الحرية المزعومة
هنا طريقان طريق الله عز وجل، وطريق أعداء الله، فأي السبيلين تسلكين؟ وإرضاء من تريدين، وأيهما تختارين، وأيهما تطلبين، إن كان طريق الله وما أراده لك، فقد رأيتِ ماذا يراد منك، وأي شيء ينتظرك، وإن كانت الطريق الأخرى، فقد رأيتِ عاقبة هذا الطريق، وأخبار من سلك هذا الطريق ونتيجة هذا كله الخسران في الدنيا والآخرة.
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
من الأمور التي تثار اليوم، وعلى مختلف الأصعدة قضايا المرأة ومكانتها في الإسلام، وأن الإسلام دين أقصى المرأة وأزاحها جانباً، وجعلها في مكانة دونية عن الرجل، وما إلى هنالك من الأمور والشبهات، والقضايا التي يثيرها الغرب بين حين وآخر. ويكثر الحديث عن المرأة في الغرب، وفي بلاد المسلمين من أتباع وأذناب الأفكار الغربية كالعلمانيين، والليبراليين، وغيرهم ممن نكص على عقبيه، واتبع ملة الكفر والغرب، وشريعته الباطلة عقلاً.
وهنا سنقف في هذه الأسطر القليلة مع المرأة في قضية ما قرره الشرع المطهر فيما يخص المرأة، وما يروج له الغرب وأذنابهم كذلك فيما يخص المرأة، وسنحاول طرح الفكرة مع المقارنة بواقع الإسلام، وواقع الغرب، فنقول:
ينبغي التنبيه أولاً إلى أن الإسلام أعطى كل فرد على اختلاف جنسه حقه وحريته في أموره كلها، وكلها تندرج تحت الشريعة الإسلامية، إلا ما نص الدليل على حرمته، وهنا يمكننا القول: إن الحرية التي أعطاها الإسلام للأفراد حرية مطلقة من جهة، مقيدة من جهة أخرى، فهي حرية مطلقة في الأمور التي أباحها الشارع الحكيم، وما أكثرها، فللفرد حرية التصرف، والعقود، وسائر المعاملات، والأحوال في شؤون حياته كلها، وهذا ما أقره الشارع الحكيم، ومن هنا تسقط جميع الدعاوى التي ينعق بها المغرضون، وهي مقيدة من جهة انضباطها بالشرع المطهر، وعدم الخروج عن تعاليمه. والمرأة هي جزء مهم في تشكيلة المجتمع، فتشملها ما قرره الشرع المطهر.
عاشت المرأة في الجاهلية، وعبر العصور أحوالاً مختلفة باختلاف الأمم، وكانت مكانتها تتقلب بين إفراط وتفريط، فقد: [كانت المرأة في المجتمع اليوناني في أول عهده محصنة عفيفة لا تغادر البيت، ولا تسهم في الحياة العامة لا بقليل ولا بكثير، وكانت محتقرة حتى سموها رجساً، حتى زواجها كان موكولاً للرجل، وعند الرومان كان رب الأسرة هو المسيطر على الأبناء ذكوراً وإناثاً فكل ما يملكه الأبناء هو ملك للأب، والبنت ليس لها حق التصرف فيما تملك، وهي ليست مؤهلة للتصرف في أي شيء، وعندما فكروا بتعديل القانون قرروا إعطاء البنت حق ملكية ما تكسبه بسبب عملها، وكذلك أعطوها حق بيع نفسها لمن تريد بعد وفاة وليها، وكان عندهم في عقد الزواج صك اسمه حق سيادة الرجل عليها، وتوقع عليه المرأة ويسمى اتفاق السيادة، وعند الهنود لم يكن للمرأة في شريعة (مانو) حق في الاستقلال عن أبيها أو أخيها أو زوجها، ولم يكن لها حق الحياة بعد وفاة زوجها، بل يجب أن تموت يوم موته وأن تحرق معه وهي حية على موقد واحد، وعند اليهود في مرتبة الخادم محرومة من الميراث، وإذا ملكته لعدم وجود إخوة لها يحرم عليها الزواج من عائلة غريبة، وهي عندهم لعنة؛ لأنها أغوت آدم فأخرجته من الجنة، وعند النصارى أن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه، وأعلنوا أنها باب الشيطان وهي سلاح إبليس للفتنة والإغراء. وقد عقد مؤتمر في فرنسا عام 586 للميلاد موضوعه الجواب عن السؤال التالي: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ وأخيراً قرروا أنها خلقت لخدمة الرجل فحسب، والمرأة عند العرب قبل الإسلام كانت مهضومة الحقوق لا ميراث لها، وليس لها أي حق على زوجها، فهو يطلقها متى يشاء ويتزوج من غيرها بلا حدود، وكان العرب في الجاهلية يتشاءمون من ولادة الأنثى حتى وصل الأمر بهم إلى وأد البنات وهن أحياء خشية الفقر والعار] [1].
هذا هو حال المرأة فيما قبل الإسلام، وهذا ما تنطق به كتب التاريخ عن المرأة، واليوم يحاول دعاة تحرير المرأة أن يوصلوا المرأة إلى حال أقرب من هذه الأحوال، إن لم يكن أسوأ، تحت مسمىً لطيف يستميل به قلوب ضعفاء النفوس، ممن لم يتأصلوا في دينهم، هذا المسمى هو حرية المرأة، ولا أدري عن أي حرية يتكلم هؤلاء، وما حالة المرأة اليوم في الغرب وفي بلدان العالم الإسلامي التي تحب التقليد لكل ما يأتي من الغرب أخف من حالة المرأة قبل الإسلام، والواقع خير فهي -وإن كان يزعم الزاعمون أنها تحررت من القيود- قد وقعت في القيد المكين الأشد من سابقه، فقد عادت لتصبح سلعة لا يقصد منها إلا أمور تافهة لا تقدم ولا تؤخر في المجتمع، وليست صاحبة أثر في المجتمع، حتى ضاعت المرأة، وغابت القيم والأخلاق، وحرفت النصوص المقدسة عندهم لأجل أهوائهم.
تقول إحدى الغربيات اللاتي أسلمن بعد إسلامها: "أنا شخصياً لا أعتقد أن المرأة المسماة (محررة) بأنها سعيدة، فالشيء الذي حصلت عليه هو الغرور بأن تعتبر مساوية للرجل فقط؛ إذ ليس لها وقت أو إحساس لتحيا حقيقة أنها زوجة أو أم، وهذا مما يُحزِن؛ لأن الله سبحانه وتعالى خلق المرأة زوجة للرجل وأمّاً لأولاده لتراعي بيت الأسرة والأطفال وحاجات زوجها، ولمَّا لم يتحقق ذلك للمرأة المتحررة فقد ضاع عليها أهم شيء في الحياة، ويوماً مَّا سوف تشعر بهذا، ولكن بعد فوات الأوان! كيف يوجد للمرأة ذرة من الكرامة وهي تريد أن تكون كالرجل؟".
وتقول أخرى: أنا أرى أن النساء في الغرب عشن مراحل (التحرر) واستُعبدن من قِبَلِ أفكار المجتمع الداعية لتحرير المرأة، ولقد ناضل النساء لنيل ما يسمى (حقوق المساواة في أماكن العمل)، وطالبن بالمعاملة بالمثل مساواة بالرجل، ولكن هؤلاء النساء أنفسهن سمعناهن فيما بعد يصرخن مطالبات بحقوق تختلف عن الرجال العاملين، مثل مطالبتهن بإجازات وضع الحمل، وتفريغهن للبقاء في رعاية أطفالهن الرضع، وفي هذا تناقض مع دعوات المساواة، حيث إن الرجال ليس لهم مثل تلك الحقوق، وهناك أمور أخرى مثل ترقيات العمل، فالمرأة عادة لا تمنح مثل تلك الترقيات ما لم تكن مستعدة لتقبل التحرشات المخدشة للعرض من قِبَلِ رؤسائها في العمل، ثم إذا ما نظرنا إلى واقع المرأة العاملة فسنجد مثلاً أن عليها التضحية في مسائل مثل تربية أطفالها والتي تلجئها ظروف العمل في كثير من الأحيان إلى إيكال تلك المهمة إلى مربيات، وقد أثبتت تجربة استخدام المربيات أنها قد تسيء إلى الأطفال، حيث تم ضبط كثير من الحالات التي يعنف فيها الأطفال ويُضربون، بل وكان منها حالات أدت إلى قتل الأطفال"!!
وقد تيقن الغرب وإن غالط فيما يدعيه فساد نهجهم وسفه رأيهم في تحرير المرأة، وغيرها من الدعاوى، واعترف بذلك كثير منهم، ودعوا إلى الفطرة التي فطر الله المرأة عليها من العفاف والطهر، والبعد عن الاختلاط؛ حرصاً منهم على أن يوجدوا مجتمعاً نقياً، وهاكم بعضاً من تلك الاعترافات:
1- تقول (هيليسيان ستانسيري): امنعوا الاختلاط، وقيِّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا، وأمريكا.
2- وتقول (بيرية الفرنسية) وهي تخاطب بنات الإسلام: لا تأخذنَّ من العائلة الأوربية مثالاً لكُنَّ؛ لأن عائلاتها هي أُنموذج رديء لا يصلح مثالاً يحتذى.
3- وتقول الممثلة الشهيرة (مارلين مونرو) التي كتبت قبيل انتحارها نصيحة لبنات جنسها تقول فيها: "احذري المجد، احذري من كل من يخدعك بالأضواء، إني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم أستطع أن أكون أمّاً، إني امرأة أفضل البيت، الحياة العائلية الشريفة على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية"، وتقول في النهاية: "لقد ظلمني كل الناس، وأن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة".
4- وتقول الكاتبة (اللادى كوك) أيضاً: إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، ولا يخفى ما في هذا من البلاء العظيم عن المرأة، فيه أيها الآباء لا يغرونكم بعض دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن في المعامل ونحوها، ومصيرهن إلى ما ذكرنا، فعلموهن الابتعاد عن الرجال، إذا دلنا الإحصاء على أن البلاء الناتج عن الزنا يعظم ويتفاقم حيث يكثر الاختلاط بين الرجال والنساء".
هذه وغيرها شهادات أتت من أوساط المجتمع الغربي، الذي يُعد اليوم عند دعاة تحرير المرأة المجتمع الأمثل في إعطاء المرأة حقوقها، وهذا هو واقع المرأة في تلك البلدان، وهذه نتيجة حتمية لكل من أراد أن يخالف الفطرة التي فطر الله العباد عليها سواء كان ذكراً أو أنثى؛ لأنه سيعيش في تخبط دائم ومستمر؛ لأن الخالق عز وجل هو أعلم بمصلحة العباد، وما فيه نفعهم وما فيه ضرهم، أما من سواه فلا، وهنا عقلاً نعرف أن الحرية التي أرادها لغرب وأذنابهم للمرأة قد سقطت، وتهاوت، ولا ينكر هذا إلا جاحد، ومغالط لنفسه.
إذاً: قد يقول قائل: فأين المرأة في الإسلام؟ وماذا كفل لها الإسلام من الحريات، والحقوق؟
جوابنا على هذا أن نقول:
من خلال الشهادات التي أوردناها أعلاه، وغيرها من الشهادات التي تنطق بها أفواه الغربيين يتضح لنا أن المرأة جوهرة مكنونة، يجب حمايتها، وألا تكن عرضة للامسين لهذه الجوهرة حتى لا يذهب رونقها وبريقها، وكان من فضائل الإسلام على المرأة أن أعاد إليها كرامتها، وحفظها من أن تستذل استذلالاً مقيتاً، وجعلها محفوظة في بيت أبيها لها من الاحترام والعطف عليها والشفقة بها لكونها امرأة، وبعد ذلك نراها مكرمة معززة في بيت زوجها، ولم يقف الإسلام في تكريمه للمرأة عند هذا الحد، بل أمر غير المحارم من الرجال بغض البصر عنها؛ تنزيها لها، وتشريفا لقدرها. إن تعاليم الإسلام لا نستطيع حصرها بالنسبة للحفاظ على الأسرة التي تعتبر المرأة إحدى ركائزها، بل هي الركيزة الأساسية والمهمة لها مكان محترم وتقدير من نوع خاص.
إن الرجوع إلى الفطرة التي فطر الله المرأة عليها سيكسبها كسبين عظيمين: كسب دنيوي، وآخر أخروي، أما الدنيوي، فهي سواء كانت أختاً أو أماً أو بنتاً، أو زوجةً، في مكانة رفيعة، تحظى بكل الرعاية والحب، والاحترام والتقدير في أوساط محيطها التي تعيش فيه، هي صاحبة كلمة مسموعة، ورأي مطاع، ومحل فخر واعتزاز أهلها وذويها بها.
أما الكسب الأخروي فالفوز برضا الله تبارك وتعالى والفلاح الأبدي الذي لا يقابله أي شيء، وهي داخلة في قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [سورة الأحزاب: 35]. فيا نساء الإسلام: {إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [سورة الأحزاب: 29].
هنا طريقان طريق الله عز وجل، وطريق أعداء الله، فأي السبيلين تسلكين؟ وإرضاء من تريدين، وأيهما تختارين، وأيهما تطلبين، إن كان طريق الله وما أراده لك، فقد رأيتِ ماذا يراد منك، وأي شيء ينتظرك، وإن كانت الطريق الأخرى، فقد رأيتِ عاقبة هذا الطريق، وأخبار من سلك هذا الطريق ونتيجة هذا كله الخسران في الدنيا والآخرة.
نسأل الله عز وجل أن يهدينا إلى الخير والصلاح، وأن يردنا إلى دينه مرداً جميلا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً، والحمد لله رب العالمين.
________________
[1] دور المرأة المسلمة بين الأصالة والمعاصرة، ص: 11بتصرف.
محمد أحمد المطاع