الإسلام والسفر
محمد سلامة الغنيمي
السفر في اللغة له عدة معان، لكننا بصدد الحديث عن الذي هو ضد الحضر، ومعناه في لغة العرب: قطع المسافة البعيدة، وجمعه: أسفار، وسمي سفرًا من الإسفار؛ حيث الكشف عن وجوه المسافرين وأخلاقهم.
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
السفر في اللغة له عدة معان، لكننا بصدد الحديث عن الذي هو ضد الحضر، ومعناه في لغة العرب: قطع المسافة البعيدة، وجمعه: أسفار، وسمي سفرًا من الإسفار؛ حيث الكشف عن وجوه المسافرين وأخلاقهم.
أما معناه في اصطلاح الفقهاء، فهو الخروج على قصد قطع مسافة القصر الشرعية فما فوقها.
ويتفرَّع السفر في الإسلام إلى ثلاثة أقسام؛ مذموم، ومحمود، ومباح.
والمذموم: هو الذي يؤدِّي إلى معصية؛ كالسفر إلى بلد يكثر فيه الحرام، ويقل فيه الحلال، وكذلك السفر الذي ينطوي على معصية، كسفر المرأة بلا مَحْرم، حتى لو كان من أجل أداء فريضة الحج، ومثله مَن يسافر لقطع الطريق والاستيلاء على الأموال.
أما النوع المحمود، فهو الذي يؤدِّي إلى منفعة دينية طاعة لله، وحكمه بحسب حكم الطاعة التي يسافر في سبيلها؛ كالسفر للحج والعمرة، أو لبر الوالدين وصلة الرحم، أو طلب العلم، أو التفكُّر في خَلق الله، ومنه أيضًا السفر لزيارة المسجد الأقصى والمسجد النبوي.
أما المباح، فهو الذي يتعلق بالسعي في الأرض طلبًا للزرق؛ عملاً أو تجارة، ومنه كذلك السفر للاستجمام والترويح عن النفس وكسرِ المَلَل، في حدود ما أباحه الله تعالى.
وقد مدح الله تعالى المسافرين في قوله: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل:20]، وقدَّم المسافرين طلبًا للرزق والكد في تحصيله على المجاهدين في سبيل إعلاء راية الإسلام، ونشر السلام في ربوع الأرض، وربما تكون الحكمة في ذلك ضرورةً من ضرورات الحياة، ومن أهم سبل القوة؛ فالقوة العسكرية تعتمد على القوة الاقتصادية، ومن غير المعقول أن يخرج الناس للجهاد وليس لديهم ما يكفيهم، فضلاً عن حصول مقصود الجهاد من نشر الإسلام ودعوة الناس إليه؛ فقد فتحت دول هي الآن من أكبر الدول الإسلامية كثافةً بسبب التجارِ الصالحين.
وفى الآية إشارة إلى حرص الإسلام على استجلاب المنافع، والسعي في الأرض وعمارتها، ونبذ الرَّهْبَنة بما تحمله من مضامينَ سلبية لا تمتُّ إلى الإسلام ولا الأديان السماوية السليمة من التحريف بصلة، وإن سلوكيات المغالين من المتصوفة بعيدةٌ عن الإسلام كل البعد.
والسفر قطعة من العذاب، فيه مغادرة الأوطان، وهجر الأهل والأصحاب، من أجل الهروب من مكروه، أو الوصول إلى مرغوب، يترك المسافر ما تعوَّد عليه وارتاح له، وتأقلم معه، إلى مجهول يستشعر معه القلق والتوتر، إلى بلد لا يعرف عنه إلا القليل، ولم يتعوَّد على الحياة فيه، فلكلِّ مجتمع ظروف بيئية، وعادات اجتماعية، وخلفية ثقافية، تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى، فيلاقي المسافر العناء والمشقَّة من جرَّاء ذلك، بالإضافة إلى ما يعانيه من الاشتياق إلى رؤية الأهل والأصحاب.
وهنا تتجلى سماحة الإسلام وحكمة المشرِّع في جعل السفر من أسباب التخفيف، سواء كان موجبًا للمشقة أو غير موجب لها؛ لأن الغالب فيه المشقة البدنية والنفسية على حد سواء، ورغم ذلك اعتبر من عوارض الأهلية المكتسبة بما لا ينافي شيئًا من أهلية الأحكام وجوبًا وأداءً من العبادات والمعاملات وغيرهما، فلا يمنع وجوب شيء من الأحكام، نحو الصلاة وغيرها؛ وذلك لبقاء القدرة بحالها، وإنما التخفيف مطلقًا.
وللسفر عند المسلمين مكانة سامية؛ فقد كانوا كثيري السفر والترحال؛ لأغراض التجارة، والحج، وطلب العلم، والجهاد، ودعوة الناس إلى الإسلام، وغير ذلك، فضلاً عن حياتهم في البادية التي تقتضي السفر والتنقل من مكان إلى مكان آخر بحثًا عن الكلأ والعشب؛ لذلك عدَّدوا من فوائده، وذكروا من آدابه في أشعارهم وخُطَبهم.
ومن أقوالهم في فوائد السفر:
قيل: الحركة ولود، والسكون عاقر.
قيل لأعرابي: إنك تُبعِدُ السفر، فقال: رأيت ما في أيدي الناس أبعد مما في السفر.
وقيل: السفر ميزان الأخلاق.
ومن فضل السفر: أن صاحبَه يرى من عجائب الأمصار، وبدائع الأقطار، ومحاسن الآثار، ما يزيدُه علمًا بقدرة الله تعالى وحكمته، ويدعوه إلى شُكر نعمته، ويجمع المكاسب، ويسمع العجائب، ويكسب التجارِب، ويفتحُ المذاهب، ويشدُّ الأبدان، وينشِّط الكسلان، ويسلِّي الأحزان، ويطرُدُ الأسقام، ويشهِّي الطعام.
وأنشد بعض الحكماء، لله دره:
ليس ارتحالُك ترتاد الغنى سفرًا *** بل المقامُ على بأسٍ هو السفرُ
وقال بعضهم:
تغرَّب عن الأوطان في طلب العلا *** وسافِرْ؛ ففي الأسفار خمسُ فوائدِ
تفرُّجُ كربٍ واكتسابُ معيشةٍ *** وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ
وقد وضَع الإسلام له آدابًا؛ منها:
صلاة الاستخارة:
والاستخارة هي طلب خير الأمرين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمها أصحابه في الأمور كلها، والسفر من أهم الأمور التي يُطلَب لها الاستخارة والاستشارة؛ لِما يلاقيه أهله من غربته عنهم، ولما يلاقيه هو أهوال؛ فعن جابرٍ رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُنا الاستخارة في الأمور كلها؛ كالسورة من القرآن، يقول: «إذا همَّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدرُ ولا أقدر، وتعلَمُ ولا أعلم، وأنت علاَّم الغيوب، اللهم إن كنتَ تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدرْه لي ويسِّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاصرِفْه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضِّني به» قال: «ويسمي حاجته»"[1].
التجهيز للسفر والاستعداد له:
يستحبُّ للمسافر إن كان عليه دَيْن أن يردَّه؛ فهو لا يدري هل سيعود أم لا، وحتى لا يُطوَّق به عنقُه يوم القيامة، وأن يردَّ المظالم إلى أصحابها، ويرد الودائع إلى أصحابها، هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أراد الهجرة؛ ولأنها حق الغير، وهو مأمور بإيفاء الناس حقوقهم، ولا بد له من تجهيز الزاد، ويجب أن يكون حلالاً طيبًا، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: "مِن كرمِ الرجل طِيب زاده في سفره".
اختيار الرفيق:
حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم ووصَّى أصحابه على الاستعانةِ بالرفيق في السفر؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن الناس يعلمونَ من الوحدة ما أعلم ما سار راكبٌ بليلٍ وحدَه» [2].
وقيل: الرفيق قبل الطريق، واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رفيقًا في الهجرة، واحتجزه لذلك، ثم اختارا معًا دليلَ الطريق ابن أُرَيْقط، ويستحبُّ في الرفيق أن يكون بينهما محبة ومودة، وأن يُعِينه على أمور دِينه ودنياه، فيُذكِّره إذا نسي، ويساعده إذا تذكر، وأن يكون بينهما تقاربٌ في العمر حتى يحصل بينهما الأنس والارتياح؛ فهو لا يدري ما يقابله في سفره، فكان من الأفضل الاستعانةُ برفيق يُعِينه؛ قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يُخالِل»[3]، ومن الأحاديث الواردة في الحث على طلب الرفقة: قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عمرو بن شعيب: «الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة رَكْبٌ»[4]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يُغلَبَ اثنا عشر ألفًا من قلة» [5].
أما فائدة تخصيص الأربعة من بين سائر الأعداد، فقال الإمام الغزالي:
"والذي يتَّضح فيه أن المسافر لا يخلو عن رجل يحتاج إلى حفظه، وعن حاجة يحتاج إلى التردد فيها، ولو كانوا ثلاثة لكان المتردد في الحاجة واحدًا، فيبقى في السفر بلا رفيق، فلا يخلو عن خطر وعن ضيق قلب؛ لفَقْد أنس الرفيق، ولو تردَّد في الحاجة اثنان، لكان الحافظ للرحل واحدًا، فلا يخلو أيضًا عن الخطر، وعن ضِيق الصدر، فإذًا ما دون الأربعة لا يفي بالمقصود، وما فوق الأربعة يزيد، فلا تجمعهم رابطة واحدة، فلا ينعقد بينهم الترافق؛ لأن الخامس زيادة بعد الحاجة، ومَن يستغني عنه لا تنصرف إليه الهمةُ، فلا تتم المرافقة معه"[6].
استحباب تأمير أحدهم:
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج ثلاثةٌ في سفرٍ فليُؤمِّروا أحدَهم»[7]، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون ذلك، ويقولون: هذا أميرٌ أمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الغزالي: وليؤمِّروا أحسنهم أخلاقًا، وأرفقهم بالأصحاب، وأسرعهم إلى الإيثار وطلب الموافقة، وإنما يُحتاجُ الأمير؛ لأن الآراء تختلف في تعيين المنازل والطُّرق، ومصالح السفر، ولا نظام إلا في الوحدة، ولا فساد إلا في الكثرة، وإنما انتظم أمر العالَم؛ لأن مدبِّر الكل واحد، {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء:22]، ومهما كان المدبِّر واحدًا، انتظم أمر التدبير، وإذا كثر المدبِّرون، فسَدت الأمور في الحضر والسفر، إلا أن مواطن الإقامة لا تخلو عن أميرٍ عامٍّ؛ كأمير البلد، وأمير خاصٍّ؛ كربِّ الدار، وأما السفر، فلا يتعين له أمير إلا بالتأمير؛ فلهذا أوجب التأمير ليجتمع شتات الآراء"[8].
استحباب توديع رفقاءِ الحضر والأهل والأصدقاء:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أراد أن يسافر فليقل لمن يخلف: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعُه»[9].
توديع المقيم للمسافر:
عن قزعة قال: قال لي ابن عمر رضي الله عنهما: "أُودِّعك كما ودَّعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك»[10].
استحباب طلب الوصية من أهل الخير:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني أريد أن أسافر فأوصِني، قال: «عليك بتقوى الله، والتكبيرِ على كل شَرَف
»، فلما أن ولَّى الرجل قال: «اللهم اطوِ له البُعْد، وهوِّن عليه السفر»[11].
وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أسافر، فزودني، فقال: «زوَّدك الله بالتقوى»، قال: زدني، فقال: «غفر الله ذنبك»، قال: زدني بأبي أنت وأمي، فقال: «ويسر لك الخير حيثما كنت»[12].
استحباب السفر يوم الخميس:
فعن كعب بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرَج في غزوةِ تبوك يوم الخميس، وكان يحبُّ أن يخرج يوم الخميس[13]، فمن عمِل بما عمل به وأحبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد تأسَّى به؛ قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].
استحباب الرحيل في البكور:
فعن صخر بن وداعة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارِكْ لأمتي في بكورها»[14]، وكان إذا بعَث سريَّة أو جيشًا، بعثهم من أوَّل النهار، وكان صَخْرٌ تاجرًا، وكان يبعث تجارته أول النهار، فأثرى وكثُر ماله.
استحباب الإكثار من السير ليلاً:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالدُّلْجة؛ فإن الأرض تُطوَى بالليل»[15]، وإنما حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على السير ليلاً؛ لأن الجو فيه يكون لطيفَ الحرارة، يعمُّه الهدوء والسكينة، ومن ثَم يهون عليه السير، بعكس النهار، وخاصة وسطه.
المحافظة على الأدعية:
يقول عندما يخرج من بيته: «اللهم إني أعوذ بك أن أَضِل أو أُضَل، أو أَذِل أو أُذَل، أو أَظلِم أو أُظلَم»[16].
وإذا ركِب وسيلة سفره يقول: {...سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ . وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف:13-14].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبَّر ثلاثًا، ثم قال: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللهم إنا نسألُكَ في سفرنا هذا البرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا، واطوِ عنا بُعْدَه، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وَعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقَلَب في المال والأهل»، وإذا رجع قالَهن، وزاد فيهن: «آيِبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون»[17].
وعن عبدالله بن سَرْجِسَ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوَّذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحَوْر بعد الكَوْر، ودعوة المظلوم، وسُوء المنظر في الأهل والمال.[18].
وعن علي بن ربيعة قال: شهِدت عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه أُتِي بدابَّة ليركبها، فلمَّا وضع رِجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله الذي سخَّر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم قال: الحمد الله، ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقيل: يا أمير المؤمنين، من أي شيء ضحكتَ؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت، ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله، من أي شيء ضحكت؟ قال: «إن ربك سبحانه يعجَبُ من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيره»[19].
وإذا كانت وسيلة السفر سفينة، فليقل كما قال تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود:41].
الدعاء في السفر:
يستحبُّ للمسافر أن يدعوَ بما شاء؛ فدعاؤه إن راعى فيه آداب الدعاء، فهو مستجاب؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن؛ دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»[20]؛ لذلك ينبغي لمن له صديق أو قريب يتأهَّب للسفر أن يوصيَه بالدعاء له حال سفره، وقد ورد حديث عن عمر رضي الله عنه أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن، وقال: «لا تنسَنا يا أخي من دعائك»[21].
أذكار الصعود والهبوط:
من السنة أن يُكبِّر المسافر إذا علا شيئًا؛ واديًا، أو (كُبْرِي)، وما إلى ذلك، وأن يُسبِّح إذا هبط من مثل ذلك، وقد وردت أحاديث صحيحة، وفي ذلك عن جابر رضي الله عنه قال: كنا إذا صعِدنا كبَّرنا، وإذا نزلنا سبَّحنا[22].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الحج أو العمرة، كلما أوفى على ثنية أو فرقد كبَّر ثلاثًا، ثم قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعدَه، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»[23].
وعنه أيضًا قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشُه إذا علَوا الثنايا كبَّروا، وإذا هبطوا سبَّحوا[24].
إعانة الرُّفقاء بعضهم بعضاً:
حثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلمَ على أن يكون في عونِ أخيه، وخاصة في السفر؛ فالرُّفقاء أحوج ما يكونون فيه لبعضهم البعض.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفرٍ إذ جاء رجلٌ على راحلة له، فجعل يصرف بصرَه يمينًا وشِمالاً، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: «مَن كان معه فضل ظهرٍ، فليعُدْ به على مَن لا ظهر له، ومَن كان له فضل زاد، فليعُدْ به على مَن لا زاد له»، فذكر من أصناف المال ما ذكره حتى رأينا أنه لا حقَّ لأحد منا في فضل[25].
وعن جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلَّف في المسير فيزجي الضعيف ويردف ويدعو له[26].
ما يدعو به إذا خاف أحدًا:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قومًا قال: «اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم»[27].
أذكار النزول أو الاستراحة:
عن خولة بنت حكيم قالت: سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن نزل منزلاً، ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك»[28].
تعجيل الرجوع:
يستحبُّ للمسافر أن يُعجِّل بالرجوع إلى أهله وأولاده إذا قضى حاجته؛ لأنهم يألمون لفراقه، وخاصة الزوجة؛ فهي أكثر الناس تألُّمًا لفِراق الزوج؛ لذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم بتعجيل العودة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «السفر قطعة من العذاب، يمنَعُ أحدَكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره، فليعجَلْ إلى أهله»[29].
تجنب العودة ليلاً:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعود المسافر على أهله ليلاً، وهذا من الحِكَم النبوية السامية، فهذا السلوك يُبعِد الشك عن قلب الزوجين، ويعمِّق الإحساس بالثقة فيهم.
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أطال أحدكم الغَيْبة، فلا يطرُقَنَّ أهله ليلاً»، وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي أن يطرُقَ الرجل أهله ليلاً"[30].
وعن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلاً، وكان يأتيهم غدوة أو عشية"[31].
أذكار العودة ورؤية البلدة:
عن أنس رضي الله عنه قال: "أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بظهر المدينة قال: «آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون»، فلم يزل يقول ذلك حتى قدِمنا المدينة[32].
الابتداء بالمسجد والصلاة فيه:
يستحبُّ للمسافر في عودتِه أن يبدأ بالمسجد المجاور لبيته ويُصلِّي فيه ركعتين؛ فعن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم كان إذا قدِم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين[33].
[1] رواه البخاري 1162، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[2] رواه البخاري 2998.
[3] رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، والبيهقي في الشُّعب، وحسنه الألباني في المشكاة 5019.
[4] رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وصححه الألباني في صحيح الجامع 3524.
[5] رواه أبو داود، والترمذي وصححه الألباني في الصحيحة 2968.
[6] الإحياء؛ جزء 2 ص318.
[7] رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع 500.
[8] إحياء علوم الدين؛ جزء 2 ص 318.
[9] رواه أحمد، وصححه الألبانيُّ في الصحيحة 16.
[10] رواه أبو داود، وصححه الألباني في الصحيحة 14.
[11] رواه الترمذي وأحمد، والألباني في الصحيحة 1730.
[12] رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3444.
[13] رواه البخاري 2949.
[14] رواه الترمذي، وأبو داود، وصححه الألباني في صحيح الألباني 964.
[15] رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع 4064.
[16] رواه أبو داود، وابن ماجه، وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، من حديث أم سلمة 5094.
[17] رواه مسلم 1342، والترمذي، وأبو داود.
[18] رواه مسلم 1343.
[19] رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني في الصحيحة 1653.
[20] رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه الألباني في الصحيحة 596.
[21] رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، إلا أن الألباني قد ضعفه.
[22] رواه البخاري 2993.
[23] البخاري 1797، ومسلم 1344.
[24] رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 264.
[25] رواه مسلم 1728.
[26] رواه أبو داود، وصححه الألباني في الصحيحة 2120.
[27] رواه أبو داود، والنسائي، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1360.
[28] رواه مسلم 1708.
[29] رواه البخاري 1804، ومسلم 1927.
[30] رواه البخاري 1801 - 5244، ومسلم 715.
[31] رواه البخاري 1800، ومسلم 1928.
[32] رواه مسلم 1345.
[33] رواه البخاري 3088 - 4677، ومسلم 1769.