قول الحق على مستحلي دم المسلم بغير حق
الحق هو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان، أو ارتد بعد إسلام، أو قتل نفسا بغير حقّ ؛ فيقتل به» [أحمد والنسائي عن عائشة رضي الله عنها وهو صحيح أنظر صحيح الجامع].
عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
أما بعد..
يقول الحق جلّ وعلا: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء:33].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » [رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود].
إخوتي في الله:
الدماء لها حرمة عظيمة عند رب الأرض والسماء، فإن الله سبحانه وتعالى كرّم الإنسان كما أخبر في كتابه العزيز فقال سبحانه {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70].
فمن تكريم الله سبحانه وتعالى لابن آدم أن خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وسخّر له ما في السماوات والأرض جميعا منه، وأنزل اليه الكتب وأرسل اليه الرسل وأنزل عليه شريعة ضمنت له كل الحقوق وضمنت له الحياة السعيدة الكريمة، ومن أعظم وأكبر هذه الحقوق هي حق الحياة. والتي لا يجوز لأحد أياَ كان أن يسلب هذه الحياة إلا واهبها جلّ وعلا، وإلا في الحدود الشرعية التي أمر الله سبحانه وتعالى، فلا يجوز أبدا أن تنتهك وتسفك دماء المسلمين والمؤمنين إلا بالحق الشرعي الذي قرره الرب العلي، والحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال سبحانه وتعالى {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ} [الإسراء:33].
والحق هو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: « » [أحمد والنسائي عن عائشة رضي الله عنها وهو صحيح أنظر صحيح الجامع].
فهذه هي الحالات الثلاث التي تسفك فيها الدماء ويكون ذلك على يد ولي الأمر أو ما ينوب عنه، ولا يترك الأمر فوضى فيتحوّل المجتمع الى غابة فيقتل القوي فيه الضعيف أو يتحول الأمر الى مسألة قبائلية وعشائرية جاهلية أو حزبية مقيتة. والتي جاء الإسلام ليحرر الناس من نتنها لأنها بالفعل منتنة فقد، قال صلى الله عليه وسلم: « » [جزء من حديث جابر رضي الله عنه رواه البخاري]. وقال أيضا: « » [جزء من حديث أبي هريرة رواه الترمذي وهو في صحيح الجامع].
وقال صلى الله عليه وسلم: « » [جزء من حديث طويل رواه الترمذي من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه وصححه الألباني]
ومعنى الحديث: أنه من بقي على جاهليته وادّعى بها (أي: ينصر ابن قبيلته وعشيرته سواء ظالم أو مظلوم)، فهذا الشيء من فحم جهنم وحصاه والعياذ بالله. وجاء أيضاً « » [صحيح الجامع].
إخوتي في الله هذه هي الحالات الثلاثة التي يشرع فيها إقامة القصاص؛ وهو حد القتل كما أمر بذلك المولى جلّ وعلا، وأنفذ حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به ولاة أمور المسلمين فهو واجب شرعي لا يجوز إسقاطه إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
فالحالة الأولى للقتل: هي لمن قتل مسلما متعمدا بغير حق ويشمل ذلك من قتل بيده أو أعان على قتله ويندرج تحت هذا من تسبب بالقتل عن طريق التجسس والخيانة لصالح أعداء الله وأعداء المسلمين، فوجب إقامة حد القتل عليه، وهذا ما أمر به المولى جلّ وعلا بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة:178]. ولا يترك هذا الأمر لغير ولاة الأمر أو ما ينوب عنهم كما أسلفنا ذكره، حتى لا يكون هناك تارات أو عداوات بين الناس مما يؤدي الى شق عصا المسلمين وتفرّقهم.
والحالة الثانية للقتل: هي لمن ارتكب جريمة الزنى بعد إحصان (أي بعد الزواج) من ذكر أو أنثى، فحده القتل رجما بالحجارة. وهذا أيضا يكون بأمر من ولي الأمر أو ما ينوب مكانه.
والحالة الثالثة للقتل: هي حد الردّة، لقوله صلى الله عليه وسلم: « » [البخاري عن ابن عباس]. وهذا أيضا يكون من ولي الأمر.
إخوتي في الله: إن قتل النفس المؤمنة بغير الوجهة الشرعية التي ذكرناها، تكون جريمة من أعظم الجرائم وتأتي مباشرة بعد جريمة الإشراك بالله سبحانه وتعالى، والتي وعد الله مرتكبها نار جهنم خالدا فيها، هذا ما بينه جلّ جلاله في محكم تنزيله عند ذكر صفاة عباد الرحمن فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان:68-69]. وقال تعالى متوعدا: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93]. وأما الأحاديث التي تحذر من ارتكاب مثل هذه الجرائم فهي كثيرة، نذكر منها الآتي:
- روى أبو داود والحاكم وابن حبان عن أبي الدرداء، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » [انظر صحيح الجامع].
بين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن قتل المؤمن المتعمد يأتي جرمه مباشرة بعد الإشراك بالله والعياذ بالله سبحانه وتعالى؛ ولهذا الحديث ذهب ابن عباس إلى أن قاتل المؤمن متعمدا لا توبة له، فقد روى الترمذي والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنه سأله سائل فقال: يا أبا العباس! هل للقاتل من توبة؟ فقال ابن عباس كالمعجب من شأنه: ماذا تقول؟! فأعاد عليه مسألته. فقال: ماذا تقول؟! مرتين أو ثلاثاً. ثم قال ابن عباس: أنّى له توبة!، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: « » [صححه الألباني انظر صحيح الترغيب والترهيب] (ومعنى متلببا: أي متمسكا بالقاتل بشدة، ومعنى تشخب أوداجه: أي عروقه يتدفق منها الدم تدفقا بغزارة).
- وروى الطبراني أيضا من حديث ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » [صحيح لغيره كما قال الألباني].
وهنا في هذا الحديث إشارة تبين للذي يقتل نفسا مؤمنة بأوامر عمياء لأجل فلان أو فلان، أو حمية لعشيرته أو قبيلته أو حزبه. ومن المعروف أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق جل وعلا، فإن العزة لله سبحانه.
جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » [رواه مسلم].
- ورو ابن حبان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » [صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب].
في هذا الحديث يبين حبيب الله محمد صلى آله عليه وسلم أن أحب شيء عند الشيطان في إغواء بني آدم، هو إيقاعهم بالشرك وكذلك القتل، ويمنح لمن يقوم بهذا العمل من جنوده رتبة بأن يدنيه منه منزلة، ووسام وهو وضع التاج على رأسه. فبهذا يكون الذي ارتكب هذه الجرم من بني آدم هو نتيجة لعب الشيطان به والاستهزاء منه أن جعله ألعوبة بيده يوجهه كيف يشاء. وما كان لذلك أن يكون إلا بعد أن استحوذ عليه الشيطان فأوقعه بغضب العصبية والجاهلية فأنساه ذكر الله، فارتكب ذلك الجرم. فهو ممن قال الله فيهم: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19] وقوله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً . أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً} [النساء: 120-121].
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: « » [رواه أحمد ومسلم والترمذي عن جابر رضي الله عنه].
ومعنى الحديث أن الشيطان لجأ الى أسلوب التحريش وبث الشحناء والبغضاء بين الناس لما يئس أن يعبده المصلون بعد أن أنار الإيمان قلوبهم، فمن استجاب له وأذعن لما يدعو إليه لا محالة سيصل به الحال الى السعير لأنها هذه هي دعواه فقد أخبرنا الله تعالى عنه بقوله سبحانه: { } [فاطر:6].
- وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » [صحيح أنظر صحيح الترغيب والترهيب].
ومعنى الحديث أنه يكون هناك فتن ويكثر فيها القتال بين المسلمين وكل واحد يقاتل ويرى نفسه أنه على الحق فيقتل أحدهم الآخر، فباعتقاده هذا ينسى نفسه فلا يتوب ويستغفر الله فيبقى على إجرامه فلا يقبل الله سبحانه منه صرفا ولا عدلا؛ أي لا يقبل الله منه فرضا ولا تطوعا وترد عليه عبادته لأن الله تعالى لا يقبل العبادة إلا من المتقين وأنى يكون له التقوى لمن استحل دم أخاه!
- وروى أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » [حسن لغيره أنظر صحيح الترغيب والترهيب].
إخوتي في الله ولعظم هذا الأمر (أي أمر القتل)، فإن الاسلام لم يحرّم دماء المسلمين فحسب بل حرّم دماء المشركين والكافرين غير المحاربين قبل إقامة الحجة عليهم ودعوتهم للإسلام، وكذلك من كان له عهد أو أمان عند أحد من المسلمين، وكذلك أهل الذمة من أهل الكتاب وغير ذلك ممن لهم عهد وميثاق، فهذه بعض الأحاديث التي وردت في هذا الباب:
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: « » [رواه البخاري] ومعنى يرح رائحة الجنة: (أي لم يجد ريحها ولم يشمها).
- وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » [رواه النسائي وهو صحيح انظر صحيح الترغيب والترهيب].
- وعن عمرو بن الحمق قال: قال صلى الله عليه وسلم: « » [رواه النسائي وهو صحيح أنظر صحيح الجامع].
فإذا كان هذا بحق من قتل كافراً بغير حق فكيف بقتل المسلم الموحد، فالأمر جدّ خطير بل إنّ ترويع المسلم يعدّ جرماً وإنه من الكبائر فكيف بقتله. انظر الى بعض هذه الأحاديث التي وردت بالنهي عن ترويع المسلمين فضلاً عن قتلهم:
- قال صلى الله عليه وسلم: « » [رواه أبو داود، أنظر الصحيح المسند].
- قال صلى الله عليه وسلم: « » [رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه].
- وقال صلى الله عليه وسلم: « » [رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].
- وقال صلى الله عليه وسلم: « » [رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه].
وأما قتل المؤمن فتلك الطّامة الكبرى، اسمع أخي في الله بعض ما ورد من أحاديث المصطفى التي ترّهب من قتل المسلم:
- فقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم: « ». أي يبقى المؤمن في أمل من أن الله تعالى سيقبل التوبة منه على ذنب اقترفه إن تاب الى الله مالم يسفك دما حراما، عندها يضيق عليه حاله ويخشى عليه ألا تداركه رحمة الله تعالى بالتوبة عليه فيكون من الخاسرين. ولهذا قال ابن عمر: "إنّ من ورطات الأمور التي لا مخرج منها لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حلّه". وكان يرى رضي الله عنه في عدم قبول التوبة للقاتل.
- وقال صلى الله عليه وسلم: « » [رواه أبو داود والحاكم عن أبي الدرداء وهو صحيح أنظر صحيح الجامع].
وقال أيضاً: « » [الطبراني - صحيح الجامع].
- وقال أيضاً: « » [رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو صحيح انظر صحيح الجامع].
ومعنى قوله كفر: (أي من أعمال أهل الكفر فإنهم هم الذين يقصدون قتال المسلمين، وإذا استحل القاتل دم المسلم بغير الوجهة الشرعية التي ذكرناها سابقا، فإن ذلك يعد كفر مخرج من الملة والعياذ بالله).
- وروى ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: « » [صحيح أنظر صحيح الترغيب والترهيب].
في هذا الحديث يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كم للمؤمن من حرمة والتي تفوق حرمة الكعبة، التي لها حرمة عظيمة لا يعلم حرمتها إلا الله، حيث أن حرمة البيت إنما هي للمؤمنين، قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران:96]. وهناك حديث: « » [هذا الحديث ضعيف لا يصح، انظر ضعيف ابن ماجة، وإن كان معناه صحيحا للحديث الذي ذكرناه آنفا: « »].
والأعظم من ذلك في حرمة المؤمن ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الآتي: قال صلى الله عليه وسلم: « » [رواه النسائي عن بريدة رضي الله عنه وهو صحيح انظر صحيح الجامع].
انظر أخي المسلم حفظك الله، لهذا الحديث العظيم الذي يبين عظمة حرمة دم المؤمن، والذي سيأتي مرتكبه يوم القيامة بذنب أعظم عند الله من زوال الدنيا، فليتفكر قليلا كل من تسول له نفسه قبل أن يرتكب تلك الفعلة الشنعاء و الجرم العظيم، أنه يوما ما لا محالة آت سيقف فيه بين يدي ملك الملوك وجبار السماوات والأرض وهو يوم لا ريب فيه، عندما يقوم الناس لرب العالمين، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] وسيسأله الملك عن هذه النفس المسلمة بأي ذنب قتلت؟!
مثّل وقوفك يوم العرض عريانا *** مستوحشا قلق الأحشاء حيرانا
النّار تلهب من غيظ ومن حنق *** على العصاة ورب العرش غضبان
اقرأ كتابك يا عبد على مهل *** فهل ترى فيه حرفاً غير ما كان
فلمّا قرأت ولم تنكر قراءته *** وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتي *** مرّوا بعبد عصاني النّار عطشانا
المشركون غداً في النار يلتهب *** والموحدون في دار الخلد سكانا
ولعظم حرمة المؤمن فقد أخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه من قتل مؤمنا أكبه الله في نار جهنم وكذلك من أعان على قتله أو اشترك في قتله أكبهم الله في نار جهنم، كان من كان وإن كان أهل سمائه وأرضه، اشتركوا في قتله لأكبهم الله في نار جهنّم، هذا ما بينه حبيب الله في الحديث الآتي:
- فقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » [صحيح أنظر صحيح الجامع]. ولعظم هذا الأمر تأمل أخي في الله معي هذا الحديث الآتي:
- فقد روى الإمام مسلم رحمه الله عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً من المسلمين إلى قوم من المشركين وإنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وإن رجلاً من المسلمين قصد غفلته. قال وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد فلما رفع عليه السيف قال لا اله إلا الله، فقتله فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع. فدعاه فسأله فقال: « » قال يا رسول الله أوجع في المسلمين وقتل فلانا وفلانا وسمى له نفراً، وإني حملت عليه فلما رأى السيف قال لا إله إلا الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ». قال نعم قال: «فكيف تصنع بـ لا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟». قال يا رسول الله استغفر لي. قال: « » قال فجعل لا يزيد على أن يقول « ».
وفي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ». قال: قلت يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح. قال: « »، فما يزال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.
ومعنى قول أسامة: حتى تمنيت أني لو أسلمت يومئذ: أي لو ابتدأ إسلامي الآن ليمحوا عني ما تقدم. وقال هذا الكلام من عظم ما وقع فيه.
انظر أخي أصلحني الله وإياك، لهذا الحديث العظيم رجل من المشركين أكثر القتل في المسلمين حتى إذا قدر عليه أسامة رضي الله عنه قال لا إله إلا الله فما كان من أمر أسامة إلا أن قتله وهذا يعد طبيعيا للجميع ولكن ما كان من شأن رسول الله إلا أن هوّل هذا الأمر لما يعلم عليه الصلاة والسلام ما للنفس المسلمة من حرمة عند رب الأرض والسماء، وكان الواجب على أسامة رضي الله عنه أن يتأنى عليه حتى يعلم حقيقة ما قاله، بهذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم صحابته وأمته من بعده.
- وجاء عن العمران بن الحصين أنه قال: أتى نافع بن الأزرق وأصحابه فقالوا: هلكت يا عمران. قالك ما هلكت. قالوا: بلى. قال: ما الذي أهلكني. قالوا: قال الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ}. قال: قد قاتلناهم حتى نفيناهم فكان الدين كله لله إن شئتم حدثتكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: وأنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: نعم شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث جيشا من المسلمين إلى المشركين فلما لقوهم قاتلوهم قتالا شديدا فمنحوهم أكتافهم فحمل رجل من لحمتي على رجل من المشركين بالرمح فلما غشيه قال أشهد أن لا إله إلا الله إني مسلم فطعنه فقتله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال: « » مرة أو مرتين فأخبره بالذي صنع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ». قال: يا رسول الله لو شققت بطنه لكنت أعلم ما في قلبه؟. قال: « ». قال: فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات فدفناه فأصبح على ظهر الأرض فقالوا لعل عدوا نبشه فدفناه ثم أمرنا غلماننا يحرسونه فأصبح على ظهر الأرض فقلنا لعل الغلمان نعسوا فدفناه ثم حرسناه بأنفسنا فأصبح على ظهر الأرض فألقيناه في بعض تلك الشعاب. وفي رواية: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فحمل رجل من المسلمين على رجل من المشركين فذكر الحديث وزاد فيه: فنبذته الأرض فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: « » [رواه ابن ماجة وهو حسن لغيره].
- سئل بن عباس عمن قتل مؤمنا متعمدا ثم تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى قال: "ويحه وأنى له الهدى سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: « ». والله لقد أنزلها الله عز وجل على نبيكم ثم ما نسخها بعد ما أنزلها" [صحيح ابن ماجة].
- من المعلوم أن الظلم ثلاث، منها ظلم لا يترك الله منه شيء - ظلم الناس فيما بينهم وأعظمه الدماء - ففيه حق لله، حق لولي المقتول، حق للمقتول- حتى الغير مكلفين سيحاسبوا أمام الله فيما بينهم يقتص الخلق بعضهم من بعض حتى الجماء من القرناء وحتى الذرة من الذرة. (صحيح). وأصله في الصحيح بلفظ: « ». [أخرجه مسلم]. وفي لفظ لأحمد: « » (وإسناده صحيح). وله طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: « ». [السلسلة الصحيحة].
- وجاء عن أبي ذر قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتين تنتطحان فقال: « ». قلت: لا. قال: « ». [صحيح - انظر السلسلة الصحيحة]
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ». قيل يا رسول الله وما حقها؟ « » [رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد].
ولكن ويا للأسف من يعلم منا حقيقة هذه المسائل إلا من رحم الله، نحن نعيش الآن في زمن يقتل الرجل فيه أباه وأخاه يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، فلأجل شهوة في النفس أو لأجل فلان من الناس أو لأجل عشيرة أو قبيلة أو لأجل هذا الحزب أو ذاك يرتكب ذلك الجرم الشنيع ويحسب أنه بذلك يتقرب إلى الله، بل حقيقة الأمر بفعله هذا تقرب إلى وليه عدو الله وعدو المؤمنين، إبليس الرجيم الذي يدعو حزبه إلى أن يكونوا من أصحاب السعير. فزيّن لهم الشيطان أعمالهم فارتكبوا هذا الجرم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8]. قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [لأنفال:48].
وقال تعالى أيضاً: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6].
وأختم رسالتي هذه بهذا الحديث العظيم الذي خصَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر وجعله لعموم الأمة، هذا الحديث وجب أن يكتب بمداد من ذهب لأهميته في تجنب الفتن وصون دماء المسلمين وكيف لا وهو وصية من أشرف الخلق أجمعين.
فقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ». قال: فإن لم أُترك؟ قال: « ». قال: فآخذ سلاحي؟ قال: « » [صحيح - انظر صحيح الجامع].
وشرح الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلع أبا ذر على أمر غيبي سيقع في هذه الأمة وأوصاه بوصية غالية إن حدث ذلك، له وللأمة جمعاء، خرجت هذه الوصية من قلب مملوء بالرأفة والرحمة على هذه الأمة، وهذا الفضل لله سبحانه، أن منَّ على هذه الأمة بإرسال محمداً لها نبيا وجعله بالمؤمنين رؤوفاً رحيما. وصى عليه الصلاة والسلام أبا ذر بالتعفف ولا يسأل الناس تذللاً عند حدوث مجاعة بالأمة، وليصبر وليحتسب. وأوصاه إن فشي الموت بالناس وكثر حتى ترتفع أسعار القبور من كثرة الموت فيصبح ثمن القبر بثمن العبد، أوصاه بالصبر والاحتساب وأوصاه كذلك -وهنا ما نريده لهذه الرسالة- إن كثر القتل بين الناس فقتل بعضهم بعضاً حتى تغمر الدماء الحجارة من كثرة عدد القتلى، أوصاه بأن يلزم بيته ويعزلهم ولا يشاركهم ويغلق عليه بيته، فلما سأله أبو ذر وإن لم أترك لم يُجز له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى من الدفاع عن نفسه بل وصاه أن يكون مع أهله وإمامه حتى لم يُجز له بأخذ سلاحه- "قال: فآخذ سلاحي؟ فجاوبه عليه الصلاة والسلام بقوله: « »"، لأنه إذا حمل سلاحه قد يُفهم منه أنه حمله للقتال فَيُواجه فرُبَّ أن يكون لا مناص له من المواجهة فيخشى عندئذ أن ينطبق عليه قول الحبيب صلى الله عليه وسلم:« ». قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: « ».
ولهذا لم يوصه عليه الصلاة والسلام بعدم أخذ سلاحه فحسب بل أوصاه إن واجهه أحدهم بسلاحه وقاتله فلا يقاتله، بل ليستسلم للموت ويكون خير بني آدم حين قال لأخيه: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِين . إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة:28-29]. لأنه ومن المعلوم وكما أخبر الحبيب عليه الصلاة والسلام أن أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء: « ».
بهذا أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم، فاحفظ هذا منه وخذ بوصيته واقتفي أثره واتبع خطاه تنجو من ضنك الدنيا وضيقها إلى سعة الدنيا والآخرة، إلى جنة لا تخطر على قلب بشر.
وجاء في السلسة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ». قلت يا رسول الله - أي الصحابي رواي الحديث -: ومتى ذلك؟ قال: « ». قلت: ومتى أيام الهرج. قال: « ». قلت: فبم تأمرني إن أدركت ذلك الزمان؟ قال: « ». قال: قلت يا رسول الله: أرأيت إن دخل علي داري. قال: « ». قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن دخل علي بيتي. قال: « ».
وقال عليه الصلاة والسلام: « ». قالوا: وما الهرج. قال: « ». قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ. قال: « » [السلسة الصحيحة]. (هباء أي قليل العقل).
- القتل لا شك يُعَد من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله - والعياذ بالله - ويُضاعَف هذا الجُرم إذا كان بين الجارين، حيث جاء عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: « ». قالوا: حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ». قال: « ». قالوا: حرمها الله ورسوله فهي حرام. قال: « » [رواه أحمد وهو صحيح أنظر صحيح الترغيب].
فهذا الحديث يبين أن الذنب مع الجار يضاعف بعشرة أضعاف مع غير الجار لهذا الحديث، والأمر لا يُحصَر على الزنى والسرقة بل هو أعم من ذلك، إذن من قتل جاره كم قتل عشرة رجال ممن سواه، ومن أصاب جاره بشيء من الأذى يكون بعشرة في غيره، ورغم هذا كله تجد أكثر الشجار والقتال بين الجيران ضاربين بذلك أحاديث رسول الله عرض الحائط، فأبن هم من قوله عليه الصلاة والسلام: « » [رواه البخاري ومسلم].
إذا كان الجار سيُحاسَب أمام الله إذا منع فضله عن جاره، فكيف بالذي يؤذيه؟! فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » [رواه الأصبهاني حسن - انظر صحيح الترغيب والترهيب].
ولهذا أول خصمين بين يدي الله الجاران، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » [رواه أحمد، صحيح الترغيب].
بل لعن الله من آذى جاره ولو بالكلمة فكيف بمن قتله وسفك دمه؟! فعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جار. قال: « ». فطرحه فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لقيت من الناس. قال: « » قال: يلعنونني. قال: « ». فقال: إني لا أعود فجاء الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « » [رواه الطبراني، حسن، حسنه الألباني في الترغيب]
أخي المسلم إذا كان هذا بين الجيران فكيف إذا كان بين الأخوة والوالدين والأرحام، فنحن بصدد الخسف من الله والمسخ والقذف من السماء، نسأل الله العفو والعافية وحسن الختام.
وأخيراً أوجه كلمة إلى كل من ارتكب هذا الذنب العظيم وأراد التوبة ألا يقنط من رحمة الله بل يتوب إليه توبة نصوحة مع كثرة البكاء والندم الشديد لما اقترفت يداه والتقرب إليه بالعمل الصالح لعله سبحانه أن يغفر له ذنبه ويتوب عليه فإنه هو التواب الرحيم فقد قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء:48].
أسأل الله تعالى أن يكون هذا العمل خالصاً ابتغاء وجهه الكريم، فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
أبو محمود رزوق
- التصنيف: