معرفة فضل العلم
إن خير ما فكرت فيه العقول الذكية، وأنفس ما شُغلت به الأنفس النقية؛ طلب العلم والاشتغال به، لكثرة فوائده، ووفرة فضائله، ومن ذلك استشهاد الله عز وجل بأهله على أعظم مشهود به وهو التوحيد..
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فإن خير ما فكرت فيه العقول الذكية، وأنفس ما شُغلت به الأنفس النقية؛ طلب العلم والاشتغال به، لكثرة فوائده، ووفرة فضائله، ومن ذلك استشهاد الله عز وجل بأهله على أعظم مشهود به وهو التوحيد، فقال في كتابه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]. ففي هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم، فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء، وقال في شرف العلم لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]. فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: تفسير آل عمران/18).
وقد روي عن قيس بن كثير قال: قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء رضي الله عنه وهو بدمشق، فقال: ما أقدمك يا أخي؟ فقال: حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما جئت لحاجة؟ قال: لا. قال: أما قدمت لتجارة؟ قال: لا، قال: ما جئت إلا في طلب هذا الحديث. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر» (رواه أبو داود (3641)، والترمذي (2682)، وغيرهما، وصححه الألباني). قال ابن حزم رحمه الله: "ولو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به إلا أنه يقطع المشتغل به عن الوساوس المضنية، ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم، وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس، لكان ذلك أعظم داعٍ إليه" (ابن حزم في الأخلاق والسير ص63).
والعلم يرتقي بصاحبه في الدنيا والآخرة، قال الله تبارك وتعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]. وقال الشافعي: "من تعلّم القرآن عظمت قيمته، ومن تكلم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزُل رأيه، ومن لم يَصُن نفسه لم ينفعه علمه" (سير أعلام النبلاء للذهبي 10/24(. وعن أبي العالية قال: كنت آتي ابن عباس، وهو على سريره، وحوله قريش فيأخذ بيدي، فيجلسني معه على السرير، فتغامزني قريش، ففطن لهم ابن عباس، فقال: "كذلك هذا العلم، يزيد الشريف شرفًا، ويجلس المملوك على الأسرّة" (الفقيه والمتفقه، وسير أعلام النبلاء(.
وقد أحسن من قال:
رأيت رفيع الناس من كان عالماً *** وإن لم يكن في قومه بنجيب
إذا حلّ أرضًا عاش فيها بعلمه *** وما عالم في بلدة بغريب
وقال أبو الأسود الدؤلي: "ليس شيء أعز من العلم، الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك". وقال وهب: "يتشعب من العلم الشرف وإن كان صاحبه دنيًّا، والعز وإن كان مهينًا، والقرب وإن كان قصيًّا، والغنى وإن كان فقيرًا، والمهابة وإن كان وضيعا" (تذكرة السامع والمتكلم، ص1). وقد صح عن ربيعة أنه قال: "العلم وسيلة إلى كل فضيلة". وقد قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الزمر: 9]. وقال علي بن أبي طالب: "كفى بالعلم شرفًا أن يدعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نُسب إليه، وكفى بالجهل ذمًّا أن يتبرأ منه من هو فيه" (تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة، ص 10).
ولو لم يكن من فضل الْعِلْم إلا أن الجهّال يهابونك ويجلونك، وأن العلماء يحبونك ويكرمونك؛ لكان ذلك سببًا إلى وجوب طلبه فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة؟! ولو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء ويغبط نظراءه من الجهّال لكان ذلك سبباً إلى وجوب الفرار عنه، فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة؟! (الأخلاق والسير لابن حزم الأندلسي ص 63).
ومن طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة والبر والصدق وكرم العشيرة والصبر والوفاء والأمانة والحلم وصفاء الضمائر وصحة المودة، ومنفعة العلم في استعمال الفضائل عظيمة، وهو أنه يعلم حسن الفضائل فيأتيها ولو في النُدرة، ويعلم قبح الرذائل فيتجنبها ولو في الندرة (المرجع السابق). والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28]. وفي الحديث المتفق عليه من حديث معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن يُرِدِ الله بهِ خيرا يُفَقِّههُ في الدِّين».
من فضائل العلم:
• به يُعرف الله عز وجل، وبه يعبد.
• طلب العلم عبادة.
• يرفع الوضيع، ويعز الذليل، ويجبر الكسير.
• ينتفع به صاحبه، وينتفع به غيره ممن تعلمه.
• به توصل الأرحام، وتؤدى الحقوق.
من مضار الجهل:
• يورد المهالك، ويجلب المصائب.
• المعصية أثر من آثاره، وثمرة من ثماره.
• يضع رفيع النسب، ويذل عزيز القوم.
• يُفسد ولا يُصلح، ويُخرِّب ولا يُعمِّر.
• مرض وبيل، وداء عضال، شفاؤه التعلم والسؤال.
وليد دويدار
- التصنيف:
- المصدر: