تنزيل نصوص الفتن وأشراط الساعة على الواقع المعاصر (رؤية شرعية)

منذ 2013-12-15

إنه بين فينة وأخرى -لا سيما في زمن تلاطمت فيه الفتن واستعرت- نرى اختلالاً في موازين البعض في تناولهم أحاديث الفتن وأشراط الساعة وتسرعًا وجزمًا في تنزيلها لحدث ما أو فتنة من الفتن، ولهذا أسباب عدة سيأتي بيانها في معرض الحديث عن هذا الموضوع...


الحمد لله الذي هدانا طريق الرشاد والهدى، وبيَّن لنا الصراط المستقيم الهادي إلى سواء السبيل، والصلاة والسلام على خير الورى، الذي جعل أمته على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإنه بين فينة وأخرى -لا سيما في زمن تلاطمت فيه الفتن واستعرت- نرى اختلالاً في موازين البعض في تناولهم أحاديث الفتن وأشراط الساعة وتسرعًا وجزمًا في تنزيلها لحدث ما أو فتنة من الفتن، ولهذا أسباب عدة سيأتي بيانها في معرض الحديث عن هذا الموضوع، وأحببت في هذه الأسطر المشاركة في إبراز الرؤية الشرعية حيال أحاديث الفتن وأشراط الساعة تجاه أحداث العصر التي ربما ظن البعض جزمًا أنها هي المقصودة في الأحاديث، واستللت ذلك من بحثي (المنهج الشرعي للداعية عند الفتن) والله أرجو أن يهديني للصواب والسداد، وأسأله لي ولك العلم النافع والعمل الصالح.

ولتقرير هذه المسألة وفق الأدلة يقال في ضابط هذه الأحاديث:

(أن الأصل في تنزيل أحاديث الفتن على الأزمان والأشخاص الرد)

وهذا الضابط من الأهمية بمكان، والتساهل به فيه خطورة وجناية على النصوص، والمقصود بهذا الضابط: أن الأصل في تنزيل أحاديث الفتن على ما يقع في حياة الناس من فتنٍ حاضرة أو أشخاص بعينهم الردّ، سدًَّا لذريعة التقوُّل والتخرُّص على نصوص الفتن بغير علم، والتساهل في هذا الباب، لا سيما مع كثرة الشائعات وتعلُّق كثير من النفوس بتتبع الغرائب، وكثرة الفتن الحاضرة، ومحبَّة البعض في وعظ الناس بربطهم بأحاديث الفتن، هذا وغيره يستدعي تساهل البعض الحاصل في إنزال نصوص الفتن على الأحداث أو الأشخاص في واقعه، ولقد كثرت المؤلفات في هذا الإنزال والمجازفة في الزجِّ بأحاديث الفتن على ما يقع من أحداث[1] ولذا كان الأصل في هذا الباب الردّ.

ولا يعني القول بأن الأصل الردّ هو أنه لا يُشرع التنزيل، فليس هذا مراد، وإنما التنزيل جاء في كلام أهل العلم بضوابطه، والناس في هذا الباب طرفان ووسط، فمنهم من تساهل في إنزال أحاديث الفتن على الواقع كما تقدَّم بيانه، ومنهم من تشدّد ومنع هذا الباب جملة وتفصيلًا، والحقُّ أن التنزيل يصحُّ بضوابطه كما سيأتي، فكان الأصل الردّ صيانة لأحاديث الشريعة، وحفظًا لمعانيها.

وتنزيل أحاديث الفتن على الوقائع حاصل في عصر التنزيل ومن ذلك حين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخبر الدجَّال ظنَّ الصحابة رضي الله عنهم أنه في طائفة النخل فذهبوا يبحثون عنه، وشكَّوا في ابن صياد أن يكون هو المسيح الدجال، بل بعض الصحابة أقسم على ذلك منهم عمر وجابر رضي الله عنهما[2] وفي حديث أسماء رضي الله عنها في قصة مقتل ابن الزبير رضي الله عنهما، قالت وهي تخاطب الحجاج: "أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلاَ أخَالُكَ إِلاَّ إِيَّاهُ، فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا".

قال النووي رحمه الله: "المبير: المُهْلِك، وقولها في الكذَّاب "فرأيناه": تعني به المختار بن أبي عبيد الثقفي، كان شديد الكذب ومن أقبحه ادّعى أن جبريل صلى الله عليه وسلم يأتيه، واتفق العلماء على أن المراد بالكذَّاب هنا المختار بن أبي عبيد، وبالمبير الحجاج بن يوسف والله أعلم" (شرح صحيح مسلم، النووي: [16/100]).

وتنزيل أحداث الفتن على الواقع موجود في كلام أهل العلم السابقين والمعاصرين كما هو حاصل في أخبار السلف، ومما في تنزيل المعاصرين قول الشيخ ابن باز رحمه الله، عن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْكَذِبُ، وَتَتَقَارَبَ الأَسْوَاقُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ»، قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ» (أخرجه الإمام أحمد في مسنده، مسند أبي هريرة: [2/519]، رقم: [10735]، قال شعيب الأرناؤوط: "إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين"، انظر: الموسوعة الحديثية: [16/422]، رقم: [10724]).

قال ابن باز رحمه الله في قوله: "الأقرب تفسير التقارب المذكور في الحديث بما وقع في هذا العصر من تقارب ما بين المدن والأقاليم وقصر زمن المسافة بينهما بسبب اختراع الطائرات والسيارات والإذاعة وما إلى ذلك والله أعلم" (انظر تعليقه على فتح الباري: [2/606]).

والأمثلة على التنزيل متوافرة، وهذا مما يُبيِّن أن التنزيل ليس ممنوعًا على إطلاقه؛ إلا أن الخلل والمجازفة في الإفراط بالتنزيل، لاسيما في واقعنا ومع توالي الأحداث فلا يكاد يمرُّ حدثٌ إلا ويتسامع الناس شيئًا من ذلك، وللتساهل بتنزيل أحاديث الفتن على الواقع خطورة عظيمة من عدة وجوه أبرزها:

أنه قول على الله بغير علم، واستهانة بالنصوص، وفتح مجال لدعاة الضلالة أن يُلْبِسوا على الناس ويَدَّعوا ما لم يصح ثم يطعنوا بنصوص الشريعة، وما يترتب على تصديق الناس لهذه التنزيل الخاطئ من عمل شيء أو تركه لأجل الفتنة التي صدَّقوا تنزيلها إلى غير ذلك من المفاسد الواضحة عند التأمُّل.

فإذا تقرَّر ذلك فإن تنزيل أحاديث الفتن وكذلك أشراط الساعة على الواقع يخضع لعدة شروط وهي كما يلي:

1- الاقتصار في التنزيل على نصوص الوحيين، والتأكد من صحتها لفظًا ومعنى:

والمقصود أن نصوص الفتن التي تخضع للتنزيل هي نصوص الكتاب والسنة، فهما مصدرًا التلقي في الشريعة، اللذان بهما الهداية والسداد، والإخبار بأحداث الفتن من الأمور الغيبيَّة التي لا يمكن ثبوتها إلا بوحي، وعليه فأي مصدر غيرهما لا يصح الاستناد إليه، ويلحق بالسنة النبوية آثار الصحابة في هذا الباب، فالصحابة على قدر عالٍ من العدالة، وباب الإخبار بالفتن مما لا مجال فيه للرأي والاجتهاد فحتمًا استقوه من مشكاة النبوة.

قال ابن حجر رحمه الله: "والحق أن ضابط ما يُفسِّره الصحابي رضي الله عنه إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا منقولًا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء، وعن الأمور الآتية كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار، والإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع" (النكت على كتاب ابن الصلاح، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: ربيع بن هادي عمير المدخلي: [1/86]، ط1، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، 1404هـ/1984م).

ومما يتعلَّق بهذا الشرط التأكد من صحة النصوص، فأما القرآن فهو مقط ع بصحته تكفَّل الله تعالى بحفظه، والحديث هنا عن السنة النبوية، فلا بد قبل تنزيل النصِّ من التأكد من صحة لفظه سواءً كان مرفوعًا للنبي صلى الله عليه وسلم أو مما له حكم الرفع من أقوال الصحابة، مما تخلو من الضعف أو أخبار الإسرائيليات.

وأيضًا لا بد من التأكد من صحة فهم المعنى، فمن الخلل في التنزيلِ تنزيلُ نصوص قبل فقه معناها الصحيح، أو تنزيلها على معنى غير مراد، وهذا من الأخطاء الشائعة في التنزيل الخاطئ، فهم النصوص على غير مرادها الحقيقي، والأصل حمل النصِّ على ظاهره كما هي القاعدة المقررة عند أهل السنة، فالمراد هو المعنى الظاهر، وخطاب الشريعة للأمة خطاب بما يفهمونه وهو خطاب وضوح ورحمة لا خطاب غموض وإضلال، فلا يصْرف عن ظاهره.

2- أن يكون التنزيل بعيدًا عن التكلُّف:


خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه خطاب واضح يظهر للعالِم ويفهمه العامِّي، ولا يحتاج معه إلى تكلُّف في الفهم، أو إخضاع النصوص إلى معانٍ يراها العبد في واقعه فيحاول أن يلوي النصَّ ليوافق ما رآه أو ما ظنَّه عند التنزيل، وبيان النبي صلى الله عليه وسلم لفتنة الدجَّال مثلًا بيانًا شافيًا يشعرك بأن المراد هو أن تكون النصوص واضحة لا تحتاج إلى تكلُّف ليفهمها المسلم أو لينزِّلها على واقعه.

3- التحقق من طبيعة الواقعة واستكمالها للأوصاف الواردة في النصّ:


أركان التنزيل ثلاثة: نص ينزل، وواقعة ينزَّل عليها، وعملية تنزيل.

ولا بد ليصحَّ التنزيل من التحقق من طبيعة الواقعة بأن يتعرَّف على الصورة الكاملة للواقع بكل جزيئياته، وانطباق جميع الأوصاف الواردة في النصِّ عليه، بحيث يتأمَّل مدى التطابق ومدى التخالف، فإذا لم يكن هناك تطابق بين الواقع الحاصل وبين جميع أوصاف النصّ لم يصح التنزيل حينئذٍ، فلا يصح جهل شيءٍ من أجزاء الواقع فلربما اشتمل على شيء زائد عما ورد في النص، أو على ما يضادُّه، كما لا يصح إغفال وصفٍ من الأوصاف الواردة في النصّ لعدم وجودها في الواقعة، ففتنة الدجَّال مثلًا جاءت أوصافه مستفيضة في الدقَّة، فلا بد من انطباقها على الواقعة التي تُرى، أي لا بد من تحقق طبيعة الواقعة بوجودها بتفاصيلها، ولا بد من انطباق الأوصاف والجزيئيات الواردة في الدجَّال على الواقعة، وإلا لم يصح التنزيل.

كذلك مثلًا في انحسار نهر الفرات عن كنز من ذهب، الوارد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا» (أخرجه البخاري، كتاب الفتن، باب خُرُوجِ النَّارِ، رقم: [7119] وأخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، رقم: [7456]).

لا بد من التحقق من الواقعة بأن يرى ذلك موجودًا بعينه لا يجهل منه شيء، ثم يُطبِّق عليه جميع الأوصاف الواردة في النصّ، بأن يكون انحسارًا، وفي نهر الفرات، ويكون كنزًا، ومن ذهب.

وهذا الشرط وهو انطباق جميع الأوصاف من الأهمية بمكان، وورد في كثير من كتب أهل العلم، فهذا النووي رحمه الله عند إيراده للحديث المرفوع: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ التُّرْكَ قَوْمًا وُجُوهُهُمْ كَالْمَجَانِّ الْمُطْرَقَةِ يَلْبَسُونَ الشَّعَرَ وَيَمْشُونَ فِي الشَّعَرِ» (أخرجه البخاري؛ كتاب: الجهاد والسير، باب: قتال الترك، رقم: [2927]، وأخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مَكَانَ الْمَيِّتِ مِنَ الْبَلاَءِ»، رقم: [7497]).

قال النووي رحمه الله: "وهذه كلها معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وجِدَ قتال هؤلاء الترك بجميع صفاتهم التي ذكرها صلى الله عليه وسلم، صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنف، عراض الوجوه، كأن وجوههم المجانّ المطرقة، ينتعلون الشعر، فوجدوا بهذه الصفات كلها في زماننا، وقاتلهم المسلمون مرات، وقتالهم الآن، ونسأل الله الكريم إحسان العاقبة للمسلمين في أمرهم وأمر غيرهم، وسائر أحوالهم وإدامة اللطف بهم والحماية، وصلى الله على رسوله الذي لا {يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم من الآية:3-4]" (شرح صحيح مسلم، النووي: [18/ 37-38]).

وكذا الصفات المتعلِّقة بالمهدي مثلًا، ولو علم المسلم مثل هذه الصفات لاستطاع الردُّ على كل مدَّعٍ، أو من يزعم أنه رأى المهدي.

4- التأني في التنزيل ومراجعة أهل العلم:


الاستعجال في التنزيل مظنة وقوع الخلل، والغفلة عن بعض أطراف التنزيل، ومن ثَمَّ الندامة على الاستعجال فيه، ومسائل التنزيل من المسائل المعاصرة للواقع الذي تنطبق عليه الفتنة المرادة فينبغي التأنِّي في ذلك، فالمنزِّل سيقول بقول جديد لم يسبقه به أحد، ولذا استوجب عليه ذلك التأنِّي والتأكد ومراجعة أهل العلم فيما رآه، فلا يصح أن يتعجَّل الشخص في إصدار حكم التنزيل على قضية من القضايا حتى يستكمل جزئياتها ويعطيها حقها من التأمُّل والتأني؛ لأن غالب الاستعجال في مثل هذه المواطن يوقع في الندامة جرَّاء ما ظهر له من خلل بعد ذلك.

قال أبو حاتم رحمه الله: "الرافق لا يكاد يُسْبَق، كما أن العَجِل لا يكاد يَلْحَق، وكما أن من سكت لا يكاد يندم، كذلك من نطق لا يكاد يسلم، والعَجِل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويَحْمد قبل أن يُجَرِّب، ويَذُم بعد ما يحمد، يعزم قبل أن يفكر، ويمضي قبل أن يعزم، والعَجِل تصحبه الندامة وتعتزله السلامة، وكانت العرب تُكَنِّي العجلة أم الندامات" (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، محمد بن حبان البستي أبو حاتم، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، ص [216]، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، 1397هـ/1977م).

ولقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم أشج عبد القيس بتأنيه فقال: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ»[3] فالتأنِّي محمود وهو في مثل هذه المواطن أكثر حاجة وتأكيدًا، لاسيما ونحن في زمن كَثُر فيه العابثون والمتساهلون في التنزي[4] ومن جميل ما يُذكر في التأنِّي، قول حفص بن غيَّاث لسفيان الثوري رحمهما الله: "يا أبا عَبْد الله إن الناس قد أكثروا في المهدي فما تقول فيه؟ قال: إن مرَّ على بابك فلا تكن منه في شيءٍ حتى يجتمع الناس عليه" (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني: [7/31]، ط4، دار الكتاب العربي، لبنان، بيروت، 1405هـ).

ومن الاستعجال في التنزيل عدم مراعاة ترتيب الأشراط ومراعاة البعد الزمني بينها، فلربما اجتهد في تنزيل فتنة على واقعة، واستكمل شروطها حسب ظنه، بينما دلَّت الأدلة على أن هذه الفتنة لا تقع إلا بعد عدة فتن تسبقها، وهذا من خلل الاستعجال.

ثم إذا استكمل الباحث معايير التنزيل وتأمَّل الواقعة ومناسبة التنزيل لها ومطابقتها، ذهب لأهل العلم ليستزيد بيانًا، فإن التنزيل من الأبواب التي تحتاج إلى جمع نصوص، والحكم عليها، وتتبع ما فيها من المعاني، ثم مقارنتها بالواقع للحكم على التنزيلِ صحةً وفسادًا، ولذا يحتاج فيه إلى تأمُّل عالِم[5].

اسأل الله تعالى أن يجعلنا من أتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وعملا، وأن يُجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــ

المراجع:


[1] (مثال تنزيلها على الأزمان: كما في حديث: "إذا اختلفت الرايات السود فيما بينهم أتاهم الرايات الصفر، فيجتمعون في قنطرة أهل مصر.." الحديث رواه نعيم بن حماد في الفتن، وهو ضعيف، نزَّل محمد حمال الدين في كتابه: "هرمجدون" الرايات على هذا الزمان، بأن المراد أصحاب الرايات السود هم قوات طالبان وتحالف الشمال، وأما الرايات الصفر فالقوات الغربية الأجنبية، وقنطرة مصر هي قناة السويس).

ومثال التنزيل على الأشخاص: كقول سعيد أيوب في كتابه: "المسيح الدجال" بأن المراد بالمهدي المنتظر هو صدام حسين نقل بتصرُّف من كتاب: "معالِم ومنارات في تنزيل نصوص الفتن والملاحم وأشراط الساعة على الوقائع والحوادث"، عبد الله بن صالح العجيري، ص: [37-38]، ط1 مؤسسة الدرر السنية، الظهران، 1433هـ، ونقل المؤلف جملة من الأمثلة في التساهل في تنزيل النصوص، وقرابة العشرين كتابًا من الكتب المعاصرة التي حصل فيها هذا التساهل، انظر كتاب: "الفتن"؛ لـ نعيم بن حماد المروزي، تحقيق: سمير الزهيري، رقم: [772]، ط1، مكتبة التوحيد، مصر، القاهرة، 1412هـ).

[2] (تَقدَّم إيراد أحاديث الدجال، ص: [110])

[3] (أخرجه مسلم؛ كتاب الإيمان، باب: الأَمْرِ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَشَرَائِعِ الدِّينِ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ، رقم: [126]).

[4] (ومن تأمَّل بعض الكتب، وبعض مقالات الصحف في هذا الباب أدرك ذلك، فضلًا عما يوجد في الشبكة العنكبوتية من التساهل في طرح وتنزيل أحاديث الفتن على الواقع دونما علم وتمحيص وتدقيق وتؤدة).

[5] (من أراد التوسع في الحديث عن هذه الضوابط، فليراجع كتاب الفتن وأشراط الساعة من شرح النووي على صحيح مسلم فقد ذكر مواضع متفرقة منها: [18/21]، [18/27]، [18/ 37-38]، والفتن وموقف المسلم منها رؤية شرعية، أ. د علي بن سعد الضويحي، ص: [63]، ومعالِم ومنارات في تنزيل نصوص الفتن والملاحم، عبد الله بن صالح العجيري).


 

عبد الله بن حمود الفريح

حاصل على درجة الدكتوراه من قسم الدعوة والثقافة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، عام 1437هـ.

  • 6
  • 5
  • 16,821

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً