الانتصار على الشهوة
سامي بن خالد الحمود
من عجيب خلق الله تعالى أنه خلق الخلق من حيث وجود الشهوة على ثلاثة أصناف. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "قال قتادة: خلق الله سبحانه الملائكة عقولاً بلا شهوات، وخلق البهائم شهوات بلا عقول، وخلق الإنسان وجعل له عقلًا وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو مع الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو كالبهائم" (عدة الصابرين؛ ج1، ص: [15]).
- التصنيفات: تربية النفس -
1- أنواع المخلوقات بالنسبة إلى تركيب الشهوة:
من عجيب خلق الله تعالى أنه خلق الخلق من حيث وجود الشهوة على ثلاثة أصناف. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "قال قتادة: خلق الله سبحانه الملائكة عقولاً بلا شهوات، وخلق البهائم شهوات بلا عقول، وخلق الإنسان وجعل له عقلًا وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو مع الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو كالبهائم" (عدة الصابرين؛ ج1، ص: [15]).
الفائدة من هذا الكلام في تركيب الشهوة، أنه لا بد من وقوع آثارها.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الإنسان... فلابد من وقوع الذنب والمخالفات والمعاصي، فلا بد من ترتب آثار هاتين القوّتين عليهما ولو لم يُخلقا في الإنسان لم يكن إنسانًا بل كان مَلكًا، فالترتب من موجبات الإنسانية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (مفتاح دار السعادة؛ ج1، ص: [297]).
2- الحكمة من تركيب الشهوة في الإنسان:
ذكر أهل العلم عدة حِكَم لتركيب الشهوة في الإنسان، منها:
أ- التكاثر والحفاظ على النسل
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في آدم وحواء: "ثم لمَّا أراد الله سبحانه أن يذرّ نسلهما في الأرض، ويكثره؛ وضع فيهما حرارة الشهوة، ونار الشوق والطلب، وألهم كلاً منهما اجتماعه بصاحبه، فاجتمعا على أمر قد قُدر" (التبيان في أقسام القرآن؛ ج1، ص: [205]).
ب- الابتلاء والامتحان
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فلم تقوَ عقول الأكثرين على إيثار الآجل المنتظر بعد زوال الدنيا على هذا العاجل الحاضر المشاهَد، وقالوا: كيف يباع نقد حاضر وهو قبض باليد بنسيئة مؤخرة وُعِدنا بحصولها بعد طي الدنيا وخراب العالم، ولسان حال أكثرهم يقول: خذ ما تراه، ودع شيئًا سمعت به. فساعد التوفيق الإلهي من عَلِمَ أنه يصلح لمواقع فضله فأمده بقوة إيمان، وبصيرة رأي؛ في ضوئها حقيقة الآخرة ودوامها، وحقيقة الدنيا، وسرعة انقضائها" (شفاء العليل؛ ج1، ص: [265]).
ولهذا سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيما أفضل؟ رجل لم تخطر له الشهوات، ولم تمرّ بباله، أو رجل نازعته إليها نفسه فتركها لله؟ فكتب عمر رضي الله عنه: "إن الذي تشتهي نفسه المعاصي، ويتركها لله عز وجل من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم" (الفوائد؛ ج1، ص: [110]).
ج- الإقبال على الله والانكسار بين يديه
فإن وقوع العبد في آثار الشهوة من الذنوب من أسباب التوبة والندم، والانكسار والذل لله تعالى.
وقال أيضًا: "العبد قد بُلِيَ بالغفلة والشهوة والغضب، ودخول الشيطان على العبد من هذه الأبواب الثلاثة، فإذا أراد الله بعبده خيرًا فتح له من أبواب التوبة والندم، والانكسار والذل، والافتقار والاستعانة به، وصِدق اللجأ إليه، ودوام التضرُّع والدعاء، والتقرُّب إليه بما أمكن من الحسنات ما تكون تلك السيئة به رحمة، حتى يقول عدو الله: يا ليتني تركته ولم أُوقِعه، وهذا معنى قول بعض السلف: إن العبد ليعمل الذنب يدخلُ به الجنة، ويعمل الحسنة يدخلُ بها النار، قالوا: كيف؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نُصب عينيه منه مشفقًا وجلًا، باكيًا نادمًا، مستحيًا من ربه تعالى ناكس الرأس بين يديه، منكسر القلب له؛ فيكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد وفلاحه، حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة، ويفعل الحسنة فلا يزال يَمنُّ بها على ربه، ويتكبّر بها، ويرى نفسه ويُعجب بها، ويستطيل بها، ويقول: فعلتُ وفعلتُ، فيُورِثه من العُجب والكِبْر، والفخر والاستطالة؛ ما يكون سبب هلاكه" (الوابل الصيب؛ ج1، ص: [14]).
د- التشويق إلى ثواب الآخرة، والرغبة فيه لأنه أكمل من شهوات الدنيا؛ فإن الإنسان إذا أدرك شيئًا من لذات الدنيا قاس عليه من باب أولى اللذة التامة في الآخرة، فيعظم طلبه لها.
3- من أنواع الشهوة:
تُطلَق الشهوة على المصدر أي الفعل، كما تُطلَق على الأمر المشتهى وهو المفعول؛ قال ابن تيمية: "الشهوات جمع شهوة، والشهوة هي في الأصل مصدر، ويُسمَّى المشتهى شهوة تسمية للمفعول باسم المصدر قال تعالى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء من الآية:27]" (مجموع الفتاوى؛ ج10، ص: [571]).
"وقد ذكر الله لنا أنواعًا من الشهوات التي جُبِلَت النفوس على محبتها، وهي: قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14].
ففي الآية ذكر أنواع من الشهوات وهي: النساء، والبنين، والأموال، والحيوان، والحرث، وقدّم الله أشد الشهوات وأقوى الفتن وهي النساء، فإن فِتنتهن أعظم فِتن الدنيا، ثم ذكر البنين المتولدين من النساء، ثم ذكر شهوة الأموال لأنها تُقصد لغيرها فشهوتها شهوة الوسائل، وقدَّم أشرف أنواعها وهو الذهب ثم الفضة بعده، ثم ذكر الشهوة المتعلقة بالحيوان الذي لا يُعاشِر عشرة النساء والأولاد، فالشهوة المتعلِّقة به دون الشهوة المتعلِّقة بهم، وقدَّم أشرف هذا النوع وهو الخيل فقدَّمها على الأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم، ثم ذكر الأنعام وقدَّمها على الحرث لأن الجمال بها، والانتفاع أظهر وأكثر من الحرث" (بدائع الفوائد؛ ج1، ص: [85]).
"ومن الشهوات أعراض قلبية مركوزة في النفس البشرية: كالعجب والخيلاء، والقهر والاستعلاء، والغضب، وحب الثناء والمدح، وحب الميل إلى النوم، والإخلاد إلى الراحة، وهذه الأعراض مما لا يكاد يَسلم منه إلا من عَصم الله فمقل ومكثر.
ومنها: حب الرئاسة فإنه الشهوة الخفية كما قال شداد بن أوس رضي الله عنه: يا بقايا العرب يا بقايا العرب! إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية، قيل لأبي داود: ما الشهوة الخفية قال: حب الرئاسة" (رسالة في التوبة؛ ج1، ص: [233]).
4- المشاهد الحيوانية في الشهوة:
إن من عواقب الشهوة أنها تُفسِد الطبع والنفوس حتى تلحق الإنسان بالحيوان الذي تُسيِّره الشهوة، وتحكم سلوكه، وقد ذكر ابن القيم أن أهل الشهوات متفاوتون بحسب تفاوت الحيوانات التي هم على أخلاقها وطباعها:
- "فمنهم من نفسه كلبية لو صادف جيفة تشبع ألف كلب لوقع عليها، وحماها من سائر الكلاب، ونبح كل كلب يدنو منها، همّه شبع بطنه من أي طعام اتفق ميتة أو مذكى، خبيث أو طيب، ولا يستحى من قبيح.
- ومنهم من نفسه حِمارية لم تُخلَق إلا للكدر والعلف، كلما زِيد في علفه زِيد في كدِّه، أبكم الحيوان، وأقله بصيرة.
- ومنهم من نفسه سبعية غضبية هِمَّته العدوان على الناس، وقهرِهم بما وصلت إليه قدرته.
- ومنهم من نفسه فأرية؛ فاسق بطبعه، مُفسِدٌ لِمَا جاروه. ومنهم من نفسه على نفوس ذوات السموم والحُمَات كالحية والعقرب وغيرهما، وهذا الضرب هو الذي يؤذي بعينه، فيُدخل الرجل القبر، والجمل القدر.
- ومن الناس من طبعه طبع خنزير؛ يمرُّ بالطيبات فلا يلوى عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قمه، وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ فلا يحفظها ولا ينقلها، ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها فجعلها فاكهته ونقله.
- ومنهم من هو على طبيعة الطاووس ليس له إلا التطوُّس والتزيُّن بالريش.
- ومنهم من هو على طبيعة الجمل أحقد الحيوان، وأغلظه كبدًا.
- ومنهم من هو على طبيعة الدب أبكم خبيث، وعلى طبيعة القرد.
- وأحمد طبائع الحيوانات طبائع الخيل التي هي أشرف الحيوانات نفوسًا، وأكرمها طبعًا، وكذلك الغنم" (مدارج السالكين؛ ج1، ص: [403]).
5- المنهج الصحيح في التعامل مع الشهوة:
قال ابن تيمية -بعد أن ذكر حديث الثلاثة المتزهدين-: "والأحاديث الموافقة لهذا كثيرة في بيان أن سنته التي هي الاقتصاد في العبادة، وفي ترك الشهوات؛ خير من رهبانية النصارى التي هي ترك عامة الشهوات من النكاح وغيره، والغلو في العبادات صومًا وصلاة، وقد خالف هذا بالتأويل، ولعدم العلم؛ طائفة من الفقهاء والعباد" (اقتضاء الصراط؛ ج1، ص: [105]).
"وإذا كانت اللذة مطلوبة لنفسها فهي إنما تذم إذا أعقبت ألمًا أعظم منها، أو منعت لذة خيرًا منها، وتحمد إذا أعانت على اللذة الدائمة المستقرة وهي لذة الدار الآخرة ونعيمها الذي هو أفضل نعيم وأجله" (روضة المحبين؛ ج1، ص: [156]).
6- عواقب اتباع الشهوة
أ- مرض القلب:
"ومرض القلوب نوعان: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغي، وكلاهما في القرآن قال تعالى في مرض الشبهة: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة من الآية:10]، وأما مرض الشهوات فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب من الآية:32]، فهذا مرض شهوة الزنا" (زاد المعاد؛ ج4، ص: [5]).
"الأسير هو أسير شهوته وهواه، ومتى أسرَّت الشهوة والهوى القلب تمكَّن منه عدوه، وسامه سوء العذاب، وصار كعصفور في كف طفل يسومها حياض الردى، والطفل يلهو ويلعب" (روضة المحبين؛ ج1، ص: [103]).
ب- الضلال عن الحق بسبب سكر الشهوة:
قال تعالى في قوم لوط: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]، وهذا السكر أشد من سكر الخمر، فإن سكر الخمر يكون يومًا أو قريبًا من يوم، وأما سكر الشهوة والمحبة الفاسدة فقوي دائم، وقد يصل إلى الجنون.
قالت جننت على رأسي فقلت لها *** العشق أعظم مما بالمجانين
العشق ليس يفيق الدهر صاحبه *** وإنما يصرع المجنون في الحين
(قاعدة في المحبة؛ ج1، ص: [83]).
ج- الشهوة بريد الكفر والخروج عن الدين:
فإن الشهوة خطوة من خطوات الشيطان التي يتدرَّج بالعبد عن طريقها حتى يُفسِد عليه دينه، وقد يُخرِجه منه.
قال عدي بن ثابت: "كان في زمن بني إسرائيل راهب يعبُد الله حتى كان يؤتى بالمجانين يعوذهم فيبرؤون على يديه، وإنه أُتِيَ بامرأة ذات شرف من قومها قد جنت، وكان لها إخوة، فأتوه بها، فلم يزل الشيطان يُزيِّن له حتى وقع عليها فحملت، فلما استبان حملها لم يزل يخوفه ويُزيِّن له قتلها حتى قتلها ودفنها، فذهب الشيطان في صورة رجل حتى أتى بعض إخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب، ثم أتى بقية إخوتها رجلًا رجلًا، فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول: والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئًا كبُر علي ذِكره، فذكر ذلك بعضهم لبعض حتى رفعوا ذلك إلى مَلكهم، فسار الناس إليه حتى استنزلوه من صومعته فأقرَّ لهم بالذي فعل، فأُمِرَ به فصُلِب، فلما رفع على الخشبة تمثَّل له الشيطان فقال: أنا الذي زيَّنتُ لك هذا، وألقيتك فيه، فهل أنت مطيعي فيما أقول لك وأخلصك؟ قال: نعم، قال: تسجد لي سجدة واحدة، فسجد له، وقتل الرجل، فهو قول الله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16]" (روضة المحبين؛ ج1، ص: [189]).
د- الحجب عن الربِّ جل وعلا:
"فإن العبد إذا قدَّم شهوته على مُراد ربه؛ عرَّض نفسه للحجب والجفاء بينه وبين ربه، فإن أراد الله خذلانه وكَّله إلى شهوته، وتركه محجوبًا عنه، وإن أراد الله عِصمته نغَّص عليه الشهوة، وحال بينه وبين اللذة المُحرَّمة حتى لا تكون حِجابًا بينه وبينه" (مدارج السالكين؛ ج2، ص: [454]).
هـ- إدمان الشهوة وتعلُّق القلب بها:
"مدمنوا الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذون بها، وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها، ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذ به عُشر مِعشار التذاذ من يفعله في بعض الأحيان" (روضة المحبين؛ ج1، ص: [470]).
و- الغفلة عن ذكر الله والصلاة:
"لأن العبد إذا قهر شهوته وهواه قوي قلبه على الصلاة، والخشوع فيها، وهذا بخلاف من قهرته الشهوة، وأسره الهوى، ووجد الشيطان فيه مقعدًا؛ فإنه لا يمكن أن يتخلَّص من الوساوس والأفكار" (الوابل الصيب؛ ج1، ص: [40]).
ز- الشقاء والحسرة في الدنيا:
"فيا حسرة المحب الذي باع نفسه لغير الحبيب الأول بثمن بخس، وشهوة عاجلة ذهبت لذتها، وبقيت تبعتها.
وما في الأرض أشقى من مُحبٍ *** وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكياً في كل حينٍ *** مخافة فِرقة أو لاشتياق
فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم *** ويبكي إن دنوا حذر الفراق
(إغاثة اللهفان؛ ج2، ص: [122]).
د- العقوبة عند الموت:
"شهوات الدنيا في القلب كشهوات الأطعمة في المعدة، وسيجد العبد عند الموت لشهوات الدنيا في قلبه من الكراهة والنتن والقبح ما يجده للأطعمة اللذيذة إذا انتهت إلى غايتها" (عدة الصابرين؛ ج1، ص: [195]).
هـ- العقوبة في البرزخ:
"وفي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه الذي في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ». الجزاء من جنس العمل، فهؤلاء كانوا في الدنيا كلما همُّوا بالتوبة والإقلاع والخروج من تنور الشهوة إلى فضاء التوبة عادوا إليه؛ فكان هذا عذابهم في تنور الآخرة" (روضة المحبين؛ ج1، ص: [442]).
و- العذاب في النار:
في الحديث: « » (رواه مسلم).
قال بعض العلماء: "إذا علا الذكرُ الذكرَ هربت الملائكة، وعجَّت الأرض إلى ربها، ونزل سخط الجبار جل جلاله عليهم، وغشيتهم اللعنة، وحفّت بهم الشياطين، واستأذنت الأرض ربها أن تخسِف بهم، وثقل العرش على حملته، وكبَّرت الملائكة، واستعرَّت الجحيم، فإذا جاءته رسل الله لقبض روحه نقلوها إلى ديار إخوانهم، وموضع عذابهم؛ فكانت روحه بين أرواحهم، وذلك أضيق مكانًا، وأعظم عذابًا من تنور الزناة" (روضة المحبين؛ ج1، ص: [374]).
"ذهبت اللذات، وأعقبت الحسرات، تمتعوا قليلاً وعُذِّبوا طويلاً، أسكرتهم خمرة تلك الشهوات فما استفاقوا منها إلا في ديار المعذّبين، فلو رأيت الأعلى والأسفل من هذه الطائفة والنار تخرج من منافذ وجوههم وأبدانهم وهم بين أطباق الجحيم، وهم يشربون بدل لذيذ الشراب كؤوس الحميم، ويقال لهم وهم على وجوههم يسحبون: {ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} [الزمر من الآية:24]، {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:16]" (الجواب الكافي؛ ج1، ص: [122]).
7) ثمرات الانتصار على الشهوة:
للانتصار على الشهوة عدة ثمرات في الدنيا والآخرة، منها:
أ- سلامة القلب
"وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم، والأمر الجامع لذلك أنه الذي قد سَلِمَ من كل شهوة تُخالِف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره" (إغاثة اللهفان؛ ج1، ص: [7]).
ب- علو النفس والالتحاق بالملأ الأعلى
"فالإنسان مِنَّا إذا غلب صبره باعث الهوى والشهوة التحق بالملائكة، وإن غلب باعث الهوى والشهوة صبره التحق بالشياطين، وإن غلب باعث طبعه من الأكل والشرب والجماع صبره التحق بالبهائم" (عدة الصابرين؛ ج1، ص: [15]).
ج- النجاة من عذاب الله
"وإذا تأمَّلت السبعة الذين يُظلَّهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ وجدتهم إنما نالوا ذلك الظل بمخالفة الهوى، فإن الإمام المسلط القادر لا يتمكّن من العدل إلا بمخالفة هواه، والشاب المؤثر عبادة الله على داعي شبابه لولا مخالفة هواه لم يقدِر على ذلك، والرجل الذي قلبه معلّقٌ بالمساجد إنما حمله على ذلك مخالفة الهوى الداعي له إلى أماكن اللذات، والمتصدِّق المُخفي لصَدقتِه عن شماله لولا قهره لهواه لم يقدِر على ذلك، والذي دعته المرأة الجميلة الشريفة فخاف الله عز وجل وخالف هواه، والذي ذكر الله عز وجل خاليًا ففاضت عيناه من خشيته إنما أوصله إلى ذلك مخالفة هواه، فلم يكن لحرّ الموقف وعرقه وشدته سبيل عليهم يوم القيامة" (روضة المحبين؛ ج1، ص: [471]).
قال أبو سليمان الداراني: "ومن ترك لله شهوة من قلبه فالله أكرم أن يُعذِّب بها قلبه" (روضة المحبين؛ ج1، ص: [441]).
د- دخول الجنة: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ} [النازعات:40-41].
هـ- كمال الإيمان ولذة الأنس بالله والشوق إليه
"فإن لذة الأنس بالله، والشوق إليه، والفرح والابتهاج به؛ لا تحصل في قلب فيه غيره، وإن كان من أهل العبادة والزهد والعلم" (الفوائد؛ ج1، ص: [196]).
8- وسائل مدافعة الشهوة:
أ- "حسم مادة الشهوة وتضييق مجاريها؛ مثاله: قطع العلف عن الدابة الجموح، وعن الكلب الضاري لإضعاف قوتهما. نوع وكمية الغذاء: أن ينظر إلى مادة قوة الشهوة فيحدّها من الأغذية المحرِّكة للشهوة إما بنوعها، أو بكميتها وكثرتها؛ ليحسم هذه المادة بتقليلها" (عدة الصابرين؛ ج1، ص: [41]).
"العلاج النبوي (الصوم): «الزواج-، ثم نقلهم عنه عند العجز إلى البدل وهو الصوم فإنه يكسر شهوة النفس، ويُضيِّق عليها مجاري الشهوة، فإن هذه الشهوة تقوى بكثرة الغذاء وكيفيته" (روضة المحبين؛ ج1، ص: [219]). » (متفقٌ عليه)، فأرشدهم إلى الدواء الشافي الذي وُضِعَ لهذا الأمر -أي
"الختان: مع ما في الختان من الطهارة والنظافة، والتزيين وتحسين الخلقة، وتعديل الشهوة... ولهذا تجد الأقلف من الرجال، والقلفاء من النساء؛ لا يشبع من الجماع" (تحفة المولود؛ ج1، ص: [188]).
ب- قطع الأسباب المهيجة للشهوة؛ مثاله: تغييب اللحم عن الكلب، والشعير عن البهيمة؛ لئلا تتحرك قوتهما له عند المشاهدة.
ومن هذه الأسباب:
"الفِكر في الشهوات: أصل الخير والشر من قبل التفكُّر، فإن الفِكر مبدأ الإرادة والطلب، الفِكر في الشهوات واللذات وطرق تحصيلها لا عاقبة له، ومضرَّته في عاقبة الدنيا قبل الآخرة أضعاف مسرَّته" (الفوائد؛ ج1، ص: [198]).
"النظر المحرَّم (مُحرِّك الشهوة): فيَجتنب مُحرِّك الطلب وهو النظر، فإن داعي الإرادة والشهوة إنما يُهيَّج بالنظر، والنظر يُحرِّك القلب بالشهوة" (عدة الصابرين؛ ج،1 ص: [41]).
"الغِناء: قال فضيل بن عياض: الغِناء رقية الزنى. قال يزيد بن الوليد: يا بني أمية إياكم والغِناء فإنه يُنقِص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدِم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السُكر، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنِّبوه النساء فإن الغِناء داعية الزنى" (إغاثة اللهفان؛ ج1، ص: [246]).
ج- التسلي عن الشهوة بجنسها من المباحات: مثاله، إعطاء البهيمة من الغذاء ما يميل إليه طبعها بحسب الحاجة لتبقى معه القوة، فتطيع صاحبهما، ولا تغلب بإعطائها الزيادة. فإن كل ما يشتهيه الطبع فيما أباحه الله سبحانه غنية عنه، وهذا هو الدواء النافع في حق أكثر الناس كما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم (عدة الصابرين؛ ج1، ص: [41]).
"الزواج: « »، وفي الصحيح من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى امرأة، فأتى زينب رضي الله عنها فقضى حاجته منها، وقال: « »، ففي هذا الحديث عدة فوائد منها: الإرشاد إلى التسلي عن المطلوب بجنسه كما يقوم الطعام مكان الطعام، والثوب مقام الثوب، ومنها: الأمر بمداواة الإعجاب بالمرأة المورث لشهوتها بأنفع الأدوية وهو قضاء وطره من أهله، وذلك ينقض شهوته" (الجواب الكافي؛ ج1، ص: [171]).
د- الصبر؛ وقد يقول قائل: لا أستطيع أن أصبر، الصبر صعب، فنقول: "الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما تُوجِبه الشهوة، فإنها أما أن تُوجِب ألمًا وعقوبة، وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما أن تضيِّع وقتًا، وأما أن تثلم عِرضًا، وإما أن تُذهِب مالاً، وإما أن تَضع قدرًا وجاهًا، وأما أن تَسلب نعمة، وإما أن تُنسي عِلمًا، أو تَحرِم رزقًا، أو تَجلِب همًّا وغمًّا، وحزنًا وخوفًا لا يُقارِب لذة الشهوة" (الفوائد؛ ج1، ص: [139]).
هـ- تعبُّد الله تعالى بأسمائه وصفاته؛ و يكون بأمور منها:
1- إجلال الله تبارك وتعالى أن يُعصى وهو يَرى ويَسمع، ومن قام بقلبه مشهد إجلاله لم يُطاوِعه قلبه لذلك البتة.
2- محبته سبحانه فيترك معصيته محبة له، فإن المُحب لمن يُحب مطيع، وأفضل الترك ترك المحبين، كما أن أفضل الطاعة طاعة المحبين، فبين ترك المُحب وطاعته وترك من يخاف العذاب وطاعته بون بعيد.
3- شهود نعمته وإحسانه، فإن الكريم لا يُقابل بالإساءة من أحسن إليه، وإنما يفعل هذا لئام الناس، فليمنعه مشهد إحسان الله تعالى ونعمته عن معصيته حياء منه أن يكون خير الله وإنعامه نازِلًا إليه، ومخالفاته ومعاصيه وقبائحه صاعدة إلى ربه، فملك ينزل بهذا، وملك يعرج بذاك، فأقبح بها من مقابلة.
4- شهود غضبه وانتقامه فإن الربّ تعالى إذا تمادى العبد في معصيته غضِب، وإذا غضِب لم يقم لغضبه شيء، فضلاً عن هذا العبد الضعيف، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عن يوسف الصديق من العفاف أعظم ما يكون، فإن الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في حق غيره، فإنه كان شابًا، والشباب مركب الشهوة، وكان عزبًا ليس عنده ما يُعوِّضه، وكان غريبًا عن أهله ووطنه والمقيم بين أهله وأصحابه يستحي منهم أن يعلموا به، فيسقط من عيونهم، فإذا تغرَّب زال هذا المانع، وكان في صورة المملوك والعبد لا يأنف مما يأنف منه الحُرّ، وكانت المرأة ذات منصب وجمال، والداعي مع ذلك أقوى من داعي من ليس كذلك، وكانت هي المُطالِبة فيزول بذلك كلفة تعرُّض الرجل وطلبه وخوفه من عدم الإجابة، وزادت مع الطلب الرغبة التامة، والمراودة التي يزول معها ظن الامتحان والاختبار لتعلم عفافه من فجوره، وكانت في محل سلطانها وبيتها بحيث تعرِف وقت الإمكان ومكانه الذي لا تناله العيون، وزادت مع ذلك تغليق الأبواب لتأمَن هجوم الداخل على بغتة، وأتته بالرغبة والرهبة، ومع هذا كله فعفَّ لله ولم يُطِعها، وقدَّم حق الله وحق سيدها على ذلك كله، وهذا أمر لو ابتُلِي به سِواه لم يعلم كيف كانت تكون حاله" (روضة المحبين: ج1، ص: [319]).
قال الحسن بن زيد: "ولينا بديار مصر رجل فوجد على بعض عماله فحبسه وقيَّده، فأشرفت عليه ابنة الوالي فهويته فكتبت إليه:
أيها الرامي بعينيه وفي الطرف الحتوف *** إن ترد وصلًا فقد أمكنك الظبي الألوف
فأجابها الفتى:
إن تريني زاني العينين فالفرج عفيف *** ليس إلا النظر الفاتر والشعر الظريف
فأجابته:
قد أردناك فألفيناك إنسانًا عفيفًا *** فتأبّيت فلا زلت لقيديك حليفًا
فأجابها:
ما تأبيت لأني كنت للظبي عيوفًا *** غير أني خِفتُ ربًا كان بي بَرًّا لطيفًا
فذاع الشعر، وبلغت القصة الوالي، فدعا به فزوجه إياها ودفعها إليه.
هـ- استشعار فوات وصف الإيمان الكامل: كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « »؛ قال بعض الصحابة رضوان الله عليهم: "ينزع منه الإيمان حتى يبقى على رأسه مثل الظلة، فإن تاب رجع إليه"، وقال بعض التابعين: "ينزع عنه الإيمان كما ينزع القميص فإن تاب لبسه" (عدة الصابرين؛ ج1، ص: [41]).
و- استشعار العوض: فإن من ترك شيئًا لله بدَّله الله خيرًا منه.
ز- تذكُّر الموت والدار الآخرة: "التفكُّر في الدنيا، وسرعة زوالها، وقُرب انقضائها، كان أبو الدرداء يقول: "لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم طعامًا على شهوة، ولا شربتم شرابًا على شهوة، ولا دخلتم بيتًا تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصعدات تضربون صدوركم، وتبكون على أنفسكم، ولوددتُ أني شجرة تعضد ثم تؤكل" (الجواب الكافي؛ ج1، ص: [26]).
قال الحسن البصري: "كانت امرأة بغي قد فاقت أهل عصرها في الحسن لا تُمكِّن من نفسها إلا بمائة دينار، وإن رجلاً أبصرها فأعجبته، فذهب فعمل بيديه وعالج فجمع مائة دينار، فجاء فقال: إنكِ قد أعجبتني، فانطلقتُ فعمِلتُ بيدي وعالجتُ حتى جمعتُ مائة دينار، فقالت: ادفعها إلى القهرمان حتى ينقدها ويزنها. فلما فعل قالت: ادخل وكان لها بيت منجَّد، وسرير من ذهب، فقالت: هلم لك فلما جلس منها مجلس الخائن تذكَّر مقامه بين يدي الله فأخذته رعدة وطفئت شهوته، فقال: اتركيني لأخرج ولكِ المائة دينار. فقالت: ما بدا لك وقد رأيتني كما زعمت فأعجبتك فذهبت فعالجت وكدحت حتى جمعت مائة دينار، فلما قدرت عليَّ فعلت الذي فعلت؟ فقال: ما حملني على ذلك إلا الفرق من الله، وذكرتُ مقامي بين يديه. قالت: إن كنت صادقًا فمالي زوج غيرك. قال: ذريني لأخرج. قالت: لا إلا أن تجعل لي عهدًا أن تتزوجني. فقال: لا حتى أخرج. قالت: عليك عهد الله إن إنا أتيتك أن تتزوجني؟ قال: لعل. فتقنَّع بثوبه ثم خرج إلى بلده، وارتحلت المرأة بدنياها نادمة على ما كان منها، حتى قدِمَت بلده فسألت عن اسمه ومنزله فدُلَّت عليه، فقيل له: الملكة جاءت بنفسها تسأل عنك، فلما رآها شهق شهقة فمات، فأسقط في يدها، فقالت: أما هذا فقد فاتني أما له من قريب، قيل: بلى أخوه رجل فقير، فقالت: إني أتزوجك حبًا لأخيك، قال: فتزوجته فولدت له سبعة أبناء"، وفي جامع الترمذي؛ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (قال الترمذي: "هذا حديث حسن") (روضة المحبين؛ ج1، ص: [452]).
ح- "تدبُّر القرآن والعمل به: فالقرآن شفاءٌ لمرض الشهوات بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة؛ بالترغيب والترهيب، والتزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة" (إغاثة اللهفان؛ ج1، ص: [104]).
قال يحيى بن أيوب: "كان بالمدينة فتى يُعجِب عمر بن الخطاب رضي الله عنه شأنه، فانصرف ليلة من صلاة العشاء فتمثَّلت له امرأة بين يديه، فعرضت له بنفسها فَفُتِنَ بها، ومضت فاتبعها حتى وقف على بابها، فأبصر وجلًا عن قلبه، وحضرته هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف:201] فخرَّ مغشيًا عليه، فنظرت إليه المرأة فإذا هو كالميت، فلم تزل هي وجارية لها يتعاونان عليه حتى ألقياه على باب داره، فخرج أبوه فرآه ملقىً على باب الدار لما به، فحمله وأدخله فأفاق، فسأله: ما أصابك يا بني؟ فلم يُخبِره، فلم يزل به حتى أخبره، فلما تلا الآية شهق شهقة فخرجت نفسه، فبلغ عمر رضي الله عنه قِصته فقال: "ألا آذنتموني بموته؟"ـ، فذهب حتى وقف على قبره فنادى: "يا فلان: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]، فسمع صوتًا من داخل القبر: قد أعطاني ربي يا عمر".
ط- "التفكُّر في مقابح الصورة التي تدعوه نفسه إليها فإن كانت المرأة تفجُر معه ومع غيره فليُعِزُّ نفسه أن يشرب من حوض ترِده الكلاب والذئاب كما قيل:
سأترك وصلكم شرفًا وعِزًا *** لِخِسة سائر الشركاء فيه
إذ كثُر الذباب على طعامٍ *** رفعتُ يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء *** إذا كان الكلاب يلغن فيه
وليذكُر أن ريقه يخالط ريق كل خبيث، ومن له أدنى مروءة ونخوة يأنَف لنفسه من مواصلة من هذا شأنه، فإن كانت المرأة لا تفجُر مع غيره؛ فلينظر إلى ما وراء هذا اللون والجمال الظاهر من القبائح الباطنة لهذه المرأة التي خانت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأهلها ونفسها، ولا نسبة لجمال صورتها إلى هذا القبح البتة" (عدة الصابرين؛ ج1، ص: [41]).
"وليَعلم العبد أن نساء الدنيا مهما بلغوا من جمال الصورة فإنهن عرضة للأذى والقذر، ولهذا أزرى الله بهن عندما وصف الحور العين فقال: {لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} [النساء من الآية:57]؛ أي مطهَّرةٌ من البُصاق والمُخاط، والبول والغائط، والحيض والنفاس، وسائر الأقذار والنجاسات، وهذا بخلاف نساء الدنيا، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إذا أعجب أحدكم امرأة فليذكر مناتنها" (روضة المحبين؛ ج1، ص: [471]).
ي- الدعاء والانكسار بين يدي الله: فعلى العبد أن يتعرَّض إلى من القلوب بين أصبعيه، وأزمة الأمور بيديه، لعله يصادف نفحة رحمانية، وساعة من الساعات التي لا يسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه.
والله ولي التوفيق.