حول الاجتماع والافتراق
إن مما يدفعني للكتابة حول هذا الموضوع رغم كثرة ما كُتب حوله وما تحدث عنه وما عقد من ندوات، هو ما يجري في مصر في هذه الأيام (وليس بعيدا طبعا عن أحداث سورية ولبنان وليبيا). إن ما يجري في مصر وهي كبرى دول المنطقة هو عودة إلى وراء الوراء وهذا شيء محزن ومؤسف، عاد إرهاب الدولة وحكم العسكر وعاد الخوف من شيء يسمى المباحث وأمن الدولة، عاد حكم العسكر الذي جثم على صدور المصريين أكثر من خمسين سنة.
إن مما يدفعني للكتابة حول هذا الموضوع رغم كثرة ما كُتب حوله وما تحدث عنه وما عقد من ندوات، هو ما يجري في مصر في هذه الأيام (وليس بعيدا طبعا عن أحداث سورية ولبنان وليبيا). إن ما يجري في مصر وهي كبرى دول المنطقة هو عودة إلى وراء الوراء وهذا شيء محزن ومؤسف، عاد إرهاب الدولة وحكم العسكر وعاد الخوف من شيء يسمى المباحث وأمن الدولة، عاد حكم العسكر الذي جثم على صدور المصريين أكثر من خمسين سنة.
ليس جديدًا الحديث عن ضرورة الاجتماع وخاصة لأهل العلم والرأي والمشورة، ولكن الحديث هو عن الفعل والتطبيق حتى لا نكون ممن (يبسط القول ويخزن الفعل) كما يقول الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص. كيف ينتصر الإسلام على أعدائه وأهله متفرقون؟ إن أولى خطوات الانتصار هي وحدة الصف كما أمر القرآن الكريم وحث على ذلك. ما معنى أن يكون لأصحاب الاتجاه الواحد عدة أحزاب؟ وما معنى أن يكون التفرق على أساس مدني أحيانا أو على أساس إقليمي جغرافي وقد يكون أحيانا على أساس طبقي؟ لماذا توسم حياتنا بالتفرق في كل شيء ولماذا تتنابذ العقول على المعنى الصحيح؟ ويساعد على ذلك العناد والمكابرة والجهل. كيف يفتن الناس مرة أو مرتين ثم لا يذكرون ولا يعقلون؟ لماذا يتسلط علينا أراذل القوم ولا نفقه أين مكامن القوة لمجابهة هذا السوء وهذا الاضطراب والتزلزل في المفاهيم.
إن كثرة الانقسامات والتحزبات للأشخاص والهيئات والجماعات مما يدعو ضعفاء اليقين الذين لم يرسخ الإيمان في قلوبهم أن يقل عندهم الاكتراث بالدين، وكاد بعض الناس أن ييأس من كثرة اللقاءات والحديث عن التعاون لما يرون من عدم الجدية في العمل، وهكذا نصبح فتنة للناس. إن التعصب الحزبي أنهك المسلمين وأضعفهم، وهذا يعود إلى التربية الخاطئة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا يجوز للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء، وليس لمعلم أن يحالف تلامذته على الانتساب إليه، والأصل أن تعلق الأمور بمحبة الله ورسوله، أما إذا تعلقت الأمور من المحبة والبغضة والموالاة والمعاداة والنصرة والخذلان بما يخالف هذا الأصل مثل الأنساب والقبائل والعرب والفرس والترك، أو الانتساب إلى إمام معين أو شيخ كل ذلك من أمور الجاهلية المفرقة للأمة" (1). وهذا التحزب مرض أصيب به كثير من المسلمين مع أن أصل التجمع والتعاون على البر والتقوى مطلوب ولا أحد ينكره.
إن المدنيات والحضارات لا تقوم إلا على شعوب ومجتمعات فيها انسجام كبير وتشابه في الاعتقاد والأخلاق، فالتنافر والاختلاف لا يساعدان على الاستقرار الذي يمهد لنشوء المدنية. قد يقول بعضهم: إن كثرة التجمعات والأحزاب دليل على الحيوية والناس متفاوتون والاختلاف من طبيعة البشر ولا يمكن جمع الناس أو صهرهم في بوتقة واحدة، أما أن الاختلاف من طبيعة البشر فهذا صحيح ولكن أن تكون كثرة التجمعات دليل على الحيوية فهذا غير صحيح، الحديث هو عن كثرة التفرق بحيث تذهب قوة الأمة ولا تستفيد من علمائها ومثقفيها، وهذه دول كبرى عريقة في إتاحة الحرية والديمقراطية لا نجد فيها رغم كثرة سكانها إلا حزبان كبيران كالولايات المتحدة وبريطانيا.
إذا كان المخلصون مقتنعون بالاجتماع على الحق ووحدة الصف فلماذا يتخوفون من الإقدام على هذه الخطوة، بل لماذا نرى الواقع غير هذه القناعات، القضية إذن أننا أمام أحد أمرين: إما أن المسلمين لم يتقنوا هذا الفن، لم يتقنوا أساليب التوحد وطرائقه وحواراته وخطواته المدروسة، أو أن هناك أهواء خفية داخلية هي التي تمنع مثل هذا العمل الضروري وخاصة في هذه الظروف، وفي هذه الحوادث المؤلمة التي تمر بها المنطقة، وأشد هذه الأهواء هو حب الرئاسة التي لا يفصح عنها عادة.
إن التدرج في خطوات التوحد قد يكون أحد السبل المناسبة، مع ما يصاحب ذلك من المصارحة والصدق حتى تقتلع جرثومة الشك والارتياب في الآخر، وقد كان من عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر الاتفاق والتعاون على الخير وإقامة العدل قوله عن حلف الفضول «لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت»، وقال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]؛ فالمتقون لا يكونون أعداء ولا يتفرقون، وهذا يؤكد أن الإصلاح لا يكون فعالا إلا إذا انبثق من داخل النفس، من المؤمن التقي الذي يتحدى كل عائق وكل ضغط خارجي.
لنتصور أن للمسلمين هيئة كبرى من العلماء والخبراء المستقلون، تتحدث باسمهم وتدافع عنهم وكلمتها مسموعة، أليس هذا مما يدعو الدول القريبة والبعيدة أن تنظر لهم بعين الاحترام وبعين الهيبة أيضا، ولذلك يسعى الأعداء بكل جهدهم كي لا يكون للمسلمين كلمة جامعة، ومن الأمثلة في تاريخنا الحديث أن الصدر الأعظم في الدولة العثمانية خليل باشا دعا إلى مؤتمر تتوحد فيه قوى الإسلام، كان ذلك عام 1865م وقد جاءه رد من خلال مذكرة فرنسية تقول: (إن الوحدة لن تكون في مصلحة المسلمين لأنه سيظهرهم بمظهر المتعصبين الذين يتوحدون على أساس ديني، وهذا مما يزيد الضغوط الأجنبية عليهم)!!
إن ضرورة الوحدة أو الاتحاد لا يعني أن الأمر سهلا، بل هو بحاجة مع الإخلاص والنوايا الحسنة إلى عقل كبير لا يفكر في اللحظة الآنية بل في المآلات والمستقبل، ويفكر في النتائج المثمرة للوحدة، عقل لا يغرق في الجزئيات على حساب الأصول المتفق عليها،عقل فيه من المرونة أن يقبل بالخطوات المتدرجة، لا أن يكون كما قال الشاعر:
لنا الصدرُ دونَ العالمينَ أو القبرُ
فإما وحدة اندماجية فورية أو نبقى متفرقين، ويبقى التشرذم والضعف الذي طال أمده.
- التصنيف:
- المصدر: