الشركات
حامد بن عبد الله العلي
- التصنيفات: فقه المعاملات -
اقرأ الحلقة السابقة من سلسلة تيسير أحكام البيوع >>>> الربــــا
لعل من أهم مظاهر الاقتصاد العالمي المعاصر هو الشركات ، وللعولمة علاقة وطيدة بالشركات ، ذلك أن العولمة ـ كما يقال ـ ما هي إلا مائة شركة أمريكية وغربية عملاقة ، تريد أن توحد السوق العالمي ، وتدخل أسواق العالم ، بعد أن تحطم العوائق المحلية ، تحت قانون دولي يسمى منظمة التجارة الدولية ، ولهذا فإن العولمة ، ما هي إلا استيلاء الشركات الكبرى على أسواق العالم ، وضمان بقاء الشمال الغني ثريا ، وبقاء الجنوب الفقير فقيرا ، ولهذا تقوم المظاهرات الكثيرة ضد العولمة في العالم الغربي .
والذي يهمنا هنا ، هو الشركات في الاقتصاد الإسلامي ، وهي تنقسم إلى خمسة أقسام :
1 - العنان 2 - المضاربة 3 - الوجوه 4 - الأبدان 5 - المفاوضة .
ومن الممكن أن تجتمع هذه الأنواع كلها في شركة واحدة ، كحال الشركات العملاقة .
أولا : شركة العنان
حيث يضع كل من الطرفين مالهما والعمل يكون أيضا بينهما ، فهي شراكة كاملة ، مثل أن يضع أحد الشريكين ، ألف دينار ، والآخر مثله ، والعمل عليهما معا .
ولها شروط هي :
1 - أن يكون رأس المال عند الحنابلة من النقدين ، وفي قول لا يشترط هذا وهو الصحيح ، فإن كان لدي عين وغيري لديه مثلها صح أن نجعلها رأس مال ونشترك في العمل معا.
2 - أن يكون كل من المالين معلوما فلا تصح بمجهول .
3 - أن يكون حاضرا لا بالذمة أو الدين .
4 - أن يكون الربح بينهما بنسبة معلومة من الربح لا من رأس المال .
فلو قال أحدهما أريد 100 دينار شهريا مثلا لم يصح ، وقد ذكر ابن المنذر الإجماع على أنه لا يصح أن يشترط أحدهما دراهم معلومة .
ثانياً: شركة المضاربة :
ويعرفونها بأنها دفع نقد معلوم لمن يتجر به بجزء مشاع معلوم من ربحه ، وهذا يعني أن رأس المال من طرف ، والعمل من طرف آخر ، ويكون الربح بينهما وفق ما يتفقان عليه .
والفرق بين البنك الإسلامي والبنك الربوي أن البنك الإسلامي قائم على أساس شركة المضاربة ، بينما يقوم البنك الربوي على أساس ربا الديون .
وشروط شركة المضاربة ( حيث المال من طرف والعمل من الآخر ) :
1 - أن يكون رأس المال من النقدين ( والصحيح أنه لا يشترط ) .
2ـ وأن يكون رأس المال معلوما .
3 - أن يكون الربح معلوما بينهما بالنسبة بحسب الاتفاق ، كأن يكــون 20% من الربح للعامل ، و80% لصاحب رأس المال على سبيل المثال... وما اتفقا عليه من النسبة من الربح ، يلزمهما.
والبنك الإسلامي قائم على أن المساهمين في حساب التوفير شركاء معه في شركة المضاربة ، عليه العمل ، وعليهم المال ، ثم في نهاية العام ينقسم الربح بينهما ، وفق ما اتفقا ، وكل بحسب ما شارك به .
فالبنك الإسلامي مضارب يعطي النسبة من الربح ، لا من رأس المال كالبنك الربوي ، فإن لم يربح ، فإنه لا يوزع شيئا على المساهمين .
وهكذا التجارة لا تخلو من مخاطر ، فإن قيل : فكيف يتقي البنك الإسلامي خطر الخسائر ، وفقدان العملاء ، والجواب : أنه كما أنك إذا أردت أن تختار موظفا لديك ، تختاره نشيطا ذكيا لديه خبرة وعلم ، فكذلك تختار البنك الإسلامي ، الذي لديه مشاريع كثيرة فإن خسر في أحدها عوض من الآخر ، ولهذا فمن النادر جدا خسارة البنك صاحب الرأسمال الكبير ، إلا بحدوث كارثة عامة كالغزو الخارجي ، أو الزلزال ، وهنا يخسر الجميع سواء البنك الربوي أو الإسلامي .
ولنضرب مثلا يفرق بين تقاسم الربح منسوبا إلى رأس المال كما تفعل البنوك الربوية ، وتقاسمه منسوبا إلى الأرباح ، فشركة هبتكو مثلا ، كتب في العقد أنهم يعطون نسبة من رأس المال ، وهذا حرام مجمع عليه ، ولكن قد خدع بعض الناس بكونهم يعطون نسبة ، وقالوا أن النسبة تجوز ، ولكن النسبة هنا إنما هي من رأس المال ، فهي مبالغ محددة .
وقد يقول قائل إن المضارب قد يكذب علي في قدر الربح فينقص ربحي ، بينما إذا اتفقت معه على مبلغ معين من المال ضمنت حقي ، فنقول : أنت بنيت هذا الاحتمال على كسلك وخمولك ، فتريد مالا بدون عمل ، أما أحكام الشريعة ، فهي : إما أن تثق بالمضارب ، أو تتابعه وتتأكد من صحة ربحك .
أو تعطي العمال أجرة شهرية فهم في هذه الحالة أجراء عندك ، والأموال كلها لك ، أو تأخذ نسبة من أموال المضاربة ، وغير هذا لا يجوز .
فإن قال قائل : فأنا أريد أن أؤجر المحل للعمال بأجرة فهذا على احتماليــــــــن :
الأول : أن عقد الإجارة يقع على الرخصة وهذا لا يجوز ، لأن الرخصة كفالة ، وتأجير الكفالة لا يجوز .
الثاني : أن تشتري لهم معدات وتؤجرها عليهم بسعر السوق ، ففي هذه الحالة ، لا توجد حيلة ، ولا يجوز أن يوضع في الاعتبار حين الاتفاق على عقد الإجارة ، وجود الرخصة التجارية ، وهذا هو المخرج الشرعي .
مثال : أن أشتري حافلة "باص" ، وأقول للسائق : أؤاجرك هذا الباص بمائتي دينار ، واعمل عليه كما شئت ، فهنا أصبح الباص عينا مؤجرة ، والعقد عقد إجارة لا مضاربة ، بشرط ألا تكون ثمة حيلة ، فتكون أجرة الباص في السوق 50 دينارا مثلا ، وأنت أجرت عليه بمائة وخمسين ، وباقي المبلغ مقابل الكفالة أو الإقامة ، فهذا لا يجوز ، فالشرط أن تكون أجرته مماثلة لمثله في السوق ، فإما أن تجعل العمال أجراء عندك ، أو تجعلها شركة مضاربة إذا وثقت فيهم .
ثالثاً : شركة الوجوه :
ويعرف العلماء هذا النوع بأن يشترك اثنان لا مال لهما في ربح ما يشتريان من الناس بذممهما ، أي بجاههما وثقة التجار فيهما ، من غير أن يكون لهما رأس مال ، إذن هذه شركة لمن ليس لديهم مال حاضر ، ولكن لهم مكانة ووجاهة وثقة بين الناس ، فهم يستطيعون أن يشتروا بوجوههم بالأجل بثقة الناس بهم ، فيشترون بضاعة إلى أجل سويا ثم يبيعونها سويا ، ويردون الدين إلى أصحابه ، ويصبح الربح لهم .
رابعاً : شركة الأبدان :
ويعرفها العلماء بأن يشتركا فيما يتملكان بأبدانها من المباح ، كالحشيش ، والاحتطاب ، والاصطياد ، وهذا النوع من الشركات ليس فيه رأس مال ، فكلاهما يعمل من كسب يده ، كصيادي سمك على سبيل المثال ، يذهبان سويا وما يصيدانه يضعانه سويا ، ثم يقسمانه فيما بينهما أو يبيعانه ويقتسمان الثمن.
خامساً: شركة المفاوضة :
وهي أن يفوض كل من الشريكين الآخر بأن يبيع ويشتري ويتصرف في سائر المعاوضات في رأس المال ، وتقبل ما يرى من الأعمال ، وهي يمكن أن تسري أيضا في الشركات كلها .
فشركة العنان قد يكون فيها مفاوضة ، وكذلك سائر الشركات السابقة .
والأصل أن أنواع الشركات أربع ( مضاربة ، وجوه ، عنان ، أبدان ) وقد يكون بين الشريكين عدة أنواع من الشركات فلا إشكال في ذلك ، فقد يكون بينهما عنان ومضاربة ، بأن يضع أحدهم ألفي دينار ، ويضع الآخر ألفان وعليه العمل ، وقد أصبحا شريكين بالعنان والمضاربة ، وهذا جائز لا إشكال فيه .
وقد تجتمع الأنواع الأربعة في شركة واحدة عملاقة ، ويمكن ضبط كل المعاملات بالحاسوب ، والمقصود أنها مهما اختلطت ومهما تداخلت ، فلا إشكال فيها ، فما لم تتضمن عقودا وشروطا تخالف الشرع فهي مباحة ، والأصل في المعاملات الإباحة.
تابع الحلقة التالية من سلسلة تيسير أحكام البيوع >>>> البنوك الإسلامية