الوهابية
لم تتعرض حركة إصلاحية بمثل ما تعرضت له حركة المجدد محمد بن عبد الوهاب في القرن الماضي، والذي قبله من محاولات لتشويه السمعة، غير أنه قد نجح نجاحًا باهرًا في تجديد الدين في منبع الإسلام، ثم بلغت مبادئ حركته إلى آفاق الأرض، فأثرت تأثيرًا بالغًا في العالم الإسلامي وحركاته الإصلاحية.
لم تتعرض حركة إصلاحية بمثل ما تعرضت له حركة المجدد محمد بن عبد الوهاب في القرن الماضي، والذي قبله من محاولات لتشويه السمعة، غير أنه قد نجح نجاحًا باهرًا في تجديد الدين في منبع الإسلام، ثم بلغت مبادئ حركته إلى آفاق الأرض، فأثرت تأثيرًا بالغًا في العالم الإسلامي وحركاته الإصلاحية.
ومن المعلوم أن المجدد محمد بن عبد الوهاب التميمي رحمه الله لم يبتدع فكرًا جديدًا في الإسلام، ولم يسم دعوته ولا أحد من أتباعه بـ(الحركة الوهابية) أو (الدعوة الوهابية)، وإنما أطلق هذا الاسم بعض الدارسين لحركته، سواء من منطلق تعريفي مجرد، أو بقصد الإساءة وتشويه السمعة في محاولة للإشعار بأنها حركة حادثة يتزعمها شخص خارج عن جسد الفكر الإسلامي. غير أن المنصفين الذين درسوا آثار الحركة السلفية التي قادها المجدد محمد بن عبد الوهاب، أجمعوا أن حركته الإصلاحية لم تكن سوى إحياء لمسيرة كل قادة الحركات الإصلاحية في التاريخ الإسلامي، وإنما تميزت بأن الله تعالى اختار للتجديد هذه المرة وفي هذه الدورة الزمنية من تاريخ الإسلام، اختار جزيرة العرب وهي أهم بقاع الإسلام أهمية.
فمن الناحية المعنوية؛ فإن جزيرة العرب هي مهد الدين ومهبط الوحي، وفيها منطلق الدعوة، مسجد النبي ومهاجره، وفيها قبلة المسلمين، وتشرفت أرضها بالمشاهد الأولى لمسيرة هذا الدين العظيم. ومن الناحية الإستراتيجية؛ فقد غدت منطقة الجزيرة والخليج في هذا العصر أهم وأخطر منطقة في العالم بأسره؛ لما أودع الله فيها من خيرات عظيمة.
ولعل المتأمل بلطف أقدار الله تعالى يلمح هنا عناية الحق سبحانه بأن أحدث هذا التغيير الجذري نحو الإسلام في الجزيرة العربية بحركة المجدِّد السلفية، قبيل ظهور الثروة العالمية المتمثلة بالنفط فيها، مما جعلها محط اهتمام العالم، الأمر الذي شكل سورًا حصينًا حمى قلعة الإسلام وأرض الحرمين مما تحمله التأثيرات العالمية عادة من متغيرات ثقافية واجتماعية وأخلاقية عندما تتجه إلى خيرات الشعوب.
ولو قدر أن حدث ذلك، أعني توجه الاهتمام العالمي للخليج والجزيرة في غياب الانقلاب السياسي والاجتماعي والثقافي والأخلاقي نحو مبادئ الإسلام السلفية الصافية، والذي نجحت في إحداثه حركة المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، لو قدر ذلك لكان حال الجزيرة العربية غير الحال الذي نراه اليوم، مع خطورة موقعها وحساسيته البالغة بالنسبة إلىالحضارة الإسلامية، فالحمد لله الذي لطف بحسن تدبيره، وبالغ حكمته، ما حفظ به دينه وأمة الإسلام.
وقد قامت دعوته رحمه الله تعالى على فكرتين جوهريتين:
الأولى: تخليص أصل دين الإسلام وسر حيويته وقوته، وهو التوحيد، من كل شوائبه التي علقت في حياة المسلمين، فردهم إلى أصل التوحيد الذي دعا إليه القرآن وبينته السنة وحارب كل ما يعكر على هذا الأصل، وطهّر الجزيرة العربية من كل مظاهر الوثنية والشرك وتعلق العباد بغير الله تعالى، وقطع كل صور الكهنوت والدجل حول الأضرحة وقبور الأولياء وما يتبعها من الخرافات التي شوهت صورة الإسلام؛ فحمى بذلك أصل الدين وينبوع الرسالة المحمدية. وقد أشيع عنه بسبب هذه الحملة الصارمة لحماية جناب التوحيد، أنه يطعن في الرسول والأولياء ويكفِّر المسلمين ويستبيح دماءهم، ولم يكن ذلك سوى افتراءات وأكاذيب، وقد ردَّ عليها في حياته في مؤلفاته، كما ردَّ عليها تلاميذه وأتباعه من بعده في مؤلفات كثيرة وفندوها.
الثانية: تخليص مصدر تلقي الدين -القرآن والسنة- من كل الشوائب التي تعكر على الاستقاء منهما، نبعًا صافيًا لا كدر فيه، فدعا المجدد إلى تقديم الكتاب والسنة على كل ما يخالفهما من موروثات الفرق الضالة من الأقوال المعتمدة على علم الكلام والفلسفة، أو مقامات وأذواق التصوف البدعي، أو التعصب لآراء الرجال، شأنه في ذلك شأن كل العلماء من قبله في مسيرة التجديد كلها من عصر الخلفاء إلى يومنا هذا، وبهذه الفكرة حمى الدين وأرجع الناس إلى الأصل المحفوظ؛ لأنه علم أن سر ظهور الأمة وعزها هو تمسكها بهذا الأصل في بادئ الأمر، وإذا أرادت العودة إلى الظهور والعز فعليها بالرجوع إلى ذلك السر نفسه.
إذن فالوهابية ليست فكرة جديدة، وإنما هي الدعوة الإسلامية نفسها في صورتها السلفية النقية الصافية، وهي حركة تجديدية تعتمد على أصول الشريعة نفسها التي قامت عليها المذاهب الفقهية الأربعة المتعمدة، وتستند إلى مصادر التشريع المعتبرة، وترجع إلى مراجع العلم والفتوى نفسها التي يزخر بها التراث الفقهي الإسلامي، غير أن اعتماد غالب علماء هذه الدعوة -وليس كلهم- على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في الفروع الفقهية على أساس الاتباع والانتصار للدليل وليس التقليد والتعصب المذهبي. وأما في مسائل الاعتقاد فإنهم لم يزيدوا قيد أنملة على ما أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وكبار أتباعهم، وكل من له قدم صدق من أئمة الدين والعلم في كل العصور.
وما زالت علوم ومعارف علماء الحركة السلفية من أتباع مدرسة المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أقرب إلى الكتاب والسنة، وفتاواهم أسد وأعدل، ونهجهم أوسط المناهج في تلقي وفهم وتعليم علوم الشريعة، ومواقفهم أحكم وأعلم وأسلم المواقف بالنظر إلى غيرهم في الجملة، وتمسكهم بما كان عليه السلف من العقائد والعلوم والمعارف والأخلاق والسلوك في أصول الشريعة وفروعها، تمسكهم بذلك أقوم وأهدى سبيلاً.
ولا ينكر هذا كله إلا مكابر أو جاهل لا يعرف حقيقة هذه الدعوة ومكانة علمائها، أو متعصب أعماه هواه عن الإنصاف.
- التصنيف: