جزاء مخالفة شرع الله
ولعل من أشد وأهم ما ظهر في العصر الحديث من آثار معصية الله تعالى دنيويًا هو مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والذي جُعل له يوم عالمي لمكافحته ومقاومته هو بداية شهر ديسمبر من كل عام، حيث أعلن جوناثان مان مدير البرنامج العالمي لمكافحة الإيدز عن هذا اليوم في عام 1988م، ليقوم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1995م بتبني هذا المناسبة، وليحذو حذوه رؤساء الدول الأخرى ليكون هذا اليوم تكريسا لرفع مستوى التوعية من مخاطر هذا المرض، وبيان آخر الإحصائيات العالمية بشأنه.
لطالما نوهت آيات القرآن الكريم إلى ارتباط السعادة والهناءة في الدنيا بطاعة الله تعالى والتزام أوامره، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، ولطالما صرحت الآيات القرآنية بتلازم المشقة والضنك مع معصية الله والإعراض عن ذكره، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
وبينما يظن البعض -جهلا أو كيدا وخبثا- أن آثار عدم الالتزام بشرع الله مقتصر على الدار الآخرة، وأن حياة الإنسان الدنيوية لا تتأثر سلبا أو إيجابا بطاعة الله أو معصيته، يأتي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما ليأكد عكس ذلك تماما: «خمس إن ابتليتم بهن ونزل فيكم -أعوذ بالله أن تدركوهن- لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعملوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم يكن مضت في أسلافهم...» (المستدرك على الصحيحين: 4/582 برقم 8623)، وفي رواية أخرى قال عنها الذهبي أنها على شرط مسلم في المستدرك: «ولا ظهرت الفاحشة في قوم قط إلا سلط الله عليهم الموت...» (2577).
ولعل من أشد وأهم ما ظهر في العصر الحديث من آثار معصية الله تعالى دنيويًا هو مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والذي جُعل له يوم عالمي لمكافحته ومقاومته هو بداية شهر ديسمبر من كل عام، حيث أعلن جوناثان مان مدير البرنامج العالمي لمكافحة الإيدز عن هذا اليوم في عام 1988م، ليقوم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1995م بتبني هذا المناسبة، وليحذو حذوه رؤساء الدول الأخرى ليكون هذا اليوم تكريسا لرفع مستوى التوعية من مخاطر هذا المرض، وبيان آخر الإحصائيات العالمية بشأنه.
والإيدز هو اختصار (متلازمة نقص المناعة المكتسب)، وهو مرض ينتج عن فيروس (اتش أي في)، وأصبح من المعروف حاليا أن حوالي 20% من المصابين بفيروس (اتش أي في) يتحول إلى مرض إيدز فى فترة 5 سنوات منذ تاريخ الإصابة، وقد تم التعرف على الفيروس (اتش أي في) في عام 1983، بعد اكتشاف أول حالة إصابة عام 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويبلغ عدد المصابين بهذا الوباء في العالم حاليا حوالي 40 مليون شخص، منهم 30 مليونا في أفريقيا، ونصف مليون في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، و560 ألفا في أوروبا الغربية، و940 ألفا في الولايات المتحدة الأمريكية. وإحصائيات الأمم المتحدة عن نتائج هذا المرض خطيرة ومروعة، فقد قتل هذا المرض أكثر من 25 مليون شخص بين عامي 1981 – 2007م، وهو الأمر الذي جعله أكثر الأوبئة فتكا في التاريخ المدون، ورغم التمكن حديثًا من تطوير العلاج البديل والرعاية في العديد من المناطق في العالم، إلا أن عدد الوفيات التي ماتت بسبب هذا الوباء في عام 2007 يقدر بحوالي 2 مليون إنسان.
ومع أن أهم أسباب الإصابة بهذا المرض الخطير هو العلاقات الجنسية غير الشرعية، والتي نهى الإسلام عن مقدماتها وبداياتها، فضلا عن الوقوع بها أو ممارستها، فقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30-31]، إلا أن الغرب والأمم المتحدة لم تلتفت كعادتها لمعالجة أصل المشكلة وسببها الرئيسي، المتمثل بالعلاقة غير الشرعية بين الرجل والمرأة، بل على العكس من ذلك تماما، كانت وما زالت تشجع على انتشار الفاحشة والعلاقات المحرمة من خلال شعارات تحرير المرأة ومحاربة أحكام الدين الإسلامي في الاحتشام، ثم بعد أن تقع الكارثة وتحل المصيبة تدق جرس الإنذار من انتشار وباء نقص المناعة المكتسب (الإيدز) في تناقض واضح وتغافل عن جذور المأساة فاضح.
وما يهمنا في هذا المجال هو التقرير الأخير لعام 2013م، والتي تشير الأرقام الإحصائية فيه إلى أن الإصابات الجديدة في العالم العربي ارتفعت بنسبة 100%، أي تضاعفت منذ عام 2001 وحتى اليوم، مما يوجب دق ناقوس الخطر على مستوى الحكومات في الدول العربية والمؤسسات الصحية والمجتمعية قبل تفاقم انتشار المرض أو تحوله في أسوأ الأحوال إلى وباء. وتكمن الخطورة في طبيعة انتشار هذا المرض أنه ما إن يبلغ مستوى معينا بين السكان حتى يتحول بسهولة وسرعة إلى وباء، وهذا ما حدث في العديد من البلدان في جنوب إفريقيا.
والعجيب في الأمر أن يتضاعف عدد المصابين بهذا المرض في الدول العربية المسلمة خلال عقد من الزمان فقط كما يقول التقرير، وهي الدول التي يدين غالب سكانها بالإسلام الذي تتضمن تعاليمه وأوامره ونواهيه أعظم نظام وقاية من أمثال هذه الأوبئة الفتاكة، وبالتالي فلا بد من دق ناقوس الخطر بالعودة إلى تعاليم الإسلام أصل الحل والعلاج، وليس أخذ المسكنات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
إلا أن هذا العجب يزول أمام واقع انتشار أفكار تحرير المرأة الذي ينادي به الكثير من علمانيي وليبراليي تلك الدول، والذي لم يتناول من هذه الحرية إلا مسألة خلع الحجاب والتكشف في اللباس، وكأن الحجاب هو السد المنيع الأوحد أمام تقدم الدول العربية وحضارتها؟! ناهيك عن انتشار المخدرات وغيرها من مسببات انتشار هذا المرض.
وهناك تناقض وإهمال شديد آخر من قبل بعض حكومات الدول العربية، وهو كيفية التعامل مع هذا الوباء، ففي حين اعتمدت تلك الدول على ما تسميها (التقاليد الاجتماعية المحافظة) تعاليم الإسلام في مجتمعاتها لإبقاء مستويات الإيدز منخفضة كما تقول، نراها بنفس الوقت تحارب هذه التقاليد من خلال نشر أفكار تحرير المرأة ومحاربة الحجاب والستر والالتزام بشكل عام. وكان من نتائج ذلك أن عدد المصابين بفيروس (اتش.أي.في) في الدول العربية يتجاوز الربع مليون، بينما تذكر تقديرات أخرى أنه أكثر من ستمائة ألف، نصفهم من النساء، وعشرون ألفا من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما، ويصاب سنويا أكثر من 32 ألفا بالمرض، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن الرقم يصل إلى 75 ألفا، ويقتل الإيدز في العالم العربي سنويا 17 ألفا منهم 1800 طفل.
فهل بعد هذا جزاء وعقوبة لمن يخالف أمر الله ويجترئ على انتهاك نواهيه ومحارمه؟؟
عامر الهوشان
- التصنيف:
- المصدر: