روحاني ومعاناة أهل السنة في إيران
بإلقاء نظرة على الخريطة السكانية لإيران، يمكن مشاهدة الآثار السلبية التي خلفتها ولا تزال تخلفها سياسات المسئولين العنصريين على مكونات المجتمع الإيراني..
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
بإلقاء نظرة على الخريطة السكانية لإيران، يمكن مشاهدة الآثار السلبية التي خلفتها ولا تزال تخلفها سياسات المسئولين العنصريين على مكونات المجتمع الإيراني.. فإيران كما هو معروف بلد يتشكل من أقوام وشعوب مختلفة الأعراق والديانات والمذاهب، والشعب الفارسي ليس إلا واحداً من هذه المكونات المتعددة للدولة الإيرانية الحديثة التي كانت تعرف بـ "مملكة فارس" قبل أن يغيّر اسمها الشاه رضا بهلوي في ثلاثينيات القرن الماضي بعد انقلابه على الحكم القاجاري إلى "الدولة الشاهنشاهية الإيرانية"، وذلك بعد إخضاعه المناطق والأقاليم التي كانت تعيش في زمن الأنظمة التي سبقته (القاجارية، الإفشارية، الصفوية) بين الحكم الذاتي واللا مركزية الموسعة، إلى سلطة طهران المباشرة التي اتسمت في عهده بالدكتاتورية المطلقة، والتي أرخى فيها العنان للعنصريين الفرس لممارسة سياسة التمييز العنصري والطائفي ضد أبناء الشعوب والقوميات غير الفارسية، وهو ما دفع أبناء تلك الأقليات إلى مواجهة سياسات رضا خان بهلوي عبر الانتفاضات والثورات الشعبية وحركات التمرد المسلحة، إلا أن تلك الاحتجاجات سرعان ما كانت تخمد نتيجة القمع الشديد الذي كانت تواجهه من قبل الحكومة المركزية التي كانت تحظى بدعم القوى العظمى.
بعد انتصار الثورة الإسلامية شاعت أجواء من التفاؤل بين الشعوب والقوميات الإيرانية، وذلك اعتقاداً منها أن السياسات العنصرية والطائفية التي كانت تمارس ضدها قد ولت وسوف لن يكون لها أثر في عهد النظام الجديد الذي اتخذ من "الإسلام" عنواناً له.
وعلى الرغم مما وعد به قادة النظام الجديد وما حمله دستور الجمهورية الإيرانية من مواد تنص على جزء من الحقوق الثقافية للقوميات؛ إلا أن ذلك لم يلغِ تذمر أبناء الشعوب والقوميات الإيرانية من السياسات التمييزية ضدهم، مستدلين على ذلك بجملة من الوقائع والوثائق التي يعرضونها كدلائل ملموسة على صحة ما يتهمون به نظام الجمهورية الإيرانية الذي لم يطبق المواد الدستورية التي تنص على نبذ التمييز الطائفي والعرقي، والاعتراف بالحقوق الثقافية والقومية للإثنيات الإيرانية، ومنها على وجه التحديد المواد الدستورية رقم 15 و19 و48 التي تنص على أن يتمتع أفراد الشعب الإيراني من أي قومية أو عشيرة كانوا بالمساواة في الحقوق، ولا يعتبر اللون والعنصر أو اللغة وما شابه ذلك سبباً للامتياز، كما لا يجوز التمييز بين مختلف المحافظات والمناطق في مجال استغلال المصادر الطبيعية للثروة والموارد الوطنية العامة، وتنظيم وتقسيم النشاط الاقتصادي في مختلف المحافظات ومناطق البلاد بحيث يوظف في كل منطقة رأس المال والإمكانات الضرورية في حدود حاجاتها واستعدادها للنمو.
وقد نصت المادة 15 من الدستور على حق القوميات الإيرانية بأن تكون لها صحفها ووسائل إعلامها وتدريس آدابها ولغاتها إلى جانب اللغة الرسمية، أي الفارسية، في جميع المراحل الدراسية، إلا أن تلك المواد الدستورية ورغم مضي ربع قرن من عمر الجمهورية الإيرانية، لا تزال مجرد حبر على ورق، علماً أن الوعود بتحقيق تلك المواد الدستورية كانت من أهم الشعارات الانتخابية لحملة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، 1997 - 2005م، الذي ورغم ما حظي به من شعبية طوال مدة رئاسته التي استمرت ثماني سنوات، إلا أنه لم يتمكن من تطبيق تلك المواد المعطلة، وذلك بسبب النفوذ القوي للحركة الشعوبية المتطرفة والمتغلغلة في أحشاء النظام الإيراني بحسب ما يعتقده نشطاء الحركات السياسية لأبناء الشعوب والقوميات غير الفارسية التي تحمّل النظام الإيراني مسئولية ما يحدث أحياناً من احتجاجات وأعمال عنف دامية في أقاليمها ومناطقها، والتي شهدت فيها إيران خلال العقود الماضية وقوع عديد منها، وكان أبرزها قد وقع في أقاليم أذربيجان وبلوشستان والأحواز وكردستان.
ويشكو السنة الإيرانيون عامة من سياسة التمييز ضدهم وهم يتساءلون عن السبب الذي يجعل السلطات الإيرانية تلجأ إلى هذه السياسة رغم أن أهل السنة الذين يقدر عددهم بأكثر من عشرين مليون نسمة لهم مساهمات كبيرة في انتصار الثورة ضد الشاه وقيام النظام الجمهوري الحالي، ولكن مع ذلك نجد أن السنة يعاملون كمواطنين من الدرجة الثالثة؛ فدستور الجمهورية الإيرانية يحرّم على السني تبوّء المناصب العليا في الدولة، كمنصب رئاسة الجمهورية أو رئاسة البرلمان أو قيادة الجيش أو الشرطة أو مجلس الأمن القومي أو الاستخبارات. وقد خلت الحكومات الإيرانية المتعاقبة من وجود أي وزير سني، كما لم يتم تعيين محافظ أو سفير سني واحد طوال العقود الثلاثة تقريباً من عمر الجمهورية الإيرانية. أما أعضاء مجلس الرقابة الدستورية الذين يبلغ عددهم 12 عضواً، فجميعهم من الشيعة وليس فيهم سني واحد. وهناك كثير من الأمثلة الأخرى الدالة على السياسة التمييزية ضد أهل السنة.
يذكر أن أهل السنة في طهران وحدها يبلغ عددهم أكثر من مليون نسمة، غير أنهم محرومون من بناء مسجد واحد، حيث تعارض السلطات الحكومية السماح لهم ببناء مسجد.
في ظل الصخب الإعلامي الذي تطاير من طهران ومن مختلف العواصم الغربية عقب فوز الرئيس الجديد حسن روحاني الذي وصف بأنه "رجل دين معتدل" والذي يعتقد الإعلام الغربي أن يكون مفتاحاً لحلحلة كثير من الأزمات التي تمر بها إيران على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ في ظل هذا الصخب الإعلامي غابت مأساة المئات من السجناء وعشرات المحكومين بالإعدام من أبناء السنة في إيران بمختلف قومياتهم، فقد تزايدت في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد تشكيل حكومة روحاني، هجمة إصدار أحكام الإعدام وتنفيذ الإعدامات بحق الدعاة والنشطاء السياسيين من أهل السنة وعرب الأحواز، وذلك في الوقت الذي كان قد وعد فيه روحاني بأن سياسته ستكون مغايرة لسياسة سلفه أحمدي نجاد، غير أن ما تمخض لحد الآن بالنسبة لممارسة ومواقف حكومته من القوميات غير الفارسية عامة، وأهل السنة خاصة؛ يبعث على التشاؤم؛ فتزامناً مع ذهاب الرئيس روحاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة وإجراء مشاورات مع الإدارة الأمريكية، أصدر المرشد الأعلى للثورة والنظام في إيران "علي خامنئي" أمراً بالإفراج عن المئات من السجناء والمعتقلين السياسيين، وقد أعلن مستشارو روحاني أن الإفراج عن هؤلاء السجناء جاء بناء على اقتراح من الرئيس روحاني، لكن سواء المقترح أو الإفراج لم يشمل أياً من المعتقلين والسجناء السنة أو العرب الأحوازيين، علماً أن هناك أكثر من مائة محكوم بالإعدام من أهل السنة من أكراد وبلوش وعرب قد صادق مجلس القضاء الأعلى على أحكامهم وبعضهم قد تم عزلهم عن سائر السجناء تمهيداً لتنفيذ الأحكام بحقهم، علماً أن من بين هؤلاء المحكومين طلبة علم شرعي ودعاة وحفظة قرآن مشهورين في إيران.. ورغم المناشدات التي قدمها أهالي المحكومين والمناشدات التي تقدم بها زعيم أهل السنة في إيران الشيخ عبد الحميد إسماعيل زهي إلى مرشد الثورة علي خامنئي ورئيس الجمهورية حسن روحاني ورئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني وغيرهم من المراجع والمسئولين في النظام الإيراني؛ إلا أن السلطات الإيرانية لم تعتنِ بهذه النداءات والمناشدات المطالبة بوقف الإعدامات بحق أبناء السنة، بل إن هذه السلطات زادت من وتيرة أحكام الإعدام وتنفيذها بحق عديد من أبناء السنة على مختلف قومياتهم، وذلك في ظل سكوت الرئيس المسمى المعتدل حسن روحاني، وفي ظل سكوت عربي ودولي مخجل.
لقد انتهجت الدولة الإيرانية عبر أنظمتها وحكوماتها المتعاقبة، استخدام الإعدامات وسيلة لإسكات أصوات الشعوب والقوميات المطالبة بحقوقها المشروعة، لكنها فشلت في ذلك.. فهل يستمر الرئيس حسن روحاني على نهج أسلافه في تطبيق سياسة الإعدامات بحق أهل السنة وعرب الأحواز، أم سيكون أفضل منهم؟
صباح الموسوي الأحوازي