب أن يلمَّ بها مَن يريد أن يَسعَدَ بهذه الحياة الزوجيَّة؛ حتى لا يتخبَّط كلٌّ من الزوجين مِن الوقوع في الأخطاء والمحظورات التي نهَى عنها الشَّرع، ولتصحح المفاهيم الخاطِئة عندَ أصحاب الفهم السقيم، وهي في نظَر الشرع صحيحة.
وإنَّ مِن أكثر الأمور التي تتعلَّق بالزواج على وجه الخصوص، وهي أكثرها خطورةً، بعدَ أن يتم الزواج وَفق الشروط الشرعيَّة، وهي حقوق كلٍّ مِن الزوجين لكلٍّ منهما وعلى كلٍّ منهما، التي يغفُل عنها كثيرٌ مِن الأزواج والزَّوجات، فالعلاقة بيْن الزوج وزوجته ليستْ كأيِّ علاقة فلها حقوق وواجبات، مما يتسبَّب في كثيرٍ من المشكلات؛ بسببِ جهلها وإغفالها، مما يتسبَّب عنها أمورٌ تخالف حِكمة الزواج، والتي لربَّما أقلُّها سوء العِشرة وعدَم التفاهُم بيْن الزوجين والتي في نهايتها تَنتهي بالطلاق ممَّا يتسبَّب في ضياع الحقوق وتشرُّد الأُسرة وتفكُّك رِباط العلاقات الاجتماعيَّة.
لهذا لا بدَّ مِن توافُر حقوقٍ لكلٍّ منهما؛ لتقومَ حياة سعيدة قائمة على التقوى والتعاون وتدوم المحبَّة والألفة وحُسن العِشرة، وليدوم الصفاء والنقاء الذي لا تشوبه شائبة، فالعلاقة الزوجيَّة هي علاقة رُوحيَّة معنويَّة أكثر منها علاقة حيوانيَّة بهيميَّة، وهذا ما حضَّ عليه الشرع ووصَّى به؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
محمد فقهاء