في واحة العدل
هذه القصيدة كتبت في أعقاب إعلان نتيجة مسابقة نادي القصيد حول موضوع "أبو بكر الصديق رضي الله عنه سيرة ومواقف" في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.
يَا وَاهِبَ النُّورِ هَبْ لِي فَيْضَ أَنْوَارِ *** إِنِّي سَتَسْعَى إِلَى الفَارُوقِ أَشْعَارِي
هَذَا الَّذِي أَكْتَوِي شَوْقًا لِطَلْعَتِهِ *** فِي دَارِ عِزٍّ وَنِعْمَ العِزُّ مِنْ دَارِ
فِي وَاحَةِ العَدْلِ رَاحَ الشِّعْرُ يَطْلُبُهُ *** حَتَّى يَزِفَّ لَهُ آيَاتِ إِكْبَارِ
عَرَائِسُ الشِّعْرِ صَاحَتْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ *** فِي الخَالِدِينَ كَشَمْسٍ بَيْنَ أَقْمَارِ
يَا فَارِسَ العَدْلِ عَمَّ الظُّلْمُ عَالَمَنَا *** وَأَصْبَحَ الأَمْرُ فِي أَعْنَاقِ فُجَّارِ
الزَّاعِمِينَ بِأَنَّ العَدْلَ قِبْلَتُهُمْ *** وَالمُثْقَلِينَ بِأَكْوَامٍ مِنَ العَارِ
الزَّاكِمِينَ أُنُوفَ الخَلْقِ مِنْ عَفَنٍ *** وَالمُرْتَدِينَ نِفَاقًا زِيَّ أَطْهَارِ
يَا لُوثَةَ العَصْرِ وَالأَمْوَاجُ طَاغِيَةٌ *** تُعْلِي الغُثَاءَ عَلَى زَيْفٍ وَإِبْهَارِ
لا خَيْرَ ?ِي الشِّعْرِ لَوْ أَبْيَاتُهُ غَفَلَتْ *** عَنْ ذِكْرِ مَنْ تَوَّجُوا التَّارِيخَ بِالغَارِ
يَا دَعْوَةَ المُصْطَفَى فِي فَجْرِ دَعْوَتِهِ *** وَدَعْوَةُ المُصْطَفَى خَيْرٌ لأَخْيَارِ
يَا مَنْ لإِسْلامِهِ تَاقَتْ أَوَائِلُنَا *** تَوْقَ العَطَاشَى إِلَى غَيْثٍ وَأَمْطَارِ
يَا مَنْ بِإِسْلامِهِ عَزَّتْ أَوَائِلُنَا *** لا زَالَ آخِرُنَا يَشْدُو بِآثَارِ
كَمْ كَانَ يَوْمًا مَهِيبًا عِنْدَمَا خَرَجُوا *** صَفَّيْنِ كَانَا عَلَى الكُفَّارِ كَالنَّارِ
لا بُدَّ لِلحَقِّ مِنْ سَيْفٍ يُؤَازِرُهُ *** كَيْ يَدْفَعَ البَغْيَ فِي عَزْمٍ وَإِصْرَارِ
يَا مَنْ إِذَا ذُكِرَتْ إِحْدَى مَنَاقِبِهِ *** هَانَ الطُّغَاةُ وَصَارُوا دُونَ أَصْفَارِ
يَا حَاكِمًا يَتَّقِي فِي النَّاسِ خَالِقَهُ *** يَا مُخْلِصَ القَصْدِ فِي جَهْرٍ وَإِسْرَارِ
كُلُّ الَّذِينَ غَدَا الشَّيْطَانُ قَائِدَهُمْ *** كَانَ الأَمِيرُ يُوَافِيهِمْ بِبَتَّارِ
لَكِنْ إِذَا عَثَرَتْ فِي الشَّامِ رَاحِلَةٌ *** يَخْشَى الحِسَابَ وَلا يَلْغُو بِأَعْذَارِ
(مَاذَا تَقُولُ غَدًا لِلَّه) تَشْغَلُهُ *** كَيْفَ القُدُومُ عَلَى المَوْلَى بِأَوْزَارِ
تِلْكَ العِبَارَةُ صَارَتْ بَعْدَهُ مَثَلاً *** إِحْدَى نُجُومِ الهُدَى فِي ظُلْمَةِ السَّارِي
لِلَّهِ دَرُّ أَبِي حَفْصٍ وَسِيرَتِهِ *** فِيهَا تَجَلَّتْ خَبَايَا قُدْرَةِ البَارِي
مَنْ كَانَ فِي جَهْلِهِ فَظًّا وَخَافِقُهُ *** أَقْسَى القُلُوبِ الَّتِي كَانَتْ كَأَحْجَارِ
وَكَانَ رِيحًا عَلَى الإِسْلامِ عَاتِيَةً *** سُبْحَانَ مَنْ صَانَهُ مِنْ بَأْسِهِ الضَّارِي
لا تَعْجَبُوا عِنْدَمَا يَبْكِي خَطِيئَتَهُ *** قَلْبُ المُوَحِّدِ ذُو وَعْيٍ وَإِبْصَارِ
يَخْلُو إِلَى النَّفْسِ فِي صِدْقٍ يُحَاسِبُهَا *** يَرْجُو نَجَاةً لَهَا مِنْ بَطْشِ جَبَّارِ
لا تُخْطِئُ العَيْنُ إِنْ أَحْصَتْ مَلامِحَهُ *** خَطَّيْنِ فِي وَجْهِهِ مِنْ دَمْعِهِ الجَارِي
ذَاقَ النَّصَارَى بِمِصْرَ الذُّلَّ فِي زَمَنٍ *** كَانَتْ سَفِينَتُهُمْ رُومِيَّةَ الصَّارِي
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ كَانُوا كَمَنْ نُقِلُوا *** مِنْ جَوْفِ نَارٍ إِلَى أَفْيَاءِ أَشْجَارِ
لا زَالَ سَمْعُ الدُّنَا يُصْغِي لَنَا طَرَبًا *** إِمَّا شَدَا مُنْصِفٌ يَوْمًا بِتَذْكَارِ
هَذَا أَخُوهُمْ أَتَى يَشْكُو إِلَى عُمَرٍ *** أَنَّ ابْنَ عَمْرٍو أَصَابَ ابْنِي بِأَضْرَارِ
لَمَّا أَبَى جَاهُهُ إِلاَّ إِهَانَتَهُ *** أَنْ كَانَ سَابِ?َهُ يَوْمًا بِمِضْمَارِ
فَاسْتَاءَ وَاشْتَدَّ فِي اسْتِدْعَاءِ عَامِلِهِ *** وَكَانَ لا يَنْثَنِي مِيلاً لأَنْصَارِ
حَتَّى إِذَا اقْتَصَّ لِلمَظْلُومِ أَرْسَلَهَا *** فِي سَمْعِ عَمْرٍو وَلِلدُّنْيَا كَإِنْذَارِ
إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَسْتَعْبِدُوا أَحَدًا *** فَالنَّاسُ قَدْ خُلِقُوا فِي ثَوْبِ أَحْرَارِ
وَرَايَةُ المُلْكِ فَوْقَ العَدْلِ قَائِمَةٌ *** وَالظُّلْمُ يَفْعَلُ فِيهَا فِعْلَ نَخَّارِ
يَا أَعْصُرَ العِزِّ فِي التَّارِيخِ صَفْحَتُهَا *** بَيْضَاءُ مَا لُوِّثَتْ يَوْمًا بِأَوْضَارِ
تَزْهُو بِقُرَّائِنَا تَزْهُو بِقَادَتِنَا *** كَيْفَ البُكَاءُ غَدًا لَحْنًا لِقِيثَارِي
أَبْكِي حَزِينًا عَلَى الأَمْجَادِ ضَيَّعَهَا *** نَهْجُ الخِيَانَةِ يُعْلِي قَادَةَ العَارِ
قَدْ مَزَّقُونَا فَصِرْنَا أُمَّةً شِيَعًا *** تَلْقَى المَهَانَةَ مِنْ وَغْدٍ وَغَدَّارِ
سَاءَلْتُ نَفْسِي وَبِي غَيْظٌ تُؤَجِّجُهُ *** هَذِي الدِّمَاءُ الَّتِي تَجْرِي كَأَنْهَارِ
وَالمُسْلِمُونَ غُثَاءٌ رَغْمَ كَثْرَتِهِمْ *** صَارُوا خِرَافًا تُرَجِّي عَطْفَ جَزَّارِ
كَيْفَ الحَيَاةُ بِأَوْصَالٍ مُمَزَّقَةٍ *** هَلْ تَسْتَوِي رِيشَةٌ فِي وَجْهِ إِعْصَارِ
يَا رَبِّ هَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا *** وَامْنُنْ عَلَيْنَا بِذِي فَهْمٍ..بِمِغْوَارِ
يَحْدُو جُنُودَ الهُدَى طُرًّا لِغَايَتِهِمْ *** يَسْتَنْقِذُ النَّاسَ مِنْ نَابٍ وَأَظْفَارِ
يَسْتَأْصِلُ الحِقْدَ وَالأَضْغَانَ يَمْلَؤُنَا *** بِالحُبِّ يُبْنَى عَلَى بَذْلٍ وَإِيثَارِ
لا يَسْتَهِينُ بِهِ الأَعْدَاءُ مِنْ وَهَنٍ *** لا يَرْتَضِي أَنْ يُرَى يَوْمًا بِخَوَّارِ
إِنَّا مَلِلْنَا دُعَاةَ اليَأْسِ قَاطِبَةً *** مِنْ كُلِّ غِرٍّ وَمَأْجُورٍ وَمُنْهَارِ
نَسْعَى جِهَادًا نُرَوِّي شَوْقَنَا أَمَلاً *** وَكُلُّ شَيْءٍ لَدَى المَوْلَى بِمِقْدَارِ
المصدر: وحيد حامد الدهشان