ثناء المؤرخين على مسلمة بن عبد الملك
إن ثَناء المؤرِّخِيْن على مَسْلَمَة بن عبد المَلِك رحمه الله تعالى كثير جدًّا، وسنذكر إن شاء الله تعالى طَرَفًا منه؛ إعلامًا بمَكانته في تاريخ أمة الإسلام.
إن ثَناء المؤرِّخِيْن على مَسْلَمَة بن عبد المَلِك رحمه الله تعالى كثير جدًّا، وسنذكر إن شاء الله تعالى طَرَفًا منه؛ إعلامًا بمَكانته في تاريخ أمة الإسلام.
روى ابن عَساكر في تاريخ دمشق[1]، عن الزُّبَيْر بن بَكَّار[2]، أنه قال في تَسْمِيَة وَلَد عبد المَلِك بن مَرْوان: "ومَسْلَمَة بن عبد المَلِك، وكان من رجالهم، وكان يُلَقَّب الجَرادة الصَّفْراء، وله آثارٌ كثيرة في الحُروب، ونِكايةٌ[3] في الرُّوم".
وقال البَلاذُرِيُّ في أَنْساب الأَشْراف[4] عن مَسْلَمَة: "وكان صاحب رَأْيِهم، وقال في مَوْضع آخر[5]: كان شجاعًا، وله مَغازٍي كثيرة بالرُّوم، وأَرْمِيْنِيَة".
وقال الجَاحِظُ في البَيان والتَّبْيِين[6]: "كان مَسْلَمَة شجاعًا خَطيبًا، وبارِعَ اللسان جَوادًا، ولم يكن في وَلَد عبد المَلِك مِثْلَه، ومِثْلَ هشامٍ بعده".
وقال ابن عَبْد رَبِّه في العِقْد الفَريد[7]: "ولم يكن لعبد المَلِك بن مَرْوان ابنٌ أَسَدَّ رَأْيًا، ولا أَذْكَى عَقْلًا، ولا أَشْجَع قَلباً، ولا أَسْمَحَ نَفْسًا، ولا أَسْخَى كَفًّا من مَسْلَمَة".
وقال الذَّهَبِيُّ في سِيَر أَعْلام النُّبَلاء[8]: "الأَمير الضّرْغام[9]، قائد الجُيوش"، وقال: "له مَواقِف مَشْهُودة مع الرُّوم، وهو الذي غَزا القُسْطَنْطِينِيَّة، وكان مَيْمون النَّقِيْبة"، وقال: "كان أولى بالخِلافة من سَائر إخوته".
وقال في العِبَر[10]: "كان مَوْصوفًا بالشَّجاعة والإقْدام، والرَّأْي والدَّهاء".
وقال في تاريخ الإسلام[11]: "وكان بطلًا شجاعًا مَهيبًا، له آثار حَميدة في الحروب".
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية[12]: "كانت لمَسْلَمَة مَواقف مَشهورة، ومَساعِي مَشْكورة، وغَزوات متتالية مَنْثُورة، وقد افتتح حُصُونًا وقِلاعًا، وأحيا بعَزْمه قُصُورًا وبِقاعًا، وكان في زمانه في الغَزَوات نَظِير خَالد بن الوليد رضي الله عنه في أيامه، في كَثْرَة مَغازِيه، وكَثْرة فُتُوحه، وقُوة عَزْمِه، وشِدَّة بَأْسِه، وجَوْدَة تَصَرُّفه في نَقْضِه وإبْرامِه، وهذا مع الكرم والفصاحة" انتهى.
وقال الأَبْشِيْهِي في المُسْتَطْرَف[13]: "مَسْلَمَة بن عبد المَلِك بن مَرْوان، فَحْلُ[14] بَنِي أُمَيَّة، وفارِسُها ووالِي حُروبها".
تاريخ وفاته رحمه الله تعالى ومَوْضِعُها:
ذكر خَلِيْفة بن خَيَّاط في تاريخه[15]، ويَعْقوب بن سُفيان[16] أن وفاة مَسْلَمَة بن عبد المَلِك رحمه الله تعالى كانت سنة عشرين ومائة، بينما ذكر ابن عائِذ صاحب كتاب الصَّوائِف[17]، والدُّولابِي صاحب كتاب الكُنَى[18]، والبَلاذُرِيُّ في أنساب الأشراف[19] أنه توفي سنة إحدى وعشرين ومائة، ونَصَّ على ذلك الذهبي في الكاشف[20]، والعِبَر (رواه عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق: [1/118]).
وكانت وفاة مَسْلَمة رحمه الله تعالى في قرية يُقال لها: الحَانُوت، وهي من أعمال حَلَب، وكانت تُعرف في زمان ابن العَدِيْم بالحَانُوتَة، وهي قرية من القرى التي عَمَرها مَسْلَمَة أيام إقامته بالنَّاعُورة من أرض الجزيرة قريبًا من حَلَب[21]، ونقل الحافظ ابن عَساكر في تاريخ دمشق[22] عن الحافظ الدُّولابِي أن وفاة مَسْلَمَة رحمه الله تعالى كانت في القرية المذكورة، وذكر ذلك أيضًا البَلاذُرِيُّ في أَنْساب الأشراف[23]، وأشارَ إلى أنها من ديار مُضَرّ[24].
وقد مَرَّ من شِعْر ذِي الشَّامة الذي نَقَله المَرْزُبانِيُّ في مُعْجَم الشَّعراء، والصَّفَدِيُّ في الوافي بالوفيات ما يدل على ذلك، وإن كان قد وقع عند البَلاذُرِيِّ في أنساب الأشراف (الخَابُور) بدلًا من الحَانوت، وهو المَوْضِع الذي ذَكَر الحِمْيَرِيُّ في الرَّوْض المِعْطار أن وَفاة مَسْلَمَة كانت به، كما مَرَّ أيضًا (انظر: الهامش رقم: [39]؛ ففيه مواضع الأقوال المذكورة في هذه الفقرة، وبه بيان موضع الخابور كذلك).
وقد ذكر البَلاذُرِيُّ[25] أن مَوْلَد مَسْلَمة بن عبد المَلِك كان في العام الذي أخرج فيه عبدُ الله بن الزُّبَيْر رضي الله عنه بني أُمَيَّة من المدينة، وهو عام أربع وستين[26]، فيكون عُمْرُه حين تُوفي -إن صَحَّ ما ذكره البَلاذُرِيُّ من تاريخ مَوْلِده- سِتًّا وخمسين عامًا، -أو سبعًا- والله أعلم.
وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه، والحمد لله ربِّ العالمين.
______________
المراجع:
[1]- (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر: [58/28]، وانظر: تهذيب الكمال: [27/563]، والبداية والنهاية: [9/359]).
[2]- (هو أبو عبد الله، الزبير بن بكَّار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت، القرشي، الأسدي، المدني، القاضي، المتوفى سنة ست وخمسين ومائتين، وله مصنف مشهور في نسب قريش، عليه اعتماد الناس في معرفة أنساب القرشيين، وقد طبعت أجزاء منه. انظر: الفهرست لابن النديم: ص: [160]، وتاريخ بغداد: [8/ 467-470]، وفهرسة ابن خير الإشبيلي: ص: [206]، ومعجم المطبوعات: [1/ 963-962]، وأعلام الزركلي: [3/42]).
[3]- (النِّكاية في العدو: إكثار الجراح فيه، يقال: نَكَيْتُ في العَدو نِكايةً، إذا أَكْثَرْتُ الجراح فيه، والقتل، فوَهَن لذلك، أو هَزَمْتُه، وغَلَبْتُه، وأَوْقَعْتُ به. انظر: تاج العروس [40/ 131-130]، والمعجم الوسيط: [2/953]).
[4]- (أنساب الأشراف؛ للبلاذُري: [7/199]).
[5]- (أنساب الأشراف؛ للبلاذُري: [8/359]).
[6]- (البيان والتبيين؛ للجاحظ، ص: [481]).
[7]- (العقد الفريد؛ لابن عبد ربه: [7/143]؛ وقعت هذه العبارة فيه عقب كلام نقله عن الأصمعي، فربما تكون من كلام الأصمعي، وربما تكون من كلام مؤلف العقد الفريد).
[8]- (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي: [5/241]).
[9]- (الضرغام: الأسد الضاري الشديد، المِقْدام من الأُسود، ويستعار لوصف الرجل شديد الشجاعة. انظر: مادة [ضرغم]، والمعجم الوسيط: [1/539]).
[10]- (العِبر؛ للذهبي: [1/118]).
[11]- (تاريخ الإسلام: [7/468]).
[12]- (البداية والنهاية؛ لابن كثير: [9/360]).
[13]- (المستظرف؛ للأَبْشِيْهِي: [1/478]).
[14]- (الفحل: الذكر القوي من كل حيوان، ويكثر استخدامه في حق ذَكَر الإبل. انظر: تاج العروس: [30/ 150-149]، والمعجم الوسيط: [2/676]).
[15]- (تاريخ ابن خياط؛ ص: [96]).
[16]- (المعرفة والتاريخ؛ ليعقوب بن سفيان: [58/46]).
[17]- (الصوائف؛ لابن عائذ: [58/46]).
[18]- (الكنى؛ للدولابي: [58/46]).
[19]- (أنساب الأشراف؛ للبلاذُري: [7/199]).
[20]- (الكاشف؛ للذهبي: [2/262]).
[21]- (انظر: أنساب الأشراف للبلاذُري: [7/199]، وبغية الطلب لابن العديم: [1/64]).
[22]- (انظر: أنساب الأشراف للبلاذُري: [58/46]، ولم نقف على كلامه في الكنى والأسماء، مع كون كلامه الذي رواه ابن عساكر يدل على أنه من كتابه المذكور).
[23]- (انظر: أنساب الأشراف للبلاذُري: [7/199]).
[24]- (مُضَرّ هي القبيلة المعروفة التي ينسب إليها قريش، وهو مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أخو ربيعة بن نزار، وهما القبيلتان العظيمتان اللتان يقال فيهما: أكثر من ربيعة ومضر، وهما من صريح ولد إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما، لا خلاف في ذلك، وتقع ديار مضر بين ديار ربيعة التي تشمل مدن بلد، وأذرمة، ونصيبين، ودارا، والخابور، ورأس العين، وسنجار، وجزيرة بني عُمر، وديار بكر التي تشمل ميافارقين، وأرزن، وآمد، وماردين. ومن مشاهير مدن ديار مُضَرّ: حَرَّان -وهي قصبتها- والرُّها، والرِّقَّة، وسروج، وتقع ديار مضر في سهل بالقرب من شرقي نهر الفرات. انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم: [1/10]، وأحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي: ص: [130]، وأنساب السمعاني: [5/318]، ومعجم البلدان: [2/494]، واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير: [3/222]).
[25]- (أنساب الأشراف؛ للبلاذُري: [7/199]).
[26]- (انظر عمّا قِيل من إخراج ابن الزبير بني أمية من المدينة إلى الشام عقب وفاة يزيد بن معاوية: تاريخ دمشق لابن عساكر: [28/246]، وتاريخ ابن الوردي: [1/166]، ولكن كثيرًا من الأخبار تذكر إخراج بني أمية من المدينة على يدي من خلع طاعة يزيد بن معاوية منهم، وعلى رأسهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد: [5/66]، وتاريخ خليفة بن خياط؛ ص: [60-59]، وتاريخ الطبري: [3/352]، والمحن لأبي العرب التميمي؛ ص: [174]، وتاريخ دمشق: [27/430]، والكامل في التاريخ: [3/455]، وتاريخ الإسلام [5/ 27-24]، والبداية والنهاية: [8/238]. ومن الجدير بالذكر أن البلاذُري هو المؤرخ الوحيد الذي وقفنا على ذكره لسنة مولد مسلمة، وفقًا لما توفر بين أيدينا من مصادر، حتى أن الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى لم ينقل في تاريخ دمشق -مع موسوعيته- عُمر مسلمة حين تُوفي، ولا سَنَة مولده).
حسام الحفناوي
- التصنيف:
- المصدر: