الأمراض الجنسية الحصاد الحتمي للإباحية
تعتبر الأمراض الجنسية من أخطر الأمراض وأشدها فتكاً بالإنسان خصوصاً في هذا العصر، حيث تشير آخر التقارير لمنظمة الصحة العالمية أن الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض انتشاراً في العالم، وأنها أهم وأخطر المشاكل الصحية العاجلة التي تواجه دول الغرب، فعدد الإصابات في ارتفاع مستمر في كل الأعمار خصوصاً في مرحلة الشباب
تعتبر الأمراض الجنسية من أخطر الأمراض وأشدها فتكاً بالإنسان خصوصاً في هذا العصر، حيث تشير آخر التقارير لمنظمة الصحة العالمية أن الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض انتشاراً في العالم، وأنها أهم وأخطر المشاكل الصحية العاجلة التي تواجه دول الغرب، فعدد الإصابات في ارتفاع مستمر في كل الأعمار خصوصاً في مرحلة الشباب يقول الدكتور (جولد): لقد حسب أن في كل ثانية يصاب أربعة أشخاص بالأمراض الجنسية في العالم، هذا وفق الإحصائيات المسجلة والتي يقول عنها الدكتور (جورج كوس): إن الحالات المعلن عنها رسمياً لا تتعدى ربع أو عشر العدد الحقيقي (الأمراض الجنسية د. نبيل صبحي الطويل ط.8 مؤسسة الرسالة سنة 1986م).
إن هذه الأمراض تنتشر بين الناس كانتشار النار في الهشيم، ويمكن لشخص واحد يحمل مرضاً واحداً منها أن يحدث وباء في بيئته، وقد أكدت دراسة أجريت في بريطانيا منذ ثلاثين عاماً تقريباً هذه الحقيقة حيث تسبب مصاب واحد بنقل عدوى مرضه الجنسي إلى ألف وستمائة وتسعة وثلاثين شخصاً آخرين، فماذا تُحدث الأعداد الهائلة من المصابين بهذه الأمراض وهم بالملايين من أوبئة كاسحة في تلك المجتمعات؟
إن الآلام والأمراض والدمار والهلاك الشامل هو النتيجة الطبيعية لانتشار هذه الأمراض؛ لذلك قامت عدة منظمات عالمية لمواجهة هذه الأخطار الماحقة كمنظمة الصحة العالمية، والاتحاد العالمي لمكافحة الأمراض الجنسية، وانتهي خبراء هذه المنظمات من وضع قرارات وتوصيات وتحذيرات، ومع كل هذا ظلت المشكلة في ازدياد وتعقيد مستمر سواء في أنواع هذه الأمراض، أو أعداد المصابين بها، بحيث أصبحت أضعافاً مضاعفة، فما هو السبب الحقيقي للانتشار المريع لهذه الأمراض؟ إنه سبب بدهي معروف ضجت به الشكوى، وبحت به الأصوات، واتخذت له إجراءات لكن بدون جدوى.
آثار الفاحشة:
إنه التحلل الخلقي والإباحية المطلقة في العلاقات الجنسية، إنه انتشار الزنا واللواط وسائر العلاقات الجنسية الشاذة والمحرمة، لقد حذر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الوهدة الأخلاقية، وهذا الانحراف السلوكي الشاذ، وبين أن انتشار الفاحشة والاستعلان بها هو سبب انتشار الأوبئة الكاسحة، وتفشي الموت والهلاك بين بني البشر قال عليه الصلاة والسلام: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا» [رواه ابن ماجة]، وقال أيضاً: «ولا فشى الزنى في قوم قط إلا كثر فيهم الموت» [رواه مالك في الموطأ].
فهل فشت الفاحشة من الزنا واللواط في قوم وارتضوها واستعلنوا بها، وهل فشا في مثل هؤلاء القوم أوبئة وأمراض موجعة مستحدثة لم تكن في أسلافهم تودي بهم إلى الهلاك والموت؟
نعم تحقق كل ذلك، هذا ما يقرره غير المسلمين من الأطباء يقول الدكتور كنج في كتابه (الأمراض الزهرية): إن الآمال التي كانت معقودة على وسائلنا الطبية الحديثة في القضاء أو على الأقل الحد من الأمراض الجنسية قد خابت وباءت بالخسران، إن أسباب انتشار هذه الأمراض تكمن في الظروف الاجتماعية، وتغير السلوك الإنساني، فقد انتشرت الإباحية انتشاراً ذريعاً في المجتمعات الغربية، ويقول الدكتور شوفيلد في كتابه (الأمراض الجنسية): "لقد انتشر تساهل المجتمع تجاه كافة الممارسات الجنسية، ولا يوجد أي إحساس بالخجل من الزنا واللواط أو أي علاقة جنسية شاذة أو محرمة، بل إن وسائل الإعلام جعلت من العار على الفتى والفتاة أن يكون محصناً، إن العفة بالنسبة للرجل أو المرأة أصبحت في المجتمعات الغربية مما يندى له جبين المرء ... إن وسائل الإعلام تدعو وتحث على الإباحية باعتبارها أمراً طبيعياً بيولوجياً" (الأمراض الجنسية د. محمد علي البار ط.2 سنة 1986م دار المنارة)، ويرى كثير من الخبراء أن أهم ثلاثة عوامل لانتشار الأمراض الجنسية هي: الإباحية، وانتشار استخدام حبوب الحمل، والمضادات الحيوية.
حجم الجريمة بالأرقام:
هذا ما يقوله خبراؤهم؛ لقد انتشرت الفاحشة بين القوم من الزنا واللواط والشذوذ الجنسي وارتضوها سلوكاً لهم، بل وتفاخروا بها، وأعلنوا عنها، وروجوا لها، وأقاموا لها منتديات ونقابات، وتظاهروا من أجل الحفاظ على مخازيهم فيها، بل وأنشئوا لها الصحف والمجلات ومنابر الإعلام، وأقاموا لها النوادي والشواطئ وقرى العراة؛ لمزيد من الدعاية والإعلان والظهور، لقد كتبت مئات المقالات والكتب والمسرحيات والقصص والأفلام التي تمجد البغاء والعلاقات الجنسية الشاذة، وقد أصبح الجنس ووسائل منع الحمل تدرس للأطفال في المدارس، وكنتيجة لانتشار وظهور الفاحشة والإعلان عنها يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية حسب تقرير نشر في عام 1983م وذلك كمثال: "مليون طفل يعيشون مع أمهاتهم لأنهم لا يعرفون لهم آباء، هذا غير الذين ترعاهم دور الرعاية الاجتماعية، فاللاتي يلدن سفاحاً في سن المراهقة أكثر من مليون امرأة سنوياً حسب إحصائيات 1979 – 1988م هذا غير اللاتي يسقطن وهن بالملايين".
وقد قدرت منظمة الصحة العالمية عدد حالات الإجهاض الجنائي في العالم بخمسة وعشرين مليون طفل عام 1976م، وقد ارتفع الرقم إلى خمسين مليون حالة إجهاض سنوياً في عام 1984م حسب ما نشرته مجلة (التايم) الأمريكية، إن الزواج هناك أمر شكلي، فالخيانة الزوجية حسب تقرير نشر في 1980م يشكل حوالي 75% من الأزواج والزوجات، لذلك فهناك حالة طلاق بين كل حالتي زواج في بريطانيا حسب تقارير نشرت منذ خمسة عشر عاماً، ولكي ندرك حجم انتشار الزنا والإباحية في هذه المجتمعات ننظر إلى من يفترض فيهم أنهم يعلمونهم العفة، ويتسامون بأخلاقهم، ففي إحصائيات نشرتها (الديلي ميل) 1870م أن ما يقرب من 80% من الرهبان والراهبات ورجال الكنيسة يمارسون الزنا، وأن ما يقرب من 40% منهم يمارسون الشذوذ الجنسي أيضاً، بل قد أباحت كثير من الكنائس الغربية الزنا واللواط، بل يتم عقد قران الرجل على الرجل على يد القسيس في بعض كنائس الولايات المتحدة (الأمراض الجنسية عقوبة إلهية د. عبد الحميد القضاة ط.8 دار النشر الطبية لندن 1985م).
لقد انتشر الشذوذ الجنسي انتشاراً ذريعاً في المجتمعات الغربية، وقد سنت الدول الغربية قوانين تبيح الزنا والشذوذ طالما كان بين بالغين دون إكراه، وتكونت آلاف الجمعيات والنوادي التي ترعى شئون الشاذين جنسياً، وتقول دائرة المعارف البريطانية: إن الشاذين جنسياً خرجوا من دائرتهم السرية إلى الدائرة العلنية، وأصبح لهم نواديهم وباراتهم، وحدائقهم وسواحلهم، ومسابحهم وحتى مراحيضهم، وتقدر الإحصائيات عدد الشاذين في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من خمسة عشر عاماً بحوالي 20 مليوناً من الشواذ، ومما زاد الطين بلة اعتراف الكنيسة بمثل هذه الممارسات الشاذة من الزنا واللواط، فقد اعترفت رسميا بأن المخاللة والمخادنة أمر لا تعترض عليه الكنيسة حتى قال أحد الكرادلة في بريطانيا: إن الكنيسة الإنجليكانية ستعترف عما قريب بالشذوذ الجنسي، وأنه لا يمانع شخصياً أن يصير الشاذ قسيساً وذلك بعد هجوم شنته مجلة لوطية تصدر في بريطانيا على الدين المسيحي لأنه يحرم الشذوذ الجنسي.
لقد تحقق شرط شيوع الفاحشة وانتشارها وظهورها الذي حدده محمد صلى الله عليه وسلم في أول حديث: "ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها..." فهل تحقق جواب الشرط؟
نعم لقد ظهرت فيهم الأمراض الجنسية في صورة وبائية سببت لهم من الآلام والأوجاع الشيء الكثير، فقد شهد العالم موجات كاسحة من انتشار وباء الزهري على فترات منذ أن ظهر لأول مرة عام 1494م، وقد قضى على مئات الملايين من الأشخاص في القرون الخمسة الماضية، وحطم حياة ملايين أخرى منهم، انظروا إلى جرثومته التي لا ترى بالعين المجردة، إنها جرثومة دقيقة ضعيفة، لكنها قاتلة خطيرة، تهاجم جميع أعضاء الجسم، وفي غفلة من الضحية تدمره، وتقضي عليه بعد رحلة طويلة من الآلام والأوجاع التي لم يعهدها الناس وقتئذ، وما سمعوا بها، وبرغم اكتشاف المضادات الحيوية فما زال المرض يزداد وينتشر إذ يصاب سنوياً حوالي خمسين مليوناً من البشر بهذا المرض.
فاعلية الخلايا البائية والتائية:
ويتصدر مرض السيلان قائمة الأمراض المعدية، فهو أكثر الأمراض الجنسية شيوعاً في العالم؛ إذ يتراوح الرقم المثبت في الإحصائيات حوالي 250 مليون مصاب سنوياً، وهذا لا يمثل الحقيقة لأن عدد الحالات المبلغ بها والواردة في الإحصائيات تمثل من عشر إلى ربع الرقم الحقيقي، وبرغم هجوم ميكروب السيلان الدقيق على جميع أعضاء الجسم، وتسببه في الالتهابات والعلل والآلام للمصاب؛ إلا أن أخطر آثاره هو قطع نسل الضحية، لذلك يسمى هذا المرض بالمعقم الأكبر، وهكذا كل الأمراض الجنسية الهربس: القرحة، الرخوة، الورم البلغمي الحبيبي التناسلي، الورم الحبيبي المغبني، ثنائي التناسل، المليساء المعدية، التهاب الكبد الفيروسي، إلى غير ذلك من فطريات وطفيليات الجهاز التناسلي التي تصيب ملايين الناس، وبرغم الآلام التي تسببها هذه الأمراض، وارتفاع معدلات الموت بسببها؛ إلا أن انتشار الإباحية والشذوذ قد ارتضاه القوم منهج حياة لهم فسنوا له القوانين التي تبيحه وتحميه، فأرسل الله عليهم مرضاً من هذه الأمراض يعتبر بحق طاعوناً فتاكاً، والحقيقة أنه ليس مرضاً واحداً ولكنه عدة أعراض متزامنة، وأمراض مختلفة، وسرطانات عديدة لذلك يسمى بمتلازمة العوز المناعي أو الإيدز. الرعب القاتل الذي أقض مضاجع الزناة واللوطيين، وأصبح سيفاً مسلطاً على رقابهم يحصدهم حصداً إلى الجحيم.
إن هذا الوباء الكاسح كان جزاءاً وفاقاً لظهور الإباحية وانتشار الفاحشة وإعلانها، فما هو ذلك الوباء الذي اجتاح الهلع منه والرعب دول العالم أجمع وعلى الأخص الدول الغربية؟ إنه طاعون العصر للذين استعلنوا بالفاحشة وغرقوا في أوحال الرذيلة.
إنه الإيدز المرض الذي يسببه فيروس ضئيل لا يرى إلا بعد تكبيره مئات الآلاف من المرات بالمجهر الإلكتروني، إن فيروس الإيدز من مجموعة الفيروسات المنعكسة Retroviruses والتي هي من أصغر الكائنات الدقيقة المعروفة لدينا، ولها قدرة عجيبة في استعمار الخلايا الحية، والتكاثر فيها بواسطة التحكم في أسرار الجينات الموجودة في الخلايا.
شكل الفيروس:
ويهاجم فيروس الإيدز الخلايا اللمفاوية المساعدة T4 التي تمثل العمود الفقري والعقل المدبر لجهاز المناعة عند الإنسان فيتكاثر فيها ويدمرها (الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهية د. محمد علي البار ط.1 دار المنارة 1996)، ومن ثم يدمر هذا الإنسان ويهلكه لذلك يسمى بمرض نقص المناعة المكتسبة، ولفهم هذا الأمر لابد من إلقاء ضوء سريع على جهاز المناعة.
لقد حبى الله الجسم الإنساني بوسائل دفاعية نشطة لصد هجمات الغزاة المعتدين عليه، ويقوم بهذه المهمة كرات الدم البيضاء، وهي أنواع عديدة:
النوع الأول: هو الخلايا اللمفاوية، وتوجد في الدم والغدد اللمفاوية، والكبد والطحال ونخاع العظام الحمراء، وتنقسم هذه الخلايا إلى قسمين: الخلايا البائية B. CELLS وهي خلايا متخصصة في صنع القذائف المضادة لأنواع الميكروبات المختلفة وهي ما تسمى بمضادات الأجسام Antibodies.
والنوع الثاني: من الخلايا اللمفاوية هي الخلايا التائية T. Cells وهي اثنا عشر صنفاً على الأقل لكل منها ميزة خاصة ووظيفة محددة، فمنها من تتحول عندما تعلم بوجود العدو إلى خلايا مقاتلة تندفع في مجري الدم إلى الخلايا المصابة حيث العدو فتقوم بمهاجمته والالتحام معه في قتال ضار وشرس حتى تتمكن من القضاء عليه، ومنها الخلايا المساعـدة Helper cells T4، ومنهـا الخـلايا المثبطـة Supresive T.cells التي تمنع الخلايا المقاتلة وتثبطها من استمرار نشاطها الانتحاري بعد انتهاء المعركة، والقضاء على الغازي، كما تثبط الخلايا البائية لتحد من إنتاج الأجسام المضادة، والوظيفة الرئيسية للخلايا البائية والتائية هي القضاء على الفيروسات والطفيليات، والفطريات والجراثيم والخلايا السرطانية، وتشكل الخلايا التائية من 60% إلى 80% من مجموع الخلايا اللمفاوية في الدم، بينما تشكل الخلايا البائية من 10% إلى 20% منها، ثم يقوم بعد ذلك النوع الثاني من خلايا الدم البيضاء ببلع الأعداء، وكنس ميدان المعركة وتصفيته من الجثث المختلفة انظر شكل.
ماذا يحدث في مرض فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز)؟
يتركز هجوم فيروس الإيدز على الخلايا المساعدة فيشل حركتها، ويتكاثر فيها بعد فك رموز أسرار جيناتها، ثم يدمرها وتخرج منها أعداد هائلة من الفيروسات تهاجم خلايا جديدة، كما تقوم أعداد هائلة من الخلايا المساعدة السليمة بالانتحار حينما يأتيها الخبر بأن هذا الفيروس دخل إلى واحدة منهن، ويتوالى تثبيط آليات الدفاع في جهاز المناعة حتى تنهار وسائل الدفاع تماماً (الإيدز حصاد الشذوذ د. عبد الحميد القضاة ط.2 دار النشر الطبية لندن) وعندئذ تشن الكائنات الدقيقة من الميكروبات المختلفة - المتطفلة على الإنسان والغازية له من الخارج - القوي منها والضعيف هجوماً كاسحاً على الجسم فتقضي عليه بعد أن يصاب بالتهابات رئوية طفيلية وفطرية حادة مع إسهال شديد شبيه بالكوليرا وفقدان وزنه، وتحوله إلى هيكل عظمي مع تضخم كبير في الطحال والغدد اللمفاوية، وإصابته بأورام سرطانية وأمراض جلدية عديدة، ولا يترك هذا الفيروس أي مكان في الجسد إلا أصابه حتى الجهاز العصبي والمخ فيصاب المريض بالتشتت العقلي، والإحباط والكآبة، ثم الاختلال العقلي والجنون في المراحل المتأخرة، بالإضافة إلى التهابات الدماغ والنخاع الشوكي والسحائي، والذي يؤدي إلى الشلل وأحياناً إلى العمى، ثم ينتهي المريض إلى الموت والهلاك.
وهذا المرض كما هو معروف ينتشر بصورة أكبر بين الشواذ اللوطيين والزناة المحترفين، والمتعاطين للخمور والمخدرات، وكل من وقع في حمأة الرذيلة في بلاد القوم الذين ارتضوا الفاحشة واستعلنوا بها، هذا وقد وقف الأطباء والباحثون عاجزين أمام هذا المرض المدمر لا يجدون له دواء أو علاجاً، لأنه يغير من خواصه باستمرار، وهو كل يوم في ازدياد وانتشار، وقد صنف الفيروس الموجود حالياً وفق ثماني أو تسع مجموعات كبيرة نتيجة للتحول الوراثي، وقد بدأ بعدة حالات في أمريكا وأوروبا ووسط أفريقيا وشرق آسيا حيث تنتشر الإباحية حتى قررت منظمة الصحة العالمية في نهاية عام 1993م عدد حاملي فيروس الإيدز في العالم بخمسة عشر مليوناً.
هذا وقد وصلت حالات الإصابة بفيروس المرض في العالم اليوم إلى 18مليون، ومتوقع له أن يصل إلى أربعين مليوناً في نهاية هذا القرن (إيدز د. محمد صادق صبور ط.3 1993م. مركز الأهرام للترجمة والنشر)، وقد قدرت منظمة الصحة العالمية عدد الذين لاقوا حتفهم بسبب فيروس الإيدز منذ ظهوره عام 1981م وحتى نهاية عام 2000م بمليون وسبعمائة ألف إنسان. هذا هو الطاعون المدمر والوباء الكاسح، والذي يعاني المريض فيه من الآلام والأوجاع لمدة سنوات قبل أن يقضي نحبه، هذا علاوة على الآلام النفسية المدمرة للمريض بعد نبذه من أقرب الناس إليه، بل والهروب منه، والهلع حتى من جثته بعد موته.
إن هذا المرض لم يسمع به أحد من قبل، فلم يسبق أن اكتشف فيروس هذا المرض، ولا عرفت أعراضه قبل عام 1981م حيث اكتشف المرض ثم الفيروس المسبب له عام 1984م، إلا أن هذا المرض وأمثاله هو عقوبة إلهية لمن انتكست فطرهم من الخلق فاستبدلوا بالعفة والطهارة فواحش السلوك المحرم من الزنا واللواط، واستعلنوا بتلك الفواحش إباحة ورضى وتفاخراً؟ أليس ذلك هو عين ما أخبر عنه نبي الإسلام منذ أربعة عشر قرناً من الزمان: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا»، وفي الحديث الآخر «ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت».
دلالة صدق الإسلام:
لقد أشارت هذه الأحاديث إلى حقيقة هامة وهي أن هذا الأمر سنة جارية، ونظام لا يتخلف في أي قوم قط من أي دين أو جنس أو بلد، طالما ظهرت وكثرت فيهم الفاحشة، واستعلنوا بها واستمرؤوها، ظهرت فيهم الأوبئة والأوجاع الجديدة التي لم تبتل بها الأجيال قبلهم، والذي يؤكد هذه الحقيقة طبيعة الأمراض التي تنتقل عن طريق الزنا واللواط، فهي أمراض تسببها جراثيم ذات طبيعة خاصة فهي لا تصيب إلا الإنسان، ولا تنتقل إليه إلا عن طريق الجنس، ولهذه الجراثيم مقدرة عجيبة في اختراق جلد الأعضاء التناسلية والشفاه، وتصل الإصابة بها إلى عمق الأجهزة التناسلية، بل وإلى عموم الجسم، ولا يوجد لهذه الجراثيم أمصال تقي الجسم من أخطارها، ولا يكون الجسم منها مناعة طبيعية، لأن هذه الجراثيم تغير خواصها باستمرار مما يجعلها مستعصية العلاج، والجسم غير قادر على مقاومتها، ومن الممكن أن تظهر بصور وصفات جديدة في المستقبل، وهذا يؤكد أن المزيد من هذه الأوبئة الكاسحة والأوجاع المميتة ما زالت تنتظر الشاردين عن نداءات الفطرة وتعاليم السماء أليس هذا دليلاً إضافياً على أن محمداً رسول الله حقاً لا ينطق إلا صدقاً، ولا يتكلم إلا بنور الله ووحيه قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ . عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ} [النجم:3-5].
فالحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والحمد لله الذي منَّ علينا برسول من أنفسنا ليعلمنا الكتاب والحكمة، ويزكي نفوسنا بمنهج خالقنا طهراً وعفافاً قال تعالى: {لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مّبِينٍ} [آل عمران:64].
إن البشرية كلها ستظل في تيه وضلال واضح بيِّن ما لم تجلس إلى هذا النبي صلى الله عليه وسلم لتتعلم منه آيات الكتاب والحكمة، متبعة شريعته، ومقومة سلوكها، ومزكية نفوسها بتعليماته وتوجيهاته.
إن الإسلام العظيم وهو الدين الخاتم للبشرية جميعاً قد وضع نهجاً واضحاً لحماية الإنسان وصحته من أخطار الأمراض الجنسية المدمرة، والذي يتمثل في كلمتين: العفة والإحصان، وتتمثل العفة في طهارة القلب من وساوس الشهوات وذلك بتعميق الإيمان، وتقوى الله ومراقبته، والبعد عن المثيرات بغض البصر عن المحرمات، والاختلاط بالنساء، وحفظ النساء لأنفسهن من التبرج، والاختلاط بالرجال، والخضوع بالقول، والبعد عن أماكن اللهو والعبث قال تعالى: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَىَ لَهُمْ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنّ} [النور:30].
ويتمثل الإحصان بالزواج وذلك بتيسيره للناس، انظروا إلى نور الوحي في توجيهات النبي: «النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني»، «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»، «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
الحل الإسلامي:
إن علاج مشكلة الأمراض الجنسية وأوبئتها الفتاكة بالبشر لن يتغلب عليها إلا بالتزام تعاليم الإسلام:
1- الذي حرم الزنا والبغاء العلني والسري، وأمر بتطبيق حدود الله على الزناة والقوادين واللوطية والشاذين جنسياً.
2- وحرم الخمور والمخدرات، ومنع بيعها وصناعتها، وأمر بتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية على المفسدين.
3- وأمر بنشر الوعي الديني والصحي، وتعميق الإيمان في نفوس الناس.
4- وأمر بوضع برامج إعلامية هادفة، وحارب وسائل الإعلام التي تشيع الفاحشة في المجتمعات.
5- ونظم عمل المرأة، ومنع اختلاطها بالرجال في المكاتب والمصانع، وحث المرأة للعودة إلى بيتها، ووفر لها الحياة الكريمة أماً وأختاً وبنتاً وزوجة.
6- ونظم سفر العاملين خارج أوطانهم، وحل مشكلة اصطحاب أسرهم معهم.
7- ومنع التعليم المختلط والتبرج والسفور، وهذه كلها هي أسباب الإباحية وشيوع الفاحشة، وبغير القضاء عليها ستظل الأوبئة والأمراض الموجعة والمهلكة تفتك بالبشر في كل مكان تتحقق فيه هذه السنن، واليوم يظهر الإيدز الكابوس القاتل والجاثم على صدور المنحرفين، وغداً يظهر ما هو أشد منه طالما ظل الناس سادرين في غيهم، مستثمرين العلم الحديث وإمكاناته الهائلة في نشر هذا الفساد، وتزيينه للناس، بل ومحاولة قهر الآخرين عليه في المستقبل القريب كما هو ظاهر في مؤتمراتهم الأخيرة عن السكان والمرأة، ولكن: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَىَ اللّهُ إِلاّ أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32]، وستدور الدائرة عليهم: {وَسَيَعْلَمْ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227].
كلمة أخيرة للمسلمين في شتي بقاع الأرض:
اسمعوا كلام نبيكم صلى الله عليه وسلم، واتبعوا هديه: «تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي عضوا عليها بالنواجذ» دينكم دينكم فإنه طوق النجاة لكم في الدنيا والآخرة قال تعالى: {فَاتّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الألْبَابِ الّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً . رّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيّنَاتٍ لّيُخْرِجَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ} [الطلاق:10-11]. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عبد الجواد الصاوي
- التصنيف:
- المصدر: