توقف عن المقارنات

منذ 2014-01-01

"أتمنى لو أن زوجي يقضي مزيدًا من الوقت مع أولادنا كما يفعل زوج فلانة" هذا قول إحدى الزوجات، وكأنها تريد أن تقول أن زوجها لا يحب أولاده ولا يضعهم في أولوياته، كما يفعل الزوج الآخر. هذه المقارنات يمكنها أن تتسبب في إثارة غضب العديد من الأزواج، وقد تكون هذه الحادثة بداية النهاية لعلاقة الصداقة بينهما.


"أتمنى لو أن زوجي يقضي مزيدًا من الوقت مع أولادنا كما يفعل زوج فلانة" هذا قول إحدى الزوجات، وكأنها تريد أن تقول أن زوجها لا يحب أولاده ولا يضعهم في أولوياته، كما يفعل الزوج الآخر. هذه المقارنات يمكنها أن تتسبب في إثارة غضب العديد من الأزواج، وقد تكون هذه الحادثة بداية النهاية لعلاقة الصداقة بينهما.

إنها بداية المشاكل:
عندما تبدأ بالمقارنة بين إنسان تحبه وبين شخص آخر، فأنت قد فتحت الأبواب للمشاكل المحتمل وقوعها، ولو فكرت في ذلك لوجدت أن الأمر معقول؛ لأن كل منا يريد أن يكون محبوبا لدى الآخرين كما هو عليه، وإنه لأمر يدفع للشعور بالإهانة أن نفكر أن شريك حياتنا يتمنى لو أننا كنا نشبه أحدا آخر. إن قيامك بالمقارنة بين شريك حياتك وبين شخص آخر لن تتسبب في تحطيم علاقتك، إلا أن المقارنة تعد أحد تلك الأمور التي ليس لها أي جانب مشرق في العلاقة بين الطرفين.

نوع من عدم الرضا:
عندما يقوم شريك حياتك بمقارنتك مع شخص آخر، فهو يعبر بذلك عن عدم رضاء مؤقت في مشاعره فقط، وبالتالي فإن شريك الحياة عندما يتم مقارنته مع شخص آخر لن يكون سعيدا بذلك.

ما الفائدة من المقارنة؟
إن المقارنة بين الأزواج لا فائدة من ورائها، إلا عندما يكون القصد منها التعرف على الأخطاء، والسعي لمعالجتها وتوفير حياة كريمة، أما إذا كانت المقارنة لفرض سلوك معين في علاقة المرأة بزوجها، فهذا لن يؤتي ثماره، فكم من أزواج تعكرت حياتهم بسبب هذه المقارنات العقيمة.

من هنا تبدأ الحكاية:
منذ الصغر تتلقى فتياتنا مفاهيم وتصورات ومقاييس ومواصفات لفارس الأحلام تجعله أقرب إلى رفيق في الجنة لا زوج في الدنيا، ويتوقعن أن يعشن في عالم وردي يملؤه الحب مع زوج صالح يمثل ينبوعًا لا ينضب من الحب والحنان والرحمة والوسامة والغنى. وتأتي وسائل الإعلام لتؤكد هذه الصورة الوردية بالروايات والقصص الرومانسية فتكتشف الزوجة القابعة في بيتها أو العاملة في وظيفتها أن زوجها لا يحبها ولا يسمعها معسول الكلام كما يفعل الممثل (س) وأنه لا يغمرها بمدد لا ينقطع من العواطف وسكن دافئ وأحضان وأمان لا تنفذ. فهي تريد زوجًا يعطف ويجامل، يحب ويعفو، يعطي ولا يمن.

ولأن الحياة دائمًا ليست مثالية والأزواج بشر يصيبون ويخطئون يحبون ويسأمون ويملون، يعطفون ويغضبون تبدأ الزوجة في مقارنة زوجها بالزوج المثالي الذي تحتفظ به في خيالها، فإذا اختلطت بغيرها من الزوجات وسمعت منهن -صدقًا أو رياءً- ما يطابق بعض تلك الصفات بدأت تقارن زوجها بهؤلاء الأزواج وتلوم حظها العاثر وربما تحسد هؤلاء الزوجات اللائي يتمتعن بأزواج مثاليين أو تحقد عليهن. وللإنصاف فقد لا تكون المقارنة مبعثها خيال الزوجة بل تقصير الزوج، فالفتاة التي تنشأ في بيت يقوم فيه والدها بكل مسؤوليات الزوج ثم تفاجأ بعد زواجها بأن عليها أن تربي الأولاد وتنفق على البيت هل يلومها أحد إذا قارنت بين والدها وزوجها؟!

الرجال أيضًا يقارنون:
المقارنة لا تقتصر على النساء فقط فالرجال يميلون إلى مقارنة زوجاتهم بغيرهن لكن الرجل لا يحب أن يكون مجال مقارنة مع أحد مهما كانت الأسباب، ولكنه لا يحاول التغيير ليبدو كمن قورن به إرضاءً لزوجته.. أما مقارنة الرجال بين زوجاتهم وغيرهن من النساء كالأم مثلًا أو الأخت، وأحيانًا بمن يرى على شاشات الفضائيات فهذا يؤثر سلبيًا على نفسية المرأة، فهي بطبيعتها عاطفية تحب أن تكون متميزة وتكره أن تقارن بغيرها.. لكن قد تستجيب المرأة بعكس الرجل وتعمد إلى التطوير نحو الأفضل لتبدو أمام الزوج أحسن حالًا خاصة ما يتعلق بالجمال والمظهر.

المقارنة شرخ في بيت الزوجية:
ونؤكد على عدم وضع الزوج في قائمة المقارنة مع أزواج القريبات والصديقات لا سيما أن المقارنة تفضي في كثير من الأحيان إلى عدم الرضا بالواقع وتقود المرأة لمطالبة الزوج بأمور فوق استطاعته.. ومن ثم لا بد من إيجاد نوع من القناعة والفهم المشترك في سياق العلاقة الزوجية للوصول إلى أرضية صلبة تقود الحياة الزوجية إلى مرسى الأمان، من المهم أن يسود العلاقة الزوجية مشاعر التفهم التي تكفل لكلا الطرفين حياة أسرية مستقرة خالية من المقارنات المدمرة، فحينما تتسلل مشاعر المقارنة إلى الحياة الزوجية فإنها قد تحدث شروخًا وجروحًا يصعب التئامها الأمر الذي ينذر بفشل الحياة الزوجية وبهدد استقرارها.

إيجابية المقارنة:
المقارنة قد تمثل في بعض الأحيان دافعًا إيجابيًا يقود المرء إلى تحسين مستواه وأسلوبه في الحياة، أما من الناحية السلبية فقد تؤدي إلى انصراف كلا الزوجين عن الآخر.. وتتلاشى معالم القبول والرضا لتحل محلها مشاعر الاستياء والنفور وكل هذا قد ينتهي بالحياة الزوجية إلى التدمير.

الأسباب النفسية للمقارنة بين الأزواج:
يقول الدكتور محمد الحامد الغامدي استشاري الطب النفسي بجدة: "عندما تقارن المرأة بين زوجها وأزواج الأخريات فإن لها دوافعَ وأهدافًا نفسية عديدة تكمن وراء الانخراط في مثل هذه المقارنات.
قليل منها مشروعة وأغلبها دوافع غير مشروعة، فالمرأة في مجتمعنا عندما ترتبط بزوجها فإنها أحيانًا قد لا تكون مقتنعة به تمام الاقتناع وقلما تفهمه خصوصًا حديثات الزواج؛ فتدخل في هذه المقارنات لتعزز قناعاتها بزوجها وتشبع نقصًا ما لديها".

- وقد تحتاج المرأة إلى تقوية إحساسها بالأمان في حياتها الزوجية، ويعتبر الإحساس بالأمان أحد الأمور الرئيسية التي يبحث عنها كلا الزوجين خصوصًا المرأة؛ فتتعمد الدخول في عملية المقارنة هذه لتبحث عما يقوى الإحساس بالأمن لديها.

- وفي بعض الحالات تكون المرأة نكدية بطبعها، وبخاصة عندما تكون غير مستقرة في حياتها الزوجية، فتنقل نتائج المقارنات إلى زوجها لتشعره بنقصه رغبة في زيادة نكده فقط.

- وقد يكون الفضول أحد دوافع المرأة النفسية للانخراط في عملية مقارنة الأزواج، فالإنسان فضولي بطبعه وهذه الحالة متفشية في بعض الطبقات العقلية ذات الثقافة المحدودة.

-وقد تلجأ المرأة للمقارنة بين الأزواج بدافع الرغبة في اتخاذ قرار خفي، كأن تفكر المرأة في الانفصال عن زوجها فتبدأ بمقارنة زوجها بغيره لتخفف شعورها بالذنب جراء رغبتها الملحة في اتخاذ هذا القرار، وهذا ما نسميه بعملية الإسقاط، فتسقط المرأة أسباب الانفصال عن الزوج وتحمله نتائجه.

- ومن الأسباب النفسية الداعية لذلك سذاجة بعض النساء اللواتي قد يُسقن إلى الحديث عن أزواجهن دون أن يدرين.

-وفي حالات قليلة يكون السبب المرأة المنحرفة التي تبرر لنفسها الانحراف والانخراط في علاقات غير مشروعة خارج الإطار الزوجي فتخفف عن نفسها الشعور بالذنب مسوغة لنفسها داخليًا بأن سبب انحرافها هو قصور في زوجها.

محكّات هامة:
وعلى كل حال فإن أبرز المحكات في مثل هذه المقارنات والتي نقولها للزوجات المتذمرات أو المقارنات ونطلب منهن الإجابة الصادقة عليها، هي:
- هل الزوج يصلي؟
- هل يبتعد تمامًا عن الكحول أو المخدرات؟
- هل يُنفق ولا يُقتر أو يبخل؟
وإذا كانت الإجابة بنعم فلا داعي للمقارنات، لأن المرأة في حقيقة الأمر في نعمة عظيمة، يجب أن تحمد الله تعالى عليها ولا ننسى أن المرأة العاقلة التي (تُريد) حقًا السعادة -وأضع كلمة تريد بين قوسين- ستجدها بحول الله، ثم إن الرضا بالقضاء والقدر مع محاولة التغيير الإيجابي للأفضل بالمساندة والأسلوب الحسن والتفهم والصبر إن أمكن من الواجب على كل زوجة وهي مُثابة بإذن الله تعالى على هذا.

الشخصية كالبصمة:
يؤكد علماء النفس أن الشخصية كالبصمة لا تتكرر أبدا حتى في التوائم ومن هذه القاعدة لا يمكننا مقارنة أحد بأحد وإن فعلنا ذلك فعلينا أن نعتبرها طريقة من طرق التحفيز والدافعية لتطوير وتغيير الآخر.

ماذا بعد:
-توقف عن المقارنات مع شريك حياتك.
-المقارنة قد تكون بابًا للخلاف واتساع الفجوة بين الزوجين بدلًا من تقريب وجهات النظر.
-انظري إلى إيجابيات الزوج وتغاضي عن السلبيات.
-لا تحكي بشكل مباشر عن الزوج حتى لا تذهب هيبته عند الآخرين.

أم عبد الرحمن محمد يوسف

 

المصدر: مفكرة الإسلام
  • 5
  • -2
  • 36,862

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً