الانحرافات العقيدية المعاصرة
وقد طرأت عليهم بدع وضلالات بل وشركيات بسبب اختلاطهم بالأمم الأخرى التي حاولت تغيير وجه الإسلام وعقائده، وبسبب كيد أعدائه من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا، ومحاولاتهم المستمرة لتغيير الدين، وتبديلهم لعباداته وعقائده على مر الأيام دون كلل أو ملل.
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وآله وصحبه ومن بهديهم اهتدى، وبعد:
فهذه نبذة مختصرة عن أحوال الأمة الإسلامية العقيدية المعاصرة، نذكر فيها بعض الانحرافات العقدية التي وقعت فيها، والمخالفات للقرآن والسنة، ونهج سلف الأمة.
وقد كانت الأمة في الصدر الأول منها وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان، متمسكين بكتاب ربهم سبحانه، وسنة نبيهم المصطفى المختار، وكان حالهم قبل أن تشرق عليهم شمس العقيدة الإسلامية العظيمة في حال لا يرضى الله تعالى، فقد كانوا يعيشون في الجاهلية العامة من الشرك والوثنية، والجهل والظلم، والسفه والتخلف، والعدوان على الأنفس والأعراض والأموال، وكيف انتشلتهم هذه العقيدة المباركة السمحة من مستنقعات الجاهلية الجهلاء، والضلالات العمياء، وجاءت هذه الملة السمحاء، والعقيدة المباركة؛ لتضعهم في أعلى قمة وصلتها البشرية في تاريخها الطويل، ولتصنع منهم أعظم أمة أخرجت للناس كما وصفهم ربهم سبحانه بذلك بقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران].
وقد طرأت عليهم بدع وضلالات بل وشركيات بسبب اختلاطهم بالأمم الأخرى التي حاولت تغيير وجه الإسلام وعقائده، وبسبب كيد أعدائه من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا، ومحاولاتهم المستمرة لتغيير الدين، وتبديلهم لعباداته وعقائده على مر الأيام دون كلل أو ملل.
وهذه مجمل الأحوال العقدية والعلمية عند المسلمين في القرنين الماضيين تقريباً:
الأول: غربة العقيدة الصحيحة في كثير من المجتمعات الإسلامية، بل ومحاربتها، حيث أضحت عقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم غريبة، بل ومحاربة في كثير من الأحيان والأماكن، يقودهم في ذلك علماء السوء أحياناً من المتصوفة والجهمية، والباطنية والخوارج، والجهال وغيرهم، والحكام أحياناً، الذين ينكلون بدعاتها، ويطاردونهم في كل مكان.
الثاني: انحصار مفهوم العبادة عندهم في الصلاة والزكاة والصيام ونحوها، وهذا الانحراف الخطير الذي لا يزال منتشراً إلى يومنا هذا، حيث يظن كثير من الناس أن العبادة هي مجرد أداء الشعائر التعبدية فقط!! دون بقية المعتقدات والأقوال والأعمال، ومعلوم أن الإسلام يشمل العبادات والعقائد، والأخلاق والمعاملات بأنواعها.
الثالث: ضياع عقيدة الولاء والبراء، وهو الجدار الضخم، والحاجز الصلب الذي عمل أعداء الإسلام على تفتيته وتحطيمه وإزالته، حتى يصلوا إلى تغريب الأمة الإسلامية، وإبعادها عن دينها وأخلاقها وعاداتها الإسلامية، وصبغتها الربانية إلى غيرها من العقائد والأخلاقيات والعادات، ومن ثم إخضاعها وجعلها تابعة ذليلة، والتحكم بمصيرها، وهو ما وقع فعلاً، ووقع فيه طوعاً كثير من المسلمين والمسلمات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
الرابع: فشو التحريف والتبديل لمعاني كتاب الله تعالى، وأحاديث رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث أعملت معاول التأويل الفاسد للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، فيما يتعلق بصفات الباري سبحانه، وصفاته العلا، وأفعاله الكريمة، وفي غيرها من نصوص الوحيين، حيث فسر كتاب الله بالتفسيرات الباطلة البعيدة من الحق المراد لله تعالى لإبعاد الأمة عن الإسلام الصحيح الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم.
الخامس: شيوع الفكر الإرجائي الذي يخرج العمل من الإيمان، ويعتبر الإنسان مؤمناً كامل الإيمان بمجرد قوله: لا إله إلا الله، ولو لم يعمل في الإسلام عملاً واحداً؟ وفداحة هذا الانحراف الذي هيمن على ساحة الفكر الإسلامي.
السادس: هيمنة الفلسفة، وعلم الكلام الدخيل على الأمة، والمأخوذة عن الأمم الوثنية السابقة، على مؤلفات وعلماء العقيدة الإسلامية، وحتى على كثير من المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، حيث صارت العقيدة لا تؤخذ إلا من كتب الكلام المنحرف، وعلى يد علماء الكلام، مع شيوع الفلسفة والمنطق، ومزاحمتها لكتب السلف الكرام، المبنية على الأدلة من الكتاب والسنة وفهم السلف.
السابع: انتشار مظاهر الشرك والبدع والخرافات، ويشمل ذلك:
أ: ظهور الشرك بنوعيه الأكبر والأصغر بتفشي عبادة الأولياء والأضرحة والمقامات والقبور، وانتشار ذلك حتى لم يكد يسلم منه قطر ولا مصر، بل عمت وطمت، وعظمت بها الفتنة، وتوجه لها الناس زرافات ووحداناً؛ بالطواف والنذر، والدعاء والذبح، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ب: انتشار البدع المحدثة، وتفشي الخرافات؛ حيث أصبحت حياة المسلمين ممزوجة بالبدع، مليئة بالخرافات، وعظمت المصيبة، باتخاذ الناس مظاهر الشرك والبدع والخرافات ديناً يتقربون به إلى الله تعالى.
الثامن: ازدياد نشاط فرق الخوارج وأشباههم، واستفحال شرورها في هذه الفترة، والمنحرفة عن طريق أهل السنة والجماعة في التمسك بوحدة المسلمين، والاجتماع على أمرائهم، وقد شقت عصا المسلمين، ودعت إلى الخروج على ولاة الأمور، واستباحت دمائهم، ودماء كل من يقف بطريقها، وكانت وما زالت تتآمر على أمة الإسلام باعتبارها أمة كافرة أو مشركة؟! بل وصل بهم الأمر إلى التعاون مع أعداء الأمة ضد المسلمين؟! وتكيد لهم في كل حين.
التاسع: انتشار مذهب الصوفية، وما لحق بها من عقائد باطلة، وكيف أنها كانت المعول الهدام الذي ضُربت به الأمة في الصميم.
وأخيراً: فإن موقف العلماء مما سبق من الانحرافات العقيدية لم يكن على النحو المطلوب، وما هو واجب على أهل العلم مما أخذه الله عليهم كما قال: {وإذ أَخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبينّنه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلا فبئس ما يشترون} [آل عمران:187].
والميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، أخذه الله تعالى على كل من رزقه الله علماً بالقرآن والسنة، أن يبين للناس ما يحتاجونه من العلم النافع، وأعظمه علم التوحيد والعقائد، ويوضح لهم الحق من الباطل، ثم أحكام الحلال والحرام، ولا يبخل عليهم، خصوصاً إذا سألوه أو وقع بينهم.
بل تجافى كثير منهم عن المشاركة في أحداث الحياة العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مع انغماس كثير منهم في متاع الحياة الدنيا، وعدم قيامهم بالأمانة التي حملهم الله عز وجل إياها.
نسأل الله تعالى الكريم أن يصلح أحوالنا، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، إنه سميع الدعاء.
محمد الحمود النجدي
المصدر: المختار الإسلامي