التداوي
محمد سلامة الغنيمي
لقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالتداوي، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء»
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
شرع الله سبحانه وتعالى التداوي، قال تعالى عن العسل: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69]، كما رفع سبحانه عن المريض الحرج، قال تعالى: {وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61]، وقد رخص سبحانه وتعالى للمريض بعض التكاليف لتخفيف المرض عليه والتحرز عن شدته، فقد رخص للمريض التيمم عوضاً عن الماء إذا كان في الماء أذى له، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 43]، كما رخص للمريض الإفطار في رمضان والقضاء بعد تماثله للشفاء، قال تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، وأما المريض الذي لا يرجى برؤه، فقد رخص له الفطر على أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، كما رخص للمريض حلق رأسه في الإحرام لدفع الأذى، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].
كما أن التداوي من باب الأخذ بالأسباب، والأخذ بالأسباب منصوص عليه في القرآن الكريم، كقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102]، وقال تعالى: {فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ} [يوسف: 47]. لذلك فمن أصابه داء وعرف دوائه ولم يأخذ به، فهو مخالف لكتاب الله، لأنه بذلك يلقي بنفسه للتهلكة، وقد قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].
ولقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالتداوي، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء» (1)، وعن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل» (2).
وقد ثبتت مسئولية الوالد عن ولده، لذلك فعلى الوالد أن يداوي ولده بما هو متاح أمامه من سبل العلاج، ولا يتوانى في ذلك ولا يقصر في الأخذ بالأسباب، حتى لا تعرض أبنائنا لخطر الأمراض منذ الصغر، خاصة في عصرنا هذا، مع انتشار الأمراض بسبب التلوث الغذائي والبيئي، فالجهاز المناعي لدى الأطفال يكون أقل مقاومة للأمراض من الكبار، فإذا ظهر أي من أعراض الأمراض فينبغي الإسراع بالطفل إلى المختصين لإجراء الفحوصات وعمل اللازم، وننصح بقراءة كتاب الطب النبوي للعلامة (ابن القيم)، فهو كتاب ماتع ومفيد جداً في هذا الباب.
قال الإمام بن القيم: "أما مرض الأبدان، فقال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61، الفتح: 17]، وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسر بديع يبين لك عظمه القرآن، والاستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه. وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة: (حفظ الصحة)، (والحمية عن المؤذى)، (استفراغ المواد الفاسدة)، فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة، في هذه المواضع الثلاثة، فقال في آية الصوم: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، فأباح الفطر للمريض، لعذر المرض وللمسافر، طالباً لحفظ صحته وقوته، لئلا يذهبها الصوم في السفر، لاجتماع شدة الحركة، وما يوجبه من التحليل، وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل فتخور القوة وتضعف، فأباح للمسافر الفطر، حفظاً لصحته وقوته عما يضعفها، وقال في آية الحج: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه من قمل أو حكة أو غيرهما أن يحلق رأسه في الإحرام، استفراغاً لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه، باحتقانها تحت الشعر، فإذا حلق رأسه تفتحت المسام، فخرجت تلك الأبخره منها، فهذا الاستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه.
والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة: (الدم إذا هاج)، و(المني إذا تبيغ (تهيج))، و(البول)، و(الغائط)، و(الريح) و(القيء)، و(العطاس)، و(النوم) و(الجوع) و(العطش)، وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه، وقد نبه سبحانه استفراغ أدناها وهو: البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه، كما هي طريقه القرآن؛ التنبيه بالأذى على الأعلى.
وأما الحمية: فقال تعالى في آية الوضوء: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب، حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه، وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج".
(1) البخاري (5678)، وابن ماجة (3439).
(2) مسلم (2204)، والترمذي (2080)، وأبو داود (3891)، وابن ماجة (3522).