في مدح الأنقياء الأخفياء

منذ 2013-12-24

كان الجو شديد البرودة والشوارع شبه خالية ولكن قلبه الحيّ كان يَنبض بأحاسيس تشعره بالدفء.

دق جرس الباب ثم ابتعد قليلا كعادته، فتحت الابنة الكبرى، سلّم بصوته الدافئ المميز وسأل عن والدتها، جاءت الأرملة مُرَّحِبة وفي يدها باقي الأطفال، نزل على ركبتيه كعادته واحتضنهم ومسح على رؤسهم الصغيرة، أعطاهم أكياس الحلوى وبعض الملابس البسيطة التي استطاع إحضارها، حَمَل الأطفال بضاعتهم الثمينة وذهبوا للداخل ليعيشوا لحظاتٍ من السعادة والفرحة الحقيقية.

أخبر الأم أنه قد دفع إيجار الثلاثة أشهر السابقة وأنه يعتذر عن التأخير لوجود بعض الظروف الطارئة، شكرته كثيراً فشعر بالخجل الشديد كعادته واستأذن وانصرف. لم يرد أن يُحَدِثها عن تجارته المتعثرة ولا عن ظروفه المادية الصعبة، فقد تعهد أمام الله أنه سيكفلهم ولاذنب لهم ويكفيهم ماهم فيه، كان الجو شديد البرودة والشوارع شبه خالية ولكن قلبه الحيّ كان يَنبض بأحاسيس تشعره بالدفء.

ركب في سيارته ونظر في المرآة للحظات، شعر بسعادة وسكينة وهدوء، ثم ابتسم ونظر لرف السيارة الخالي من النظارة الشمسية الغالية ونظر لمعصم يده الخالي من الساعة الثمينة، ياله من ثمن بسيط للحظات من السعادة الحقيقية والفرحة الصادقة!

وصل بيته وقبل أن يصعد كان قد خلع ثوب البطل الأسطوري وبدا من بعيد كشخص عادي تماماً يسير بين الناس ببساطة وهدوء، يجهله معظم أهل الأرض ولكنه معروف تماماً عند خالقه الذي صنعه على عينه، ورزقه من رحمته، واختصه بأن يكون من صانعي الفرحة. وكذلك يعرفه أهل السماء؛ يحبونه ويدعون له ويستغفرون له وينتظرون لقاءه بشوق هناك؛ حيث السعادة الدائمة والنعيم المقيم، هناك حيث لا هم ولا حزن بعد اليوم.

في مدح الأنقياء الأخفياء، المجهولين في الأرض المعروفين في السماء.

_____________
وسام الشاذلي

المصدر: صفحة الكاتب على فيس بوك
  • 1
  • 0
  • 3,008

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً