الأناقة طريق للقلوب (1/2)
إن الداعية لا ينبغي أن يكون رمزاً للإهمال والفوضى في شكله الظاهر؛ لأنه ليس كل الناس يستقي الدعوة من قوله، فهناك من يستقيها من الهيئة والمظهر العام، لذلك فإن حسن الهيئة والاهتمام بالأناقة الشخصية والمظهر العام طريق إلى قبول قوله ودعوته، لذا فإن إعداد الهيئة لا بد أن يسبق إعداد الكلمات، فلا بد أن يكون منظماً في هيئته وشكله العام؛ لأن من شأن من أتى بالموعظة للناس أن يكون مرتباً في كلماته ومنظماً لها حتى يجد القبول من السامعين.
إن الداعية لا ينبغي أن يكون رمزاً للإهمال والفوضى في شكله الظاهر؛ لأنه ليس كل الناس يستقي الدعوة من قوله، فهناك من يستقيها من الهيئة والمظهر العام، لذلك فإن حسن الهيئة والاهتمام بالأناقة الشخصية والمظهر العام طريق إلى قبول قوله ودعوته، لذا فإن إعداد الهيئة لا بد أن يسبق إعداد الكلمات، فلا بد أن يكون منظماً في هيئته وشكله العام؛ لأن من شأن من أتى بالموعظة للناس أن يكون مرتباً في كلماته ومنظماً لها حتى يجد القبول من السامعين.
ولهذا الموضوع عدة محاور:
أولاً: المقصود بالأناقة الشخصية.
ثانياً: أهمية الأناقة الشخصية وعلاقته بالدعوة.
ثالثاً: ضوابط الأناقة الشخصية.
المحور الأول: المقصود بالأناقة الشخصية
الأناقة مأخوذة من حروف أصلية الهمزة والنون والقاف، يقال: أنق الشيء أنقاً من باب تعب، وشيء أنيق مثل عجيب، وتأنق في عمله أحكمه.
والمراد به هنا هو: المظهر العام الذي يلزمه الشخص.
وكلامي هنا منصب على الأناقة المكتسبة، وهو ما جاء الشرع بطلبه من تحسين الهيئة أو الشكل والنظافة، وسائر الأفعال التي تؤدي إلى التآلف بين الناس، ولا تنفر بعضهم عن بعض.
لذا فإحسان المظهر العام في الملبس والشعر والرائحة والنظافة عندما يحتسبها الداعية إلى الله تعالى ويريد بها رفعة هذا الدين، وتمثيل الإسلام التمثيل التام، وإغاظة الأعداء الذين لا يسرُّهم رؤية المسلمين إلا أذلة، وقد هانت عليهم أنفسهم، وهان عليهم مظهرهم، فإذا قصد هذا القصد فهو مثاب عند الله، داعٍ إلى الله بثوبه ورائحته وحُسن شعره وحُسن مظهره العام، والوسائل لها أحكام المقاصد، فكما أن القصد عالٍ شريف وهو الدعوة إلى الله فكذلك الوسيلة هنا ترتفع لتلحق بالقصد.
وكما أن رثَّ الثياب سيئ المظهر أشعث الشعر يُنفِّر -من حيث لا يشعر- عن هذا الدين؛ لأن من لا يعرف الدين يظن أن من مقتضياته التزام هذه الهيئة، فلا يقربه نفوراً من هذا المظهر.
المحور الثاني: أهمية الأناقة الشخصية وعلاقته بالدعوة
تكتسب هيئة الداعية ومظهره العام أهمية واضحة بين صفات الداعية في أنها رسالة من الداعية إلى كل من يراه، لا سيما وأن ما يتعلّق بأذهان الناس ليس مصدره السمع أو القراءة بل عن طريق المشاهدة أحياناً، فهناك أغلبية من المجتمع تنظر إلى مظهر الداعية وهيئته وقد يتأثر بها ويحكم على دعوته من خلال المظهر العام.
ولا يفوتني في هذا أهمية القدوة، وأنها طريقة من طرق الدعوة، ويحتمل المظهر العام جزءاً رئيساً من الدعوة بالقدوة؛ فمظهر الداعية وسيلة لجذب المدعوين بحيث يألفونه ويصفون إلى دعوته وتظهر أهمية ظهور الداعية بمظهر وهيئة حسنة فيما يلي:
- إن مظهر الداعية هو أول ما يواجِه المدعوين، فأول ما ينطبع في الذهن شكل الداعية، حيث أن هيئة الداعية وجمال مظهره تجذب المدعوين؛ لأن النفوس جُبِلَت على حب الجمال والمظهر الحسن.
- إن كثيراً من المدعوين عندما يُحدِّثهم الداعية عن مخالفات يقعون فيها يُفَتِشون مباشرة في مظهره، وما يمكن أن يكون منه لأمر من أوامر الشرع.
فمثلاً ينظرون إلى لباسه ومظهره العام، ومدى اتباعه لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا أُنوِّه إلى أهمية صِدق الداعية الذي يظهر بوضوح في التزامه التام بتعاليم الإسلام في المظهر العام؛ لأن التزامه بمظهر حسن أدعى إلى قبول قوله.
- إن الاستقامة النفسية تتحقق للداعية كلما ازدادت تمسكاً بالسنة، وفي الهدي النبوي من الكمال والتنظيم في كل شيء ـحتى في المظهرـ ما ينبغي للداعية أن يأخذ منه بحظٍ وافر.
- إن تميُّز الداعية في مظهره أدعى إلى سلامته في أخلاقه وأعماله.
ويقودنا هنا الحديث إلى العلاقة بين الهيئة الظاهرة والهيئة الباطنة؛ حيث إن إهمال الداعية لمظهره بالكلية خطأ، كما أن إعماله حتى يطغى على عمله خطأ أيضاً، وجمال مظهر الداعية ليس مقصوداً لذاته، إذ المظهر ليس غاية يقصدها الداعية حتى تطغيه عن أمور دعوته، وقد ثبت في صحيح مسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح ابن ماجة: [3359]).
لذلك؛ فإن صلاح الباطن له أثره الظاهر على هيئة المرء الظاهرة، والداعية إذ يهتم بصلاح باطنه فإن ذلك طريق إلى تحسين هيئته الظاهرة، فإن للحسنة تأثيراً في مظهر المرء.
قال ابن عباس: "إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئةِ سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق".
قال ابن القيم في (روضة المحبين ونزهة المشتاقين): "الجمال ينقسم إلى قسمين ظاهر وباطن، فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة، وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده وموضع محبته، كما في الحديث الصحيح: « ».
وهذا الجمال الباطن يُزيِّن الصورة الظاهرة، وإن لم تكن ذات جمال فتكسوا صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسب روحه من تلك الصفات، فإن المؤمن يُعطى مهابة وحلاوة حسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه.
المحور الثالث: ضوابط الأناقة الشخصية، وتظهر هذه الضوابط بأمرين
الأول: التزام سنن الفطرة.
الثاني: الضوابط المتعلقة باللباس.
الأمر الأول: التزام سنن الفطرة
تُعَدْ هذه الصفة من الصفات الرئيسة للداعية، وهي مما جبل الله عليها الخلق، وهدى لها الأنبياء عليهم السلام وأمروا بها، ويُحِسن بالداعية العناية بهذه السنن امتثالاً واتباعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا بد أن يعلم أن كثيراً من الصفات المحمودة في هيئة الداعية مردها إلى سنن الفطرة، وهي أمور حث عليها الشارع، ويمكن تقسيم سنن الفطرة إلى قسمين:
الأول: السنن المتعلقة بالنظافة والزينة الظاهرة كالسواك وقص الأظفار.
الثاني: سنن تتعلق بالنظافة والزينة الباطنة كنتف الإبط وغيره.
وهنا أعرِض ماله علاقة بهيئة الداعية منها:
السواك؛ وهو من السنن التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليها، فكان إذا دخل بيته بدأ بالسواك، وإذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك.
وله أهمية ظاهرة في هيئة الداعية بشكل خاص فهو يتعلق بالنظافة والزينة الظاهرة، كما أنه يتعلق بالنظافة الباطنة من حيث الرائحة، والفم مصدر تلقى المدعوين، فهو ينظر إليه ويقترب منه لا سيما في الدعوة الفردية. لذا فحِرص الداعية على السواك والاهتمام به سبب في قرب المدعو منه وعدم نفوره، ومن ثم الإصغاء إلى دعوته.
نظافة البدن؛ نظافة البدن من مقاصد سنن الفطر والرئيسة، وقد شرع الله الوضوء للصلاة والغسل، مما يؤدي إلى تعهُّدٍ مستمر للبدن بالنظافة والتطهير، ومن هنا فإن الرائحة الطيبة والنظافة تبعث على القرب من الداعية.
الشعر؛ وهو من الخصال الظاهرة في هيئة الداعية، فينبغي للداعية الاهتمام به وتحسينه وهو من تمام حسن الهيئة، والابتعاد عن كل ما هو سبيل إلى تقليد الكافرين من قصة أو صبغة بما هو مخالف للشرع، ومن ذلك أيضاً الاهتمام بترتيبه، وقد رأى رسول الله رجلاً شعثاً قد تفرَّق شعره، فقال: « » (رواه أبو داود وصحّحه الألباني).
لأن الداعية محل النظر والتقليد من قبل من يستمع لها من المدعوين.
بتصرُّف.
نوال الطيار