إحنا اللي بنحاسب على المشاريب
الموضوع وبكل بساطة: التقيت بأحد أحبابي وهو إمام بالأوقاف ومن طلاب العلم المجتهدين، وجدته مهموماً فسألته، فقال بكل صراحة ووضوح: "إحنا اللي بنحاسب على المشاريب"
بداية: أعتذر للقراء الكرام إذا لم يرق عنوان المقال للبعض.
ولكنني في الحقيقة، أحببت أن يكون هذا المقال من القلب عسى أن يمس القلوب.
الموضوع وبكل بساطة: التقيت بأحد أحبابي وهو إمام بالأوقاف ومن طلاب العلم المجتهدين، وجدته مهموماً فسألته، فقال بكل صراحة ووضوح: "إحنا اللي بنحاسب على المشاريب" فقلت له: "بمعنى؟"
قال: "كوننا على منهج أهل السنة، وظاهرنا يوحي بهذا، وكوننا دعاة ولا ننتمي لحزب أو جماعة، وإنما ننصر كل قضايا المسلمين. فالمجتمع أصبح ينظر لنا نظرة عجيبة، يقتص منا نحن مع أول غضبة يغضبها من أي فصيل إسلامي. بمعنى: لو غضب الناس من الإخوان شتمونا و ضايقونا على أننا منهم بسبب تعاطفنا، ولو غضب الناس على السلفيين اعتبرونا منهم أيضاً، فنلنا نصيبنا الأوفر من الاستهزاء. والعجيب أن الإخوان والسلفيين لو تشابكوا، اعتبرنا كل فصيل مع الخصم فنلنا نصيبنا الأوفر من الفريقين، بدافع أن من ليس معي فهو ضدي. هذا بجانب مواقف مختلفة لأصحاب أفكار أخرى نختلف معهم كالتكفيريين أو على عكسهم أهل الإرجاء وتمييع الدين".
وللإيضاح: فكلمة نحاسب على المشاريب تطلق في مصر على من يدفع حساب المشروبات لكل الجالسين في أحد المقاهي مختاراً أو محرجاً.
قلت: أخي الفاضل: نحن لا نحاسب على المشاريب، فأجرنا إن شاء الله مضمون إذا أخلصنا لله العمل وكنا متبعين فيه لسنة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإياك أن تحزن.
إياك والحزن أو الاستسلام، فالصبر على الحق والتواصي به والاستمساك بصراط الله المستقيم في الدنيا يورث المرور على الصراط في الآخرة دون تعب وعناء إن شاء الله.
ألم تر إلى الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف؟ وهو بين الجنة والنار؟ وهكذا الصراط المستقيم لمن ثبت عليه في الدنيا دقيق جداً، طريق يعبر بك من الباطل إلى الحق، ومن الجهل إلى العلم ومن الظلمات إلى النور.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200].
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} قال الحسن: اصبروا على دينكم ولا تدعوه لشدة ولا رخاء. وقال قتادة: اصبروا على طاعة الله. وقال الضحاك ومقاتل بن سليمان: على أمر الله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «».
{وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قال بعض أرباب اللسان: اصبروا على النعماء، وصابروا على البأساء والضراء، ورابطوا في دار الأعداء، واتقوا إله الأرض والسماء لعلكم تفلحون في دار البقاء.
و أزف إليك يا من استقمت على صراط الله هذه البشرى العظيمة:
جزاء الاستقامة (1) :
استقامة المسلم في هذه الحياة له جزاء من الله عز وجل، وهذا الجزاء أثر ناتج عن اتباع الاستقامة، ويتضح ذلك في الآيتين الكريمتين، قال الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَـزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30]. قال ابن جرير في تفسيره أي "إن الذين قالوا ربنا الله، وحده لا شريك له، وبرئوا من الآلهة والأنداد -ثم استقاموا- على توحيد الله،ولم يخلطوا توحيد الله بشرك غيره به، وانتهوا إلى طاعته فيما أمر به ونهى، تتهبط عليهم الملائكة عند نزول الموت بهم".
قال البيضاوي في تفسيره لهذه الآية: "فما يعن لهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن، أو عند الموت أو الخروج من القبر". وهذه الآية هي وعد للمؤمنين وعد بالآثار الطيبة والجوائز الربانية من الله عز وجل، وكلما كان المرء أشد استعداداً كان أسرع فوزاً بفضل الله تعالى.
وقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: "أي اعترفوا ونطقوا، ورضوا بربوبية الله تعالى، واستسلموا لأمره، ثم استقاموا على الصراط المستقيم علماً وعملاً، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة".
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف:13-14].
قال ابن جرير في تفسيره "إن الذين قالوا ربنا الله الذي لا إله غيره، ثم استقاموا على تصديقهم بذلك، فلم يخلطوه بشرك، ولم يخالفوا الله في أمره ونهيه، فلا خوف عليهم من فزع يوم القيامة وأهواله، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم بعد مماتهم".
وقال ابن عطية، في تفسير هذه الآية: "إن الله عز وجل أخبر عن حسن حال المسلمين، ورفع عنهم الخوف والحزن؛ لأنهم استقاموا بالطاعات، والأعمال الصالحة".
فهذا أثر واضح للاستقامة، فالذين استقاموا بالأعمال الصالحة والطاعات، حالهم تكون حسنة، ويرفع عنهم الخوف والحزن.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: "أي إن الذين أقروا بربهم، وشهدوا بالوحدانية، والتزموا طاعته وداومواعلى ذلك، ثم استقاموا مدة حياتهم، فلا خوف عليهم من كل شر أمامهم، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم، أولئك أصحاب الجنة: أي أهلها الملازمون لها، الذين لا يبغون عنها حولاً ولا يريدون بها بدلاً، {خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من الإيمان بالله، المقتضي للأعمال الصالحة التي استقاموا عليها".
وبذلك يتضح أن من جزاء الاستقامة ونتائجها الحسنة ما يلي:
تنزل الملائكة، عدم الخوف، عدم الحزن، الجنة؛ وهذه آثار عظيمة وفوائد جليلة من أثر الاستقامة.
وأخيراً، ثبتني الله وإياكم على صراطه المستقيم، وسهل لنا المرور على الصراط يوم لا ينفع مال ولا بنون.
(1) مجلة البحوث الإسلامية: الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، بحث بعنوان: الاستقامة في التربية الإسلامية وأثرها في تحصين الشباب.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: