شهادات غير المسلمين بتحريف الإنجيل
سوف نحاول في مقالنا هذا أن ننقل بعضًا من مواقف قدماء النصارى الذي حكموا على هذه الأناجيل أو بعضها بالتحريف والتزوير حتى يرى المنصف أن المسلمين ليسوا وحدهم الذين وقفوا من هذه الأناجيل موقف المتشكك والمتهم.
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
من المزاعم التي يطلقها النصارى ويروجون لها قولهم إن المسلمين وحدهم هم الذين ينظرون إلى الأناجيل نظر شك وريبة، ويصفونها بالتحريف والتزوير، وهذا الزعم صادر عن مغالطة صريحة وإغفال لحقائق التاريخ الثابتة، إذ من الثابت تاريخيًا أن مجمع نيقية (325م) هو من قام باختيار الأناجيل الأربعة المعتمدة اليوم عند النصارى من بين مايزيد على سبعين إنجيل، ولم يتم ذلك الاختيار وفق منهج علمي، تم على أساسه قبول ما قُبِل ورَدِّ ما رُدَّ، وإنما كان الضابط في ذلك ما ظنه رعاة المجمع من عدم معارضة تلك الأناجيل لما تبنوه من القول بألوهية المسيح عليه السلام وأنه ابن الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرًا.
وبالطبع فلم يكن هذا القول ليحظى بموافقة جل المؤتمرين، فقد عارضه جمع عظيم منهم، إلا أنّ قوة سيف الرومان حسمت الخلاف لصالح من ذهب إلى القول بألوهية عيسى عليه السلام، وجعلت من المخالفين مبتدعة ومهرطقين، علمًا أنهم الأكثرية، وفيهم عدد من الموحدين الذين نادوا بوحدانية الله لا شريك له وأن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله.
وهكذا قضت قوة الرومان على هؤلاء المخالفين وخاصة الموحدين منهم بالملاحقة والتشريد، فلم ينتشر مذهبهم، بل اضمحل مع مرور الوقت حتى أضحى اليوم -فيما يظهر- من غير أتباع .
وسوف نحاول في مقالنا هذا أن ننقل بعضًا من مواقف قدماء النصارى الذي حكموا على هذه الأناجيل أو بعضها بالتحريف والتزوير حتى يرى المنصف أن المسلمين ليسوا وحدهم الذين وقفوا من هذه الأناجيل موقف المتشكك والمتهم.
نقل أقوال الفرق النصرانية القديمة التي يعدُّ النصارى أصحابها مبتدعة:
أ- الفرقة الأبيونية: ظهرت هذه الفرقة في القرن الميلادي الأول، وكانت معاصرة لبولس، فأنكرت عليه إنكارًا شديدًا وعدَّته مرتدًا، وكانت تسلِّم من كتب العهد القديم "بالتوراة" فقط، وتسلم من كتب العهد الجديد بإنجيل "متىّ" فقط، وتختلف النسخة المعتمدة عندهم عن النسخة المعتمدة عند أتباع بولس، فليس فيها مثلًا البابان الأولان من إنجيل متى الموجود حالياً؛ لأنها تعتقد أن هذين البابين، ومواضع أخرى كثيرة محرفة، وكانت تنكر ألوهية المسيح وتعتقد إنه إنسان فقط .
ب- الفرقة المارسيونية: من فرق النصارى القديمة أيضًا، وكانت تنكر جميع كتب العهد القديم وتقول: "إنها ليست كتبًا موحى بها"، وتنكر جميع كتب العهد الجديد إلا "إنجيل لوقا" و"عشر رسائل من رسائل بولس"، وهذه الرسائل العشر المسلمة عندها مخالفة للرسائل الموجودة الآن، وأما إنجيل لوقا فكانت هذه الفرقة تنكر البابين الأولين منه، وتنكر منه مواضع أخرى كثيرة.
جـ- فرقة ماني كيز: ومن أعظم علماء هذه الفرقة "فاستس" الذي عاش في القرن الرابع الميلادي، وقد نقل "لاردنر" في تفسيره عن "أكستاين" ما يلي:
قال "فاستس": "أنا أنكر الأشياء التي ألحقها في العهد الجديد آباؤكم وأجدادكم بالمكر، وعيبوا صورته الحسنة وأفضليته؛ لأن هذا الأمر محقق: إن هذا العهد الجديد لم يصنفه المسيح ولا الحواريون، بل صنفه رجل مجهول الاسم، ونسبه إلى الحواريين ورفقاء الحواريين خوفاً عن أن لا يعتبر الناس تحريره ظانين أنه غير واقف على الحالات التي كتبها، وآذى المريدين لعيسى إيذاءً بليغًا بأن ألف الكتب التي يوجد فيها الأغلاط والتناقضات.
فزعيم هذه الفرقة كان ينادي بعدة أشياء أبرزها:
1- أن النصارى أدخلوا في العهد الجديد أشياء خارجة عنه.
2- أن هذا العهد الجديد المعروف الآن ليس من كتابة المسيح، ولا الحواريين، ولا تابعيهم، وإنما هو كتابة رجل مجهول الاسم.
3- أن هذا العهد الجديد وقعت فيه الأغلاط والتناقضات.
وهذا المسلك أعني مسلك الطعن في مصداقية هذه الأناجيل لم يكن محصورًا على فرق عدتها الكنائس شاذة ومبتدعة واتهمتها بالهرطقة والشذوذ، بل إنه ليتجاوز ذلك ليشكل قناعات لدى مفسرين ومؤرخين مقبولين لدى النصارى كافة، فمن هؤلاء:
أ- "آدم كلارك" الذي قال في تفسيره: " أكثر البيانات التي كتبها المؤرخون للرب ( يقصد عيسى) غير صحيحة؛ لأنهم كتبوا الأشياء التي لم تقع بأنها وقعت يقينًا، وغلطوا في الحالات الأخرى عمدًا أو سهوًا، وهذا الأمر محقق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة، كانت رائجة في القرون المسيحية الأولى، وبلغت هذه الأناجيل أكثر من سبعين إنجيلًا، وكان فابري سيوس قد جمع هذه الأناجيل الكاذبة وطبعها في ثلاثة مجلدات".
ب- قال "لاردنر" في تفسيره: "حكم على الأناجيل المقدسة لأجل جهالة مصنفيها بأنها ليست حسنة بأمر السلطان أناسطيثوس (الذي حكم ما بين سنتي 491 - 518م) فصححت مرة أخرى، فلو كان للأناجيل إسناد ثابت في عهد ذلك السلطان ما أمر بتصحيحها، ولكن لأن مصنفيها كانوا مجهولين أمر بتصحيحها، والمصححون إنما صححوا الأغلاط والتناقضات على قدر الإمكان، فثبت التحريف فيها يقينًا من جميع الوجوه، وثبت أنها فاقدة الإسناد".
جـ- قال "واتسن": "إن "أوريجن" كان يشكو من الاختلافات، وينسبها إلى أسباب مختلفة، مثل غفلة الكاتبين وعدم مبالاتهم، ولما أراد "جيروم" ترجمة العهد الجديد قابل النسخ التي كانت عنده فوجد اختلافًا عظيمًا".
د- وقال "آدم كلارك" في تفسيره: "كانت ترجمات كثيرة باللغة اللاتينية من المترجمين المختلفين موجودة قبل "جيروم"، وكان بعضها في غاية درجة التحريف، وبعض مواضعها مناقضة للمواضع الأخرى، كما صرح به جيروم".
هـ- قال المؤرخ الإنجليزي "توماس كارلايل" (المتوفى سنة 1881م): "المترجمون الإنكليزيون أفسدوا المطلب، وأخفوا الحق، وخدعوا الجهال، ومطلب الإنجيل الذي كان مستقيمًا جعلوه معوجًا وعندهم الظلمة أحب من النور، والكذب أحق من الصدق".
و- وخاطب "بروتن" كبير المسؤولين في مجلس الترجمة الجديدة في بريطانيا القسيسين قائلًا: "إن الترجمة السائدة في إنكلترا مملوءة بالأغلاط، وإنّ ترجمتكم الإنجليزية المشهورة حرفت عبارات العهد القديم في ثمانمائة وثمانية وأربعين ( 848) موضعًا، وصارت سببًا لردِّ كتب العهد الجديد من قبل أناس غير محصورين".
هذه بعض الأقوال التي نقلها صاحب كتاب إظهار الحق رحمت الله الهندي، وهي جميعها صادرة عن فرق نصرانية أو عن باحثين نصارى معتبرين، وكلها تشهد بتحريف هذه الأناجيل، ومن هنا نعلم أن المسلمين ليسوا وحدهم من قال بتحريف هذه الأناجيل، كما يزعم بعض النصارى، بل إننا نقول: "إنَّ كل من ينظر في هذه الأناجيل -سواء من ناحية السند، أو من ناحية المتن- يعلم علمًا يقينيًا أنها أناجيل محرَّفة، وأنَّ يد العبث قد تدخلت فيها فزادت ونقصت، ولعل في مقالنا "الأناجيل ليست كلمة الله" شيء من الأمثلة على إثبات التحريف في تلك الأناجيل حيث ركزنا على نقد الأناجيل من نصوصها نفسها وليس من شيء خارج عنها.